الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسات المالكي... وخطر تقسيم العراق

سياسات المالكي... وخطر تقسيم العراق
28 مارس 2013 00:09
هنري باركي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاي الأميركية العراق في طريقه إلى التفكك والولايات المتحدة لا تفعل شيئاً لمنع حدوث ذلك، بل إنك إذا سألت الناس في العراق، فإنها ربما تعمل على المساهمة فيه. والواقع أنه باستثناءات قليلة جداً، لم يحظ حدث مهم شهده العراق هذا الشهر باهتمام وسائل الإعلام الأميركية. ويتمثل هذا الحدث في إقدام رئيس الوزراء العراقي على إرسال قوة شملت طائرات هيلوكبتر إلى غرب العراق من أجل توقيف رافع العيساوي، وزير المالية السابق والعضو البارز في المعارضة السُنية. ولكن العيساوي، الذي كان يتولى حمايته أعضاء مسلحون من عشيرة أبو ريشة، التي تعد واحدة من أقوى القبائل السُنية في عراق ما بعد 2003، نجا من الاعتقال. هذا الحدث جاء في أعقاب مكالمة هاتفية أجراها المالكي مع وزير الخارجية الأميركي وأخذ واشنطن على حين غرة. ولو تلته مواجهة مسلحة، لكانت النتائج كارثية. بل إنه كان من الممكن أن يوفر الشرارة لبداية حرب أهلية. ومع ذلك، فإن ما قام به المالكي يمثل مسماراً آخر في نعش العراق الموحد. ذلك أن المالكي، الشيعي، كان قد اتهم من قبل نائب الرئيس طارق الهاشمي، الشخصية السياسية السُنية البارزة، بالإرهاب، وهو ما أرغمه على الفرار من العراق في عام 2011. ولاحقاً، حوكم الهاشمي غيابياً وصدر في حقه حكم بالإعدام. سياسات المالكي زادت التوتر بشكل كبير في المناطق السُنية من العراق؛ فهناك مظاهرات في العديد من المحافظات السُنية التي تسعى إلى محاكاة مظاهرات «الربيع العربي»، وذلك هو أحد أسباب استهداف المالكي للعيساوي، ذلك أنه يريد احتواء حركة الاحتجاج قبل انتشارها. غير أن أسلوب المالكي الصدامي والاستبدادي على نحو متزايد تسبب أيضاً في استعداء الأكراد العراقيين، الذين نجحوا، خلافاً للسُنة، في جعل الدستور العراقي يعترف بمنطقتهم الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان، حيث يتولى الأكراد إدارة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي لديها قوات دفاع خاصة بها. غير أن العلاقة بين بغداد والعاصمة الإقليمية الكردستانية إربيل، أضحت متوترة للغاية بعد أن جعلت الحكومة المركزية التعاون صعباً، إنْ لم يكن مستحيلاً. وعلى ما يبدو، فإن بغداد غاضبة من محاولات الأكراد عقد صفقات مستقلة مع شركات نفط أجنبية. غير أنه في صميم سياسات المالكي هناك قلق من التطورات في سوريا. ذلك أن المالكي، المقتنع بأن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ينتمي إلى طائفة العلويين الشيعية، في طريقه إلى التنحي، يخشى تدفق سيل من المقاتلين السُنة عبر الحدود لإعادة إشعال الحرب الأهلية، التي كانت تهدد بالاندلاع في العراق منذ الاحتلال الأميركي. ويعتقد أن الأكراد أنشأوا منطقتهم، وأن استقلالهم مسألة وقت فقط، ولذلك، فإن همه الرئيسي هو تعزيز سيطرته على المناطق الشيعية وبغداد. بيد أن اتجاهات المالكي يخشى من أنها تأخذ البلاد نحو انقسام وفق خطوط طائفية وإثنية. وهذا ليس ما تريده الولايات المتحدة، كما أنه لن يفضي إلى الاستقرار في المنطقة، لأن العراق سيخضع لتدخلات بعض جيرانه المتربصين. ولكن واشنطن ساهمت في هذه العملية من خلال سياساتها التي خدمت مصلحة المالكي. إذ يبدو أنه في كل مرة تنخرط فيها الولايات المتحدة مع المالكي، يشعر هذا الأخير بالقوة ويقبل على المجازفة وركوب المخاطر، وخاصة أن واشنطن لا تحاول احتواءه. ولنأخذ، على سبيل المثال، علاقة الولايات المتحدة مع حكومة إقليم كردستان. فالأكراد يشتكون من أن واشنطن تنحاز إلى بغداد على حسابهم. ومن عقود النفط إلى عمليات التبادل التعليمي، ويبدو أن واشنطن تخاف من تجاوز المالكي. ولكن، ما الذي يفسر ما يبدو لامبالاة أميركية تجاه مشاكل العراق المتفاقمة؟ أحد التفسيرات الممكنة هو أن الولايات المتحدة تنظر إلى دعم المالكي باعتباره محاولة الفرصة الأخيرة لاحتواء الشيعة في العراق والحؤول دون أن يصبحوا خاضعين كلياً لنفوذ إيران. ففي النهاية، إيران تمارس قدراً كبيراً من التأثير في المحافظات الشيعية للعراق، ومن المحتمل أن تحكم قبضتها على العراق مع ازدياد التوتر، وخاصة في حال انهيار سوريا. ولعل ما يزيد الطين بلة هو غياب الرئيس العراقي جلال طالباني، الكردي، الذي أصيب بسكتة دماغية في ديسمبر الماضي ويخضع للعلاج حالياً في ألمانيا. فطالباني، المخضرم والمتعقل، وظيفته الأساسية كانت هي توفير إشراف «أبوي» على كل الأطراف المتصارعة في بغداد. ولكن مرضه خلق فراغاً خطيراً. ومن غير المحتمل أن يخلفه أي أحد قريباً لأن أي إشارة إلى موضوع خلافته داخل حكومة إقليم كردستان، حيث يحظى بالتقدير والاحترام، تعتبر من التابوهات. وقد يكون العراق متجهاً نحو التفكك. ولكن السبيل إلى تجنب ذلك ليس هو تقوية أطراف تتحمل أكبر قدر من المسؤولية عن دفع الأطراف إلى الافتراق والانفصال، بل الحل يمكن في عمل العراق على تطوير هياكله الفيدرالية أكثر، وجعل بغداد منطقة فيدرالية، وتفويض السلطة للمحافظات. وحينها سيكون في حاجة إلى خلق مصلحة للجميع حتى يرغب في البقاء داخل مثل هذا الاتحاد. ولعل اللامركزية مع وعد بتقاسم متساو لعائدات البلاد النفطية هما العزاء الوحيد الذي سيحافظ على تماسك البلاد. ولكن الخوف، هو أنه في المرة المقبلة التي يلجأ فيها المالكي، المستقوي بدعم أميركي حقيقي أو متصوَّر، إلى القوة ضد المعارضة، فإن النتيجة قد لا تنتهي نهاية هادئة مثلما حصل في حادث العيساوي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©