الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لست سعيداً ولست تعيساً

لست سعيداً ولست تعيساً
28 مارس 2013 20:38
نورا محمد (القاهرة) - وصف الله سبحانه وتعالى الزواج بأنه مودة ورحمة بين الزوجين، ويجب أن يكون كل منهما مكملاً للآخر، فبينهما علاقة مقدسة هي من أسمى العلاقات الإنسانية على الإطلاق، والزواج في الغالب أكبر وأعظم الأمنيات وأهم الأحلام لكل شاب وفتاة، وأتعجب كيف يحدث شقاق وخلاف بين الزوجين يمكن أن يرقى إلى حد المشاكل أو إلى المحاكم أو الانفصال أو أن تغضب الزوجة وتترك بيت الزوجية، لكن ليس من سمع كمن رأى، ولم أشعر بذلك إلا بعد أن تزوجت ودخلت المعترك بنفسي. كانت لي في الماضي علاقات وتجارب عابرة ولم أمر بتجربة حب مؤثرة، وها أنا قد بلغت السابعة والعشرين من عمري ولم أفكر جدياً في الزواج، مستمتع بحريتي وأتحرك طليقاً بلا قيود، وفي الوقت نفسه لا أتحمل أي التزامات وليس عليّ مسؤوليات، أسرتي بفضل الله ميسورة الحال، أختاي تزوجتا وبقيت أنا مع أبي وأمي، وكلاهما موظف في وظيفة مرموقة، وأنا أعمل في شركة استثمارية ومرتبي كبير، ولي شقة في منطقة متميزة اشتراها لي أبي منذ كنت في المرحلة الثانوية، ولدى كل منا سيارة بجانب رصيد أبي في البنك، ولا حديث الآن إلا عن ضرورة أن أتزوج، وما يمنعني من ذلك، أننا أسرة مترابطة متحابة، ولا أتخيل نفسي بعيداً عن أبي وأمي، ولو كان يصلح أن أتزوج وأقيم معهما في شقتهما لكان الأمر هيناً عليَّ، ولا أنكر أنني أخشى أن أختار فتاة مجهولة بالنسبة لي حتى لا أقع فيما يقع فيه الآخرون وانضم إلى قائمة الأزواج التعساء. بدأ كل أفراد أسرتي ينشغلون للاختيار، فهم يعلمون أنني لست مرتبطاً بأي فتاة، وكل منهم يرشح لي فتاة، إلى أن جاءت أختي الصغرى بزميلتها في العمل ودعتها لحضور عيد ميلاد ابنها في بيتها، وقد كانت متعمدة تلك الدعوة لتتيح لنا اللقاء بشكل مباشر وكريم لكل منا ولا يجرح مشاعر الفتاة التي كانت تبدو خجولة، وهي من أسرة محترمة وتتفق مع أسرتي في كثير جداً من العادات والتقاليد، ولم أجهل قصد أختي الذي لم تعلنه لي ولا للفتاة، وبداية كانت مريحة إلى أقصى حد، رقيقة ودودة على خلق عال، تحدثت معها قليلاً، كان الحديث مجرد أسئلة روتينية عن عملها والأحوال العامة، وشكرتها أيضاً على الهدية التي جاءت بها لابن أختي، ولم يسعفني الوقت القصير الذي قضته معنا لمزيد من التعارف، فقد استأذنت بعد حوالي ساعة، لأن أباها حضر لإعادتها إلى المنزل. انصرف الحضور وبقي أفراد أسرتي فقط وزوج أختي الصغرى التي نحن في بيتها، وانصب الحوار كله على الفتاة وما نالته من إعجاب جماعي، اتفقوا كلهم على أنها العروس المناسبة لي، ولن أجد أفضل منها، ولم تكن وجهة نظري تخالف ذلك، فقد أعجبت بها فعلاً من هذا اللقاء الأول والوحيد، وقررنا أن ندخل البيوت من أبوابها، خاصة بعد أن فاتحتها أختي في الموضوع ولم تجد عندها مانعاً، وتوجهنا إلى منزل أبيها لنطلب يدها رسمياً ونقرأ الفاتحة، وكانت ليلة جميلة طغى عليها الدفء الأسري والتقارب بين العائلتين، ولعبت زمالتها لأختي دوراً كبيراً في ذوبان الجليد ورفع التكلف. في فترة الخطوبة، اكتشفت مزايا خطيبتي وأجدني محظوظاً بأن عثرت على فتاة بتلك المواصفات، وحدث بيننا تفاهم بلا حدود، بدأنا تجهيز وتأثيث مسكن الزوجية، نختار فيه كل شيء من الدهانات والديكورات والإضاءة إلى الأثاث والمفروشات والأجهزة الكهربائية الحديثة جداً، ولم تكن أمامنا أي مشكلة مادية، وتسابقت كلتا الأسرتين للمساهمة في نفقات الزواج بلا حسابات أو تقسيمات بأن هذا على العريس، وذاك على العروس، حتى نكاد لا نعرف من اشترى هذا أو ذاك، وتم عقد القران لأتمكن من الخروج مع خطيبتي لإنجاز هذه المهام. كنت في غاية السعادة وأنا أنتهي من عملي وأهرول للقاء خطيبتي لنكمل ما نقص في عشنا الجميل الذي أضفت عليه بذوقها بصمات ملموسة، أو استيقظ مبكراً يوم إجازتي لنشتري قطعة أثاث مهمة من منطقة بعيدة متخصصة، اكتملت كل التجهيزات وحددنا يوم العرس في فندق خمس نجوم، تكفل أبي بتكاليفه، كانت ليلة أسطورية بمعنى الكلمة، وجدتني في تلك الفترة أغير أفكاري وقناعاتي السابقة، فقد وجدت أنني كنت مبالغاً في مخاوفي من الزواج، وتبددت هذه المخاوف تماماً في شهر العسل الذي كان منحة من والد زوجتي، منه أسبوعان في الداخل وأسبوعان في الخارج. عدنا إلى عشنا للمرة الأولى لنعيش حياتنا الطبيعية، ترصدنا العيون، بعضها يتمنى لنا السعادة وبعضها يغبطنا وبعضها يحسدنا، أخبرت زوجتي عن مخاوفي السابقة وما كان يجول بخاطري في فترة ما قبل الخطوبة والزواج، واتفقنا أو كادت وجهات نظرنا تتطابق والسعادة ترفرف علينا وقد وجد الحب، بل العشق طريقه إلينا، وللمرة الأولى نتوجه إلى السوبر ماركت لنشتري الاحتياجات المنزلية والسلع الغذائية التي نريدها، ويا له من إحساس غير مسبوق ونحن نحمل الأكياس بين أيدينا ونضع كل شيء في مكانه، وفي الصباح نتناول أول إفطار منزلي مع الشاي قبيل أن ننطلق إلى العمل. شعرت ببعض التوتر وأنا انتظر زوجتي وهي تقف أمام المرآة، وبعدها تبدل فستانها أكثر من مرة لأنها غير راضية عنه، فهي عروس ويجب أن تظهر بشكل جديد أمام زميلاتها وتبدو عليها نعمة الزواج، وسبب توتري هو أنني تأخرت عن موعد العمل، والمواعيد في عملنا مقدسة والأعذار غير مقبولة، وقد تأخرت فعلاً وأخيراً انطلقنا ووصلت متأخراً، لكن يشفع لي هذه المرة أنني عريس جديد مع تأكيد عدم التكرار، لكن للأسف كانت هذه أول مشكلة تدخل بيتنا وبسرعة، فزوجتي تعشق المرآة وتقضي أمامها وقتاً طويلاً، ولا تستقر على تسريحة شعر ولا على فستان من أول مرة، بل تجرب هذا وتستبدل ذاك إلى أن ترى نفسها في أبهى صورة ترضى فيها عن نفسها، ودخلت المشكلة حيز الحوار، وقد نتخاصم بسببها لأنها قد تعتذر في المساء، لكنها تكرر الخطأ في الصباح، وأخيراً قررت ألا انتظرها ولتذهب وحدها وبأي وسيلة مواصلات إلى عملها، وإن أرادت أن تحصل على إجازة من دون مرتب أو حتى تترك العمل بالكلية فلها ذلك، وظلت المشكلة تراوح مكانها ولم نصل إلى حل لها. ليس هذا فقط، بل إن زوجتي تترك أظافرها طويلة، وعندما تستخدم المنظفات والصابون والشامبو وغيرها، يتبقى أثرها في يديها وتحت الأظافر، علاوة على أن عندها عادة سيئة، وهي أنها تحب نحت الصابون بأظافرها ولذلك نستهلك منه الكثير، والأهم أن الطعام لا يخلو من روائح هذه المنظفات والصابون، لأنه دائماً عالق في يديها، ولا نستطيع أن نتناوله بالطبع، وكثيراً ما نتركه ولا يكون لديها وقت لتطهو غيره، فنضطر إلى شراء وجبات جاهزة سريعة، ويتكرر المشهد والموقف، وهي لا تتراجع ولا تحاول الإصلاح أو تفادي هذه الأخطاء، والحديث عنها لا يأتي بفائدة تذكر، أضف إلى ذلك تكرار العثور على «شعرة» في الطعام، لأنها تترك لشعرها العنان وهي في البيت، وهذا شيء تافه لكنه مقرف، ويجعلني لا أقبل الطعام وهي أيضاً، لكن كل مرة تدعي النسيان ويقع الخطأ نفسه مرات كثيرة. أما عن عشقها للتغيير في أثاث البيت، فحدث ولا حرج، فكل يوم والشقة كلها في شكل مختلف، وبعد أسبوع تعود إلى الشكل الأول، ثم تعيد توزيع القطع والمحتويات، صحيح أن هذا نوع من التغيير الذي يشعرنا بالتجديد، ولكنه يفقدنا الاستقرار وضياع الحاجيات، فمثلاً أبحث عن ماكينات الحلاقة بالساعات، ولا أجد الجوارب في مكانها وتختفي ربطات العنق، وهي نفسها لا تعرف مكانها، فنجد في حياتنا كلها ارتباكاً، ولم أمانع في هذه التغييرات، لكن بشرط أن تكون منظمة وأن تعرف أين تضع الأشياء، وعبثاً أحاول أن أشرح لها أن هذا يضايقني. وتسيطر زوجتي وتستحوذ على الريموت كنترول الخاص بالتلفاز وليس لي أي حق في أن ألمسه، أما المسلسلات التركية فهي أم المشاكل وأساس الخلاف والانقسام، فهي تنتقل من قناة إلى قناة ومن مسلسل إلى آخر، ولا مانع من أن تشاهد الإعادة لكل منها، وقد اكتظت بها القنوات الفضائية حتى لم يعد هذا الغزو يفوت لحظة واحدة إلا ويقتحم بيوتنا رغم أنوفنا، وأنا أسميه غزواً لأن به الكثير مما يخالف الدين والأعراف والتقاليد، فلا يخلو عمل من هذه الأعمال من علاقة غير مشروعة أو إنجاب بلا زواج أو عشق محرم أو خيانة، ولا أريد لها أن تتشبع بهذه الأفكار، خاصة أن هذه الأعمال تبدي تعاطفاً مع هؤلاء المنحرفين، وعندما فشلت في إقناعها، انغمست في الحاسوب، إما في الألعاب أو الإنترنت، وإذا كانت تشاهد المسلسلات، فإن هذا مباح، أما إذا كانت مشغولة ببعض شؤون المنزل، فيكون محرماً علي وتراه عبثاً. وأنا بالطبع لست ملاكاً في عينيها، فلا أخلو من العيوب والأخطاء، وأولها الذي يصل إلى حد الجريمة، هو طريقة استعمالي لمعجون الأسنان أو كريم الحلاقة، فأنا اضغط على العبوة من الأمام وهي تريدني أن أضغط عليها من الخلف، والطامة الكبرى لو لم أحكم إغلاقها، أما ما يصل إلى حد الخيانة العظمى، فإنني إذا سهوت وتركت زجاجة مياه فارغة من دون أن املأها وأعيدها إلى الثلاجة مرة أخرى، لأنها تفضل شرب المياه المثلجة صيفاً وشتاء، وتحاسبني حساب الملكين إذا حاولت الخروج لساعة مع أحد أصدقائي، وحينها تدعي أنها تضع خدها على يدها ولا تجد ما تفعله وهي وحيدة في البيت، وتتناسى مسلسلاتها التي سيطرت على عقلها. هذه كلها لا ترقى لأن تصل إلى حد المشكلات، لكنها تضايقنا وتكدر صفو حياتنا، وجعلتني أعذر كل من يشكو زوجته بأي شيء وأيضاً من تشكو زوجها، وقد ضحكت ملء فمي وأنا أسمع زميلتي تشكو من أن زوجها لا يغسل أسنانه، وأخشى أن تكون زوجتي من هذا النوع الذي ينشر الأسرار الزوجية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©