الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النساء أكثر عدلاً من الرجال في الحكم

النساء أكثر عدلاً من الرجال في الحكم
26 مايو 2010 20:13
“المرشد الأمين للبنات والبنين” أحد كتب رفاعة الطهطاوي المتأخرة، صدر أول مرة في العشر الأواخر من شوال عام 1289 هجرية أو آخر ديسمبر 1872، بينما رحل الطهطاوي عن عالمنا في 27 مايو 1873، وقد وضع الطهطاوي هذا الكتاب بتكليف من ناظر ديوان المدارس علي باشا مبارك بمناسبة افتتاح أول مدرسة للبنات في مصر، وهي المدرسة السيونية التي تغير اسمها فيما بعد الى المدرسة السنية، وهي قائمة الى اليوم في شارع المبتديان بالقاهرة أمام مبنى مؤسسة دار الهلال للصحافة ومقر “السياسة الاسبوعية” والتي أصدرها، وعلى ناصية شارع خيرت حيث سكن وعاش الزعيم احمد عرابي. عنوان الكتاب ـ كما يبدو ـ تعليمي مباشر، لكنه في الواقع أكبر من ذلك بكثير، هو كتاب في التحرر والمدنية، تحرر المرأة المسلمة عموما، وتحرر الوطن بأكمله كانت تلك فترة ازدهار مشروع الخديو اسماعيل في الاستنارة والتمدين أو طبقا لما قال هو “أتمنى أن أجعل بلادي قطعة من اوروبا” وذلك قبل ان ينتكس هذا المشروع تماما، وكان الطهطاوي المفكر والكاتب في قلب هذا المشروع تماما، ولم يكن الطهطاوي في ذلك يقوم بمجاراة الخديو لكنه كان مشروعه منذ عاد من باريس، فهو في كتابه الاول “تخليص الابريز” (1834) دعا الى رفع سن الزواج للبنات، حتى لا يتم استغلالهن وانتهاك حقوقهن، وهو الذي لاحظ ايضا ان نساء باريس يسرن في الشوارع حاسرات الرؤوس، مكشوفات الشعر “سافرات” ويلبسن الملابس القصيرة، لكنهن مع ذلك أكثر تمسكا بالفضيلة، لكن كتابه “تخليص الابريز”، كان كتابا عاما، فيه كل شيء من الفلسفة إلى السياسة والمطبخ والعوائد الاجتماعية وغيرها، اما المرشد فهو كتاب متخصص في قضايا المرأة وفي التعليم تحديدا ومن ثم فهو اول محاولة في التنظير لحقوق المرأة، كما لاحظ د.عماد ابوغازي في تقديمه للكتاب. كتاب مهمل الغريب أن الذين يتناولون قضايا المرأة وتحريرها يتوقفون عند قاسم أمين وكتابه “تحرير المرأة” الذي صدر عام 1898، أي بعد كتاب الطهطاوي بحوالي 26 عاما، أي اكثر من ربع قرن والغريب أيضا أن هذا الكتاب لم يتوقف عنده كثيرا مؤرخو الطهطاوي ومن تناولوا كتبه وأفكاره، فقد احتفلوا بكتابه “تخليص الأبريز”، وطبعته وزارة المعارف اكثر من مرة وتصور الجميع ان الطهطاوي هو كتاب “التخليص” فقط ونسوا الجميع “المرشد الأمين”. وقد طبع المرشد طبعتين في 1875، فقد كان الكتاب للمطالعة او القراءة الحرة في المدارس، ثم نسي تماما، إلى ان اصدره د. محمد عمارة في مطلع السبعينيات من القرن الماضي ضمن الاعمال الكاملة للطهطاوي واصدر المجلس الاعلى المصري للثقافة طبعة منه في عام 2002 بمناسبة الاحتفال بمرور قرنين على ميلاد الطهطاوي ـ ولد في 1801 ـ وأخيرا أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة التي بين ايدينا وقدم لها د. عماد ابو غازي الاستاذ بجامعة القاهرة. “المرشد الأمين” هو كتاب في التربية وفي الوطنية في تحرير المرأة والنهوض بها وفي التمدن العام للمجتمع وفيما يخص الفتيات والنساء يقدم رؤية جديدة تماما بالنسبة لعصره، ففي مجال التعليم يضع فصلا عنوانه “في تشريك البنات مع الصبيان في التعلم والتعليم وكسب العرفان” ويقول فيه “ينبغي صرف الهمة في تعليم البنات والصبيان معا لحسن معاشرة الازواج، فتتعلم البنات القراءة والكتابة والحساب ونحو ذلك فإن هذا يزيدهن أدبا وعقلا ويجعلهن للمعارف أهلا ويصلحن به لمشاركة الرجال في الكلام والرأي”. ويفند الكتاب الدعاوى التي كانت تذهب إلى ان الدين الإسلامي لا يحبذ تعلم البنات والنساء فيقول: “كيف ذلك وقد كان أزواجه صلى الله عليه وسلم يكتبن ويقرأن كحفصة بنت عمر وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما وغيرهما من نساء كل زمن من الأزمان”، وكان التخوف وقتها من ان تعلم البنت سوف يغريها بالانحراف وكتابة أو تلقي الرسائل الغرامية وغير ذلك، وظل ذلك التخوف يتردد حتى منتصف القرن العشرين، لكن الطهطاوي يرد عليه في كتابه “ولم يعهد أن عددا كبيرا من النساء ابتذلن بسب آدابهن ومعارفهن على ان كثيرا من الرجال اضلهم التوغل في المعارف وترتب على علومهم ما لا يحصى من نسبة الخروج والاعتزال”. ويضيف: “ليس يرجع التشديد في حرمان البنات من الكتابة إلا التغالي في الغيرة عليهن من ابراز محمود صفاتهن”. المرأة والحكم ويقدم الطهطاوي العديد من التعريفات للحرية، بعضها يصطدم بالواقع الذي كان يعيشه هو، مثل قوله “من حقوق الحرية الأهلية ان لا يجبر الإنسان على ان ينفى من بلده او يعاقب فيه الا بحكم شرعي او سياسي يطابق الأصول، وان لا يضيق عليه في التصرف ولا يحجر عليه الا بأحكام بلده وان لا يكتم رأيه في شيء بشرط ان لا يخل ما يقول او يكتبه”. الطهطاوي لا يفصل بين حرية وحق البنات في التعليم وحق المجتمع كله، وهناك ارتباط كبير بينهما، لذا نجد فصلا في الكتاب بعنوان “في الحرية العمومية والتسوية بين اهالي الجمعية”، وهو عن الحريات العامة في المجتمع والمساواة بين افراد المجتمع “الجمعية” وهذا الفصل يقوده الى الحديث في نظم العالم وطريقة اختيار الحكام، ويستعرض موقف الفقه الاسلامي من رفض تولي المرأة مناصب الرئاسة في الدولة ومع ذلك فهو يذهب إلى التاريخ ويرصد أسماء ملكات وسيدات حكمن بلادهن بنجاح مثل “كليوباترا وحتشبسوت وشجرة الدر في مصر، وبلقيس في اليمن وزنوبيا” وملكات في أوروبا ايضا، ويصل إلى نتيجة مهمة لم يقل بها احد قبله ولا قالها غيره بعد ذلك وهي ان المرأة ليس لديها نفس ميل الرجل إلى الاستبداد والتسلط، ومن ثم فهي في الحكم اكثر ميلا للعدل والانصاف من الحاكم الرجل. ويعقد بعض المقارنات بين الحكام من الجنسين بقوانين بلده. وهذا كله يصطدم وقتها بالخديو اسماعيل الذي كان ينفي من يغضب عليه خارج مصر، بلا محاكمة او مساءلة، وهو يتحدث عن حرية الرأي والتعبير وكان اسماعيل يضيق ببعض الصحف وكتابها وبعض الأعمال المسرحية التي كانت تنتقد الاسراف والبذخ الذي يمارسه والحرية عند الطهطاوي هي الوسيلة العظمى لاسعاد اهالي المماليك فإذا كانت الحرية مبنية على قوانين حسنة عدلية كانت واسطة عظمى في راحة الاهالي وإسعادهم في بلادهم وكانت سببا في حبهم لأوطانهم” ويصل بالحرية إلى أنها “منطبعة في قلب الانسان من اصل الفطرة واقتضت الحكمة الإلهية عدم تحقيره وذله”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©