الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تشافيز والاقتصاد السحري

28 مارس 2013 00:09
براد شيلر أستاذ اقتصاد متقاعد بالجامعة الأميركية- واشنطن قبل وفاته بسنتين، حاول هوجو تشافيز إلغاء قانون العرض والطلب، الذي يقوم على أساس أن الأسواق الحرة هي التي تحدد سعر السلع: فكلما ازداد الطلب على سلعة ما، كلما ارتفع سعرها. وكل منتج لديه الرغبة في البيع بهذا السعر «التوازني» سيكون بمقدوره عمل ذلك، وكل مستهلك لديه الرغبة في شراء السلعة والقدرة على دفع السعر المحدد يستطيع أيضاً الحصول عليها. وقد كان تشافيز يحتقر هذا القانون، لأنه يعتقد أنه يحرم الفقراء، ويتيح للمنتجين تحقيق أرباح غير عادلة. ولوضع قانون بديل أقنع تشافيز المشرعين الفنزويليين بتفعيل القانون المعروف بـ«قانون التكاليف والأسعار العادلة» وهو عبارة عن آلية لتحديد الأسعار، الهدف منها تحقيق قدر أكبر من العدالة. واستلزم ذلك تفعيل ما يعرف بـ«الهيئة الوطنية للرقابة على الأسعار والتكاليف العادلة» المختصة بتحديد أسعار السلع في أسواق التجزئة والجملة على حد سواء. وقامت الهيئة بإصدار 500 ألف أمر لتحديد أسعار السلع، وكانت أي شركة تخالف تلك الأوامر، تتعرض للغرامات، والحجز، والمصادرة. وفي جميع الحالات، كانت الأسعار المحددة من قبل الحكومة تقل عن الأسعار السوقية -في بعض الأحيان بنسبة كبيرة للغاية- وهو ما كان يدفع المنتجين لتخفيض إنتاجهم، ونقص السلع في الأسواق، واضطرار الحكومة لدعمها بمبالغ ضخمة، وارتفاع مستوى التضخم إلى حدود كبيرة، والتدخل الحكومي المكثف لاحتواء ذلك. وكان الدعم الذي كلف الحكومة خسائر فادحة -فاقت ما كانت تتحمله من أجل دعم السلع الأخرى- هو دعم البنزين: فالفنزويليون يدفعون ما بين 4-6 سنتات للجالون، وهو أقل سعر لتلك المادة في العالم مع أن الجالون كان يكلف شركة «بيتروليوس دي فينيزويلا» المملوكة للحكومة، ما يقرب من دولارين لاستخراجه، وتكريره، وتوزيعه. ومع وصول الاستهلاك المحلي من البنزين في الوقت الراهن إلى 600 ألف برميل في اليوم فإن الخسائر السنوية الناتجة عن بيع المنتجات البترولية المدعومة، كانت تصل إلى ما يقرب من 20 مليار دولار سنوياً. ونظراً لأن فنزويلا ما زالت واحدة من كبريات الدول المنتجة للبترول في العام، فإن سعر البنزين المدعوم والمنخفض للغاية عن السعر الحقيقي، لم يسبب أي نقص في تلك المادة في الأسواق المحلية. ولا ينطبق هذا بالطبع على المنتجات الاستهلاكية الأخرى ومنها القهوة، التي أدى التدخل الحكومي في تحديد أسعارها إلى إحجام المزارعين عن زراعتها، مما أدى إلى نقص الإنتاج، وشح كميات القهوة المتاحة في الأسواق المحلية، واضطرار الحكومة للتدخل في عملية الإنتاج، من خلال مصادرة أكبر شركة منتجة للقهوة في البلاد، وشراء 50 في المئة من أسهم الشركات المنتجة الأخرى. والنتيجة أن الحكومة الفنزويلية تتحكم الآن في إنتاج 80 في المئة من القهوة، في حين تنتج المزارع الصغيرة الكمية المتبقية. وعلى رغم هذا التدخل الحكومي الكبير، والخسائر الفادحة التي تحملتها الميزانية العامة للدولة جراء ذلك، فإن فنزويلا لا تنتج كميات من القهوة تكفي لسد حاجة الاستهلاك المحلي، ما أدى إلى تحولها من دولة مصدرة للقهوة إلى دولة مستوردة لها. وهذا المستوى من النقص السلعي، أصاب سوق دقيق الذرة أيضاً. فأسعار الخبز في فنزويلا محددة على نحو اصطناعي عند مستويات منخفضة للغاية، لضمان أنه سيكون بمقدور أي فنزويلي مهما كان فقيراً شراؤه. وينطبق هذا على سعر الدقيق كذلك؛ بيد أن المشكلة هنا هي أنه عندما تحصل المخابز على دقيق الذرة فإنها غالباً ما تستخدمه في إنتاج المخبوزات عالية الثمن مثل الخبز الفاخر، والحلويات. وينتج عن هذا نقص في الدقيق والخبز معاً وارتفاع أسعار الدقيق في السوق السوداء عن السعر الحكومي المدعوم، بنسبة تصل في بعض الحالات إلى 50 في المئة. وفي العام الماضي حاول تشافيز أن يمد نطاق قانون «التكاليف والأسعار العادلة» إلى قطاع المساكن المستأجرة. وكانت القوانين والضوابط السابقة لتحديد القيمة الإيجارية للمساكن قد أدت إلى إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار في بناء مساكن جديدة، وحدوث أزمة إسكان حادة، ما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الشقق والمنازل إلى مستويات باهظة (70 في المئة خلال سنوات قليلة) وعدم قدرة قطاعات متنامية من المواطنين على الحصول في النهاية على السكن الملائم لهم وحدوث اضطرابات اجتماعية. ورأى تشافيز أن المسألة تحتاج إلى ضوابط أكثر صرامة. ولذلك قررت الحكومة، في نوفمبر من العام الماضي، أن الإيجارات لا يجوز أن تزيد عن نسبة معينة عن القيمة السوقية الفعلية للمساكن المراد تأجيرها أو امتلاكها. ولما كانت تلك القيمة محددة أصلاً من قبل هيئة الرقابة على الأسعار والتكاليف العادلة، فقد كانت النتيجة هي أن أزمة السكان ازدادت حدة. إن محاولة تشافيز إلغاء قانون العرض والطلب، واستبداله بمنظومة ضوابط وقوانين للتحكم في الأسعار مثلت كارثة اقتصادية على بلاده. فتدمير منظومة الأرباح، والاستثمار، وحوافز العمل، حال دون النمو الاقتصادي ما جعل الحكومة والاقتصاد معاً مضطرين للاعتماد بشكل متزايد على تدفق أموال البترول، وهو سلعة متناقصة في نهاية المطاف، ولولاه لكانت فنزويلا قد انفجرت من الداخل. وجاءت وفاة تشافيز لتثير الأمل مجدداً في إقدام فنزويلا على إجراء عملية إعادة هيكلة اقتصادية تؤدي إلى تقليص عدد الضوابط والقيود الحكومة، وتشجع المشروعات الخاصة. ولكن ذلك لن يحدث في أي وقت قريب. فخلف تشافيز الذي حرص على اختياره بنفسه «نيكولاس مادورو» سيعمل حتماً على كسب قلوب وثقة الشعب. وكما تعلم تشافيز نفسه في مناسبات عديدة فإن التخلي عن الضوابط والقيود السعرية، وتطبيق إجراءات «رأسمالية»، ليس هو الطريق لتحقيق هذا الهدف. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «أم. سي.تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©