الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

امرأة الويلات..

امرأة الويلات..
26 مايو 2010 20:15
في رواية الكاتبة الفلسطينية إيناس عبدالله “لا ملائكة في رام الله” (صدرت مؤخرا في دار فضاءات الأردنية) يبدو لرام الله ألف وجه وألف قناع، بدءا من كونها هذه المدينة الصغيرة التي لا تتعدى كونها بمساحة ملعب تنس أمام المدن الكبرى مثل نيويورك وطوكيو، لكنها مدينة “لها مزاج المدن ولها هلعها ونرجسيتها. أمام كل شبر إسمنت هناك جرح غائر في غربة الروح”، وقبل ذلك فهي المدينة ذات التاريخ العريق “مدينة كانت نساؤها منذ خمسة آلاف عام خلت يرقصن تحت القمر ليحملن منه في اساطير تشبه ملاحم الشعر الرومانسية، يعشن خرافيات بأولاد قمريين، طريقهم مضاءة للنهاية”. إيناس عبدالله روائية جديدة طالعة من لحم فلسطين وسخونتها ومراراتها القاتلة، من جهة العدو المحتل تارة، ومن جهة سلطتها السياسية والاجتماعية والثقافية تارة أخرى. فالمدينة هنا مدخل إلى عالم متوحش في الرواية تدخله البطلة “هبة” لتفصح عن بطلة أخرى هي المدينة نفسها بتاريخها وحاضرها، فالمدينة هذه كما تقول البطلة/ الراوية هبة تتغير بسرعة، و”بعد مجيء عرفات انقلبت رأسا على عقب. صارت تضاهي عواصم الدول العربية، والعائدون من المنافي جعلوها تقشر جلدها بسرعة.. أضحت أفعى كوزموبوليتية بديعة بجسد أنيق وروح سيرْك أبدي. كل غرائب الدنيا يمكن أن تراها هنا، البنايات تنمو كالطحالب، تتصحر المدينة بالإسمنت فيما يخضر الريف ويتوهج والبشر معجونون مخلوطون بكل الأصقاع والمنافي.. وسكان رام الله هم مواليد أرخبيلات وخلجان وصحارى مستحيلة تمتد من نيويورك حتى ساوباولو ومن الكويت إلى عمان”. وهي تجعل “لرام الله جغرافية مدن الأساطير: التيه، العلو، الأسرار، أي كل ما يمكن أن يثير الغزاة ويعذب البشر في هذه البقعة الملغومة من المتوسط”. في هذا المقطع تشريح لمنظومة من المواقف والأفكار التي تحكم رام الله، وهناك الكثير من هذه المواقف الوصفية والتأملية التي تقدمها الراوية في سرد ينفتح على الذات وعلاقتها بالمكان، حيث العلاقة تناقضية بين عشق المدينة وكراهية ما آلت إليه، ومنذ بداية الرواية تنبنى شخصية البطلة على أسس تنطوي على الكثير من الرومانسية “سوف يحدث أن الغرام والعشق والنار والموت ستتمازج في حياتي”، لتبلغ أحيانا درجة في التصوف والتعاطي مع الروحانيات فتتحدث عن الشوق للمصدر وحبة النور، لتعلن أنها “من نوع من النساء اللواتي يطاردن رجالا من سراب لا يعيشون سوى في خيالي المحموم، ولا يعدونني سوى بالمزيد من ملاحم الوجع والانكسار”. وتعكس المدينة ملامحها الشاهقة على روح البطلة ونفسيتها وشخصيتها كلها، فتضطرب هذه الشخصية وتدخل في هلوسات لمراجعة رحلة حياتها بين عالمين متداخلين، عالم الظرف الوطني بما فيه من مواجهة مع قوات الاحتلال وأدواتها الجهنمية، وعالم العاطفة المتفجرة مع رجل هارب تجد نفسها بين يديه، حيث تلخص هي الموضوع، “كنت أمسح دموع الجبن والحيرة ورائحة الإطارات المحروقة، وأتوضأ بعطره الذي يشبه العذاب الشهي”. وفجأة نجد البطلة/ الراوية في دبي ضمن دورة تدريبية، دبي “طيبة القلب، سعيدة بأمها الصحراء..”. و”شيء واحد ينغص عليها، الطمع، فهي كعذراء القرية مثار طمع”، ولكن دبي تحضر هنا بلا مبرر موضوعي تقريبا، بل لتجربة مرت بها الروائية/ الراوية ربما وتلحقها بالرواية في سياق التشتت الذي تعيشه البطلة “هبة”. وفجأة أيضا نجد البطلة في طائرة متجهة إلى أمريكا وتصاحب الدكتور العراقي وطفلته رؤى الهاربين من جحيم العراق، وتعرض بعض هذا الجحيم.. وغير ذلك من المفاجآت. هذه بعض من ملامح الرواية وعوالمها، ونترك القاص والروائي محمود الريماوي يتحدث عنها في قراءة نقدية حملت عنوان “لا ملائكة في رام الله.. رواية المكاشفة والعذوبة” فهو يعتبر “هذا العمل الروائي الجديد يشكل مفاجأة للقراء المتذوقين كما للنقاد، لمؤلفة شابة سبق أن خاضت في الشعر لا في السرد، على أن مغامرتها الشعرية لم تكن بغير فائدة، فهذه الرواية “لا ملائكة في رام الله” تجسد الى جانب قوة السرد فيها، زواجاً سعيداً بين الرؤى الشعرية المحلق والأداء السردي المحكم، وذلك جرياً على مأثور روائي لساردين عرب مثل ادوار الخراط وغادة السمان وحيدر حيدر ولطفية الدليمي وسليم بركات وغيرهم، وبما يلاقى مقترحات نقدية ترفع الحدود بين الأجناس الإبداعية، وتدفع نحو إفادة النثر من الشعر كما الشعر من النثر”. وأخيرا لا بد من التنبيه إلى أن اللغة الشعرية والاستعارية التي تستخدمها الكاتبة في عباراتها تشكل في بعض الأحيان عبئا على الرواية لا خادما لها، خصوصا حين تستفيض في شرح فكرتها فتبتعد عن التحديد والوضوح اللذين يتطلبهما السرد الروائي، وكان يمكن التخلص من بعض الإنشائيات الفائضة عن حاجة السرد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©