الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبو نواس شاعر الحرية

أبو نواس شاعر الحرية
26 مايو 2010 20:19
من الطبيعي أن نستهل قراءتنا لنماذج شعرية من تراث الحرية بشعر أبي نواس، إذ يعد من أكبر دعاة التسامح وقبول الاختلاف في العصر العربي الأول. وقد رشحته نشأته المتحررة ومواهبه المتوهجة لهذا الدور، فقد ولد بالأهواز، بالقرب من الجبل المقطوع المعروف براهبان، سنة 139هـ، ومات والده هانئ وهو صغير، فنقلته أمه إلى البصرة وهو ابن ست سنين، فأسلمته إلى الكتاب، فلما ترعرع عاد إلى موطنه حيث لقى أول شاعر تتلمذ عليه، وهو والبة ابن الحباب، وينسج الرواة قصصا طريفة عن مراحل حياة أبي نواس التي اكتسبت طابعا عجائبيا وأسطوريا، فيقولون عن هذا اللقاء أن والبة رأى الصبي الحسن بن هانئ فاستحلى قده وأعجب بظرفه فقال له: إني أرى فيك مخايل فلاح، وستقول الشعر وتنبغ فيه، فاصحبني حتى أخرجك، فقال له: ومن أنت؟ قال: أبو أسامة، والبة، قال: نعم، قال: أنا والله ـ جعلت فداك ـ في طلبك، وقد أردت الخروج إلى الكوفة وإلى بغداد من أجلك، قال: ولماذا؟ قال: شهوة للقائك ولأبيات سمعتها عنك مطلعها: ولها، ولاذنب لها حب كأطراف الرماح جرحت فؤادك بالهوى فالقلب مجروح النواحي فمضى معه. ثم سأل الصبي أستاذه أن يخرج إلى البادية مع وفد بني أسد ليتعلم العربية والغريب، فأخرجه مع قوم منهم، فأقام بالبادية سنة ثم قدم ففارق والبة، أو ظل معه حتى الموت، فذهب إلى بغداد حيث لزم خلف الأحمر الذي خلع عليه كنية أبي نواس حتى يتشبه بأقبال اليمن. يروي الأصمعي: صادفني يوما أبو نواس وأنا خارج من دار الفضل بن يحيى، ومعي جزء من أشعار النساء، فقال: ماهذا؟ فقلت: شعر شاعرات العرب. فلم يتناوله وقال كم عدده؟ قلت خمسون، قال: لعلك معجب بما اجتمع لك من شعرهن؟ قلت: أجل، فقال: لكني ماأخذت في قول الشعر حتى رويت شعر ثمانين امرأة مكثرات ومقلات. فامتحنته فيما كان معي، فكأنما كان يقرأ من كفه. ولعل أوجز وأبلغ شهادة في علم أبي نواس وأدبه هي تلك التى سطرها ابن المعتز في طبقاته حيث يقول: كان أبو نواس عالما فقيها، عارفا بالأحكام والفُتيا، بصيرا بالاختلاف، صاحب حفظ ونظر ومعرفة بطرق الحديث. يعرف ناسخ القرآن ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه وقد تأدب بالبصرة، وكان أحفظ لأشعار القدماء والمخضرمين، وأوائل الإسلاميين والمحدثين. وكان يقول عن نفسه: أحفظ سبعمائة أرجوزة وهي عزيزة في أيدي الناس، سوى المشهورة عندهم. فلما فرغ أبو نواس من إحكام هذه الفنون تفرغ للنوادر والملح، فحفظ منها شيئا كثيرا حتى صار أغزر الناس، ثم خذ في قول الشعر فبرز على أقرانه وبرع على أهل زمانه، ثم اتصل بالوزراء والأشراف فجالسهم وعاشرهم وتعلم منهم الظرف فصار مثلا في الناس وأحبه الخاصة والعامة، وكان يهرب من الخلفاء والملوك بجهده، ويلام على ذلك فيقول: إنما يصبر على مجالسة هؤلاء الفحول المنقطعون الذين لا ينبعثون ولا ينطقون إلا بأمرهم، والله لكأني على النار إذا دخلت عليهم حتى أنصرف إلى إخواني، ولأني إذا كنت عندهم فلا أملك من أمري شيئا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©