الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مخاطر تتهدد الديمقراطية

23 ابريل 2018 02:20
«آمل أن نستطيع يوماً العودة إلى بلد نعرفه». لأول مرة منذ أن قُتلت في انفجار سيارة قبل ستة أشهر، تحدّث أفراد عائلة «دافني كاروانا غاليزيا» علناً حول الظروف التي أدت إلى مقتلها. كاروانا غاليزيا كانت صحفية مالطية تكتب عن الفساد وغسل الأموال في بلد غض الطرف عنهما. ومثلما يقول أبناؤها في فيديو سجله تكتلٌ دولي شكِّل من أجل مواصلة تحقيقاتها، فإنها كانت «تكافح من أجل الرقي بمالطا والمجتمع المالطي إلى معايير أعلى». كانت كاروانا غاليزيا تكتب أيضاً عن بلد شهد تغيرات كبيرة. فمالطا التي كانت في الماضي مجرد جزيرة صخرية نائمة منسية في البحر الأبيض المتوسط، وكانت مستعمرة بريطانية حتى عام 1964، حوّلت نفسها على مدى العقد الماضي إلى ملاذ ضريبي، وقطب لألعاب القمار الإلكتروني، لكن أيضاً إلى قطب دولي لغسل الأموال، مثلما تزعم كاروانا غاليزيا. وخلال السنوات القليلة الماضية، استفادت الجزيرة كثيراً من بيع جوازات السفر المالطية، وأضحت وجهة لمجرمين ورجال أعمال شرعيين من حول العالم يركنون طائراتهم في مطار فاليتا ثم يتبادلون حقائب مليئة بالمال مقابل حق العيش، والحفاظ على أموالهم، داخل الاتحاد الأوروبي. وقد استفاد الكثير من المالطيين من ارتفاع أسعار العقارات، لكن كاروانا غالزيا كانت تشتبه في أن بعض ذلك المال كان يذهب مباشرة إلى سياسيين ومسؤولين مالطيين. في مالطا، المؤسسات المستقلة التي يفترض، نظرياً، أن تسهر على تطبيق القانون، هي، في الواقع، أضعف من أن تقوم بذلك. وفي هذا الصدد، يقول بول كاروانا غالزيا، وهو أحد أبناء دافني، إن رئيس الوزراء في مالطا، يتحكم، في الواقع، في الشرطة، وفي التعيينات القضائية، وفي المدعي العام. ونتيجة لذلك، فلا شيء من قصص والدته تقريبا، بما في ذلك تلك التي تربط رئيس الوزراء والمقربين منه بحسابات سرية في الخارج، أدى إلى تحقيقات رسمية، ناهيك عن محاكمات. وقال لي بول في هذا السياق: «إنه لم يسبق لأي مدع عام أن فتح قضية ضد الحكومة». نقطة الضعف هذه أثّرت على قضية قتل والدته: فعلى الرغم من أن ثلاثة رجال أُوقفوا للاشتباه في قيامهم بزرع قنبلة في سيارتها، إلا أن السلطات لم تكتشف من كان وراء ذلك، كما لم تستجوب أياً من الأشخاص الكثيرين الذين ربما كان لديهم دافع للقيام بالتفجير. لكن هل هذا الفشل في السهر على تطبيق القانون غير مألوف لهذه الدرجة؟ الواقع أنه في هذا الأسبوع فقط، أفادت تقارير برفض سلطات الضرائب في بريطانيا، وهي بلد يفترض أن لديه مؤسسات أكثر قوة وصلابة من مالطا، التحقيق في قضية شركة الاتصالات البريطانية «لايكاموبايل»، وذلك على الرغم من توقيف المحققين الفرنسيين لـ19 شخصاً متهمين باستعمال حساباتها لغسل الأموال. وعلى الرغم من أن الادعاءات ضد «لايكاموبايل» تشمل تفاصيل قذرة على غرار تلك التي قد نجدها في قصة من قصص كاروانا غاليزيا –سعاةٌ يوصلون أكياس مال في مكاتب البريد عبر لندن، ومخططات فساد كبيرة للتلاعب بالفواتير، وشركات وهمية- إلا أن موقع «بازفيد نيوز» نشر مقتطفات من رسالة للحكومة تشرح لماذا ترددت سلطات الضرائب البريطانية، حيث حاجج المسؤولون بأن الشركة كبيرة جداً -إنها «شركة كبيرة متعددة الجنسيات» ذات «أصول كبيرة في حوزتها»- وقوية جداً: ذلك أن «لايكاموبايل» هي «أكبر مانح من بين الشركات لحزب المحافظين الذي تقوده رئيسة الوزراء تيريزا ماي، كما تبرعت بـ1.25 مليون يورو لصندوق الأمير تشارلز في 2012». وإذا كانت سلطات الضرائب وشرطة الفساد والقضاة والمدّعون يعانون من نقص الموظفين ومن الترهيب، لدرجة تحول دون تطبيقهم القانون في بريطانيا، البلد الذي يفتخر بتقاليده الديمقراطية العتيقة، مثل حكم القانون– فكيف سيكون حال هؤلاء في بلدان أخرى يا ترى؟ الواقع أن هذه ليست مجرد مشكلة أوروبية. فبعيداً عن دوره الذي ربط حملة ترامب بروسيا، فإنه من اللافت عدد الاختلالات الكبيرة التي وجدها المحقق الخاص روبرت مولر في قضايا أعمال بول مانافورت. فلو أن هذا الأخير لم يدخل الحياة السياسية الأميركية من جديد ويصبح موضع تحقيق كبير، لكان قد أفلت من العقاب رغم فساده المفترض، تماما مثلما يفعل معظم غاسلي الأموال في العالم. قصته، وعلى غرار قصة كاروانا غاليزيا، تُظهر أن ثمة أكثر من طريقة واحدة أمام الديمقراطية لكي تفشل. فالمؤسسات المستقلة التي تطبق القانون، وتسيطر على الإجرام، وتمنع الفساد.. يمكن إضعافها، بشكل صريح ودراماتيكي، من الأعلى، مثلما هو عليه الحال في المجر. لكن يمكن إضعافها أيضاً من الأسفل. ذلك أنه إذا حُرمت المؤسسات القانونية المستقلة من الموارد وعانت من نقص الموظفين، وإذا ما تم تجاهل الصحفيين الذين يبلّغون عن الجرائم، وأظهر الجمهور أنه غير مكترث.. فهذه أيضاً طرق مضمونة تفضي إلى الفشل الديمقراطي. ومثل هذه الأشياء يمكن أن تحدث ببطء وصمت وبدون أن نشعر بها تقريباً، على الأقل إلى أن تكشف أزمةٌ أو انفجار قنبلة، أن مواطنيها يعيشون في بلد لم يعودوا يعرفونه. *محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©