الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأم بين مأزق «الرنين الأجوف» وورقة العملة المزيفة

الأم بين مأزق «الرنين الأجوف» وورقة العملة المزيفة
28 مارس 2012
يقول خبير الطب النفسي، الدكتور بنيامين سبوك: “الطفل الذي يغيب عنه أبوه لسبب غير مقنع بالنسبة له، عادة ما يشعر بأن فيه نقصاً أو عيباً أساسياً. إنه لا يصغر في عين نفسه فقط، لكنه يحس بأن نقصاً أساسياً يكمن فيه هو، وأن هناك شيئاً ما موجود عند بقية الأطفال وغير موجود عنده. وكلما كبر فإنه يستمر في شكوكه الحساسة التي تجعله يرتاب فيما إذا كان الناس يحبونه حقاً أم لا مهما يبلغ عدد الذين يحبونه فعلاً في الواقع. وهذا الوسواس يقف كجدار لا يمكن اجتيازه في سبيل علاقاته بأصدقائه وزملائه في العمل ورفاقه في اللعب، وصلاته الودية بالجنس الآخر، بل وأطفاله في المستقبل إذا قُدر له أن يتزوج وينجب. إن كرامته الذاتية الطبيعية، وعاطفة اعتباره لنفسه، ومفهومه لذاته تصاب بالأذى الشديد بطريقة أخرى أيضاً. فهو يفترض أنه إذا كان ابناً لأب حقير الشأن هارب من المسؤولية، لا بد أن يكون فيه نصيب من هذه الحقارة”. أما بالنسبة إلى الأم التي تكون في مثل هذا الموقف، فيقول الدكتور سبوك “مثل هذه الأم لا تشعر إلا بالاحتقار للأب، ومع ذلك يجب عليها أن تقدم للطفل صورة عن أبيه من أحسن زاوية ممكنة، يجب أن يكون وصفها له وصفاً جيداً في أنصع ضوء ممكن. ويجب عليها أن تضع حبها لطفلها فوق كرهها لأبيه وسخطها عليه. وهذا يتطلب مجهوداً جباراً وكرم نفس قد تكون فوق طاقة الاحتمال لأنني أطالبها بأن تتخذ هذا الموقف طوال حياتها لأن الطفل سيظل يسأل عن أبيه. فإذا لم تستطع أن تجد حسنة واحدة تذكرها، ففي استطاعتها إذا شاءت أن تبدأ ذكرياتها وتحكي عن الصفات التي جعلتها تقع في حب الأب وتغرم به في أول الأمر، ثم تذكر بكل أمانة مظاهر حبه لها (أن الأم الحاقدة التي تدعي أن زوجها السابق إنما خدعها وغرر بها بحيث جعلها تعتقد أنه ذو صفات حميدة أو أنه يكن لها حباً، تبالغ حتماً في سلامة طويتها ونقاء سريرتها الساذجة لكي تحافظ على شعورها بأنها مظلومة أمام نفسها وأمام غيرها). هي تجد نفسها في حالة تقاوم الرغبة في إنكار كل ما قالته”. منافاة الطبيعة يكمل الدكتور سبوك “لا أقصد أنه يجب على الأم أن تبلغ حد التطرف في التناقض ومنافاة الطبيعة الإنسانية بأن تدعي بأنه كان ملاكاً رحيماً وزوجاً لا يمكن أن يتكرر مثله وأباً من نوع نادر في هذا العالم. ففي مثل هذه الحالة يكون كلامها كالرنين الأجوف الذي لا يصدر عن إناء ممتلئ. إن رنة التزييف وعدم الصدق تكون واضحة كل الوضوح. علاوة على ذلك فإن أي طفل، لن يستطيع أن يرتفع إلى مرتبة والد خال من الشوائب، خال من النقائض الإنسانية العادية. إن تصوير الأب (أو الأم) بصورة مثالية، يفقد الهدف مصداقيته فيصبح كورقة النقد المزيفة لها نقشها وبريقها ولكن ليست لها قيمتها في عالم التداول. إن أهم ما يتوجب على الأم هو أن تتحاشى اتهام الأب بأنه في جوهره وأساسه أنه شخص خسيس وأناني لا ينبض قلبه بالحب، وأن تقول ذلك بصيغة إيجابية، فإن ما يحتاج إليه الطفل هو أن يعرف أن أباه له صفات تحبب فيه معظم الناس وأشد ما يحتاج إليه، هو أن يسمع أن أباه أحبه وما زال يحبه. إن الكلمات التي يمكن أن تستعملها الأم ومدى المسيرة التي تبلغها في كل حديث تتوقفان إلى درجة كبيرة على عمر الطفل ونوع الأسئلة التي يسألها، فالأم التي تمتلئ بالغيظ والضيق والاحتقار لهذا الأب الذي لا يهتم بابنه ترى أن بعض ذه العبارات عن مدى حب الأب لأبنه، غاية في الكذب وتكاد تكره نفسها لأنها تنطقها. قد يكون ذلك أمراً كريهاً بالفعل، لكن من المؤكد أن هناك عدداً قليلاً جداً من الآباء الذين يفقدون مشاعر الحب والحنان نحو أبنائهم مهما أعلنوا ذلك في لحظات الغضب ومهما فشلوا في التعبير عنها”. مبدأ الشك أما بالنسبة للأم التي هجرها زوجها قبل مولد الطفل، فيرى الدكتور سبوك، أن الأم لا تستطيع أن تقول له نفس ذلك الكلام وتبالغ في مدى حب الأب لابنه، ومقدار سعادته به وحنانه عليه بعد مولده. لكن في استطاعتها، أن تتذكر بعض ماهر حبه للطفل عندما كان مجرد جنين يتحرك في أحشائها وكيف كان يحلم باليوم الذي يولد فيه، أو تستطيع أن تسبح مع الطفل على أمواج الخيال وتصوره الآن وهو يفكر في ابنه بكل مشاعر الحب والحنان. فإذا كان الأب، قد عبر عامداً واعياً، عن نفوره من الطفل المرتقب منذ حملته أمه، ففي استطاعتها أن تضع لوم الهجر والتخلي على عاتق الشجار، وترد الأسباب إلى ما قام بينهما من نزاع، وهذا جواب سليم صحيح إلى درجة كافية، ولو مؤقتاً على الأقل، فإن مبدأ الشك لصالح المتهم، يجب أن تمنحه الآم للأب ليس من أجله ولكن من أجل الطفل”. أما فيما يتعلق بماذا يقول الطفل لأصدقائه وزملائه، يقول الدكتور سبوك: “الطفل يمكن أن يقول إن أبويه مطلقان، وهذا كل ما في الأمر، وهناك عدد كاف من حالات الطلاق في معظم المجتمعات، بحيث إننا نجد أن الأطفال يتقبلونه كحقيقة من حقائق الحياة. وعندما يكبر الطفل ويزداد فهما ووعياً فلعله يسأل: لماذا لا يكتب الأب، على الأقل رسائل أو يبعث هدايا في المناسبات؟ هنا يمكن للأم أن تفسر، بأن الرجل الذي شعر كل ذلك الألم والانزعاج لدرجة أنه ترك أسرته، يظل يعاني هذا الشعور لسنوات طويلة، ولعله يشعر بأنه أخطأ لأنه ابتعد. وعندما نحس بهذا الإحساس بشأن ما فعلنا، فإننا نحاول ألا نفكر فيه، عندما تتكدر العلاقات بيننا وبين من نحب، فإننا نشعر بحرج شديد من محاولة الاتصال به. فإذا كانت مشكلة الأب التي أدت إلى الانفصال أو الطلاق هي إدمان الخمر، ففي وسع الأم أن تفسر للابن المتزن المعقول الذي يبلغ مرحلة المراهقة على الأقل: (أن هذا مرض يصعب الشفاء منه حقاً)، على سبيل المثال”. وفي كل هذه التفسيرات، فإن الكلمات في حد ذاتها أقل أهمية من الطريقة التي تقال بها أو موقف الأم بالنسبة لهذه المشكلة، أن على الأم أن تلعب دوراً حكيماً، ليس هو دور المظلومة التي تبحث عن العار لتصفه وتصبه على رأس زوجها السابق أو التي تحاول أن تنال عطف طفلها عليها وسخطه على أبيه، ولكن دور الإنسانة المتزنة التي تتفهم الأمور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©