الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالله مفتاح.. شيء ما انكسر في خشبة المسرح الإماراتي

عبدالله مفتاح.. شيء ما انكسر في خشبة المسرح الإماراتي
24 سبتمبر 2009 02:18
قبل دخولك إلى خورفكان عليك المرور من العقبة، وهي الممر بين جبلين. ومن العادة قبل دخول العقبة أو بعد الخروج منها أن تكون هناك طرق ملتفة، وكان أولئك الشباب المتنزهين على طريق من تلك الطرق، حين بدأت سيارتهم بالتدهور. عندما أحس الرشود بما يحدث للسيارة، فتح الباب وقفز إلى الوادي فتدهورت السيارة عليه ومات. أما الذين بقوا متحصنين فيها فقد ظلوا أحياء. ورغم ذلك أظن أنه ثمة شيئا مات في أرواحهم بموت الرشود، خاصة في روح عبدالله مفتاح. كانوا قد انتهوا من مسلسل «شحفان» (الذي مات بطله سلطان الشاعر قبل شهور قليلة من الآن، (ذلك المسلسل الذي سيبقى إلى اليوم حياً، وقابلاً للمشاهدة). وبذلك النجاح كانوا قد وضعوا أقدامهم على الطريق الذي سيدخلهم إلى «خورفكان» المسرح الذي يحبونه والدراما التليفزيونية التي ستؤسس جمهورهم، لولا تلك العقبة، وذلك الطريق الملتف، والحادث الذي وقع على ذلك الطريق. كانت سنوات الثمانينيات التي تلت كالمروحة تفرم كل من يقترب من أحشائها، هكذا تبددت المجموعة التي حاول الرشود تأسيسها في أبوظبي. وخلال السنوات العشرين التي تلت الحادث لم يبق من الفرقة المسرحية في أبوظبي إلا الأطلال وبضعة أشخاص يزورونها كلما اشتد بهم الحنين. لم يتأسس مسرح، مشروع مسرح، محاولة مسرح، رائحة مسرح في أبوظبي أبداً. أما الشباب الذين كانوا مع الرشود فمنهم من أخذه الموت بغتة أو بالتدريج المرير، ومنهم من اختفى، ومنهم من ظل صامداً يقاوم تكدس الرمل على الخشبة كالراحل محمد الجناحي، والممثلة رزيقة الطارش، وإن انصرفا إلى الإذاعة، وما كان يتوفر لهما من عظام التليفزيون. كان مفتاح من الذين أخذهم الموت بالتدريج أو أخذه الكأس إلى ذلك الموت. ويخيل لي هنا بأن الكأس كالبحر قد تُغرقك أمواج سطحه، والرغوة التي تعلو ذلك الكأس، أو تسحبك أعماقه، قيعان أعماقك، وهي تتلاشى في أعماقه. وكان ما يجعل مفتاح أكثر قابلية لأن يكون فريسة في بحر كهذا هو انهيار ذلك الحلم الذي كان قد أطل برأسه على حياته عندما عمل مع الرشود. فلقد كان احتضار ذلك المسرح الوليد في أبوظبي ومن ثم موته ودفنه في مقبرة «الباور هاوس»، بداية احتضار طويل، وتخلِّ ونكران من الجميع ومن العالم، ظل يعانيه مفتاح حتى مماته. رغم ذلك ظلت روحه تُنازع، ومن رآه يؤدي دور الشخصية الرئيسية في مسرحية «الرجل الذي صار كلباً» لأوزفالدو دراكون ويقدمها في إحدى الدورات المبكرة لأيام الشارقة المسرحية (أظن بأن ذلك العرض كان من إخراج العراقي عبدالإله عبدالقادر)، من رآه وقتئذ كان ليحس كما أحسست، بأن عبدالله قد عاد إلى الحياة من جديد، واقتربت سفينة المسرح منه، وها هي تحمله وتمخر به عباب الكأس المجنون. إلا أن ذلك للأسف لم يحدث، وكان الإحباط والعقبات والطرق الملتفة أعلى من السفينة، إذ سرعان ما أمسكت بتلابيب روحه وأعادته إلى حوض الغرق مرة أخرى. وحينما كنت أصادفه أحياناً في التسعينيات، وعلى الأغلب في إحدى مطارح أبوظبي، كانت روحه ما زالت تلهج بتعلقه الصميم بالمسرح، إلا أن جسده المسرحي بامتياز كان في سبيله إلى الذوبان على المقاعد المهترئة في تلك المطارح الرخيصة. قد يأتي الموت أحياناً ليكون خاتمة للتحلل، ولكن التحلل في أحيان أخرى قد يستمر بعد الموت، بل ويتفاقم. مفتاح.. بصمات «أشحفان» في التلفزيون والمسرح كانت بصمات عبدالله مفتاح واضحة في مسيرة الفن المسرحي والدراما التليفزيونية في الإمارات، فمن مسلسل «اشحفان» الشهير الذي حاز إعجاب الجميع إلى مساهماته في تأسيس «مسرح الاتحاد» و«المسرح القومي»، مرورا باشتراكه في مسرحية «الرجل الذي صار كلباً» لمؤلفها اللاتيني ازفالدو دراغون، التي أخرجها عبدالإله عبدالقادر آنذاك، أهمية كبيرة لأنها خلقت منه مبدعاً على خشبة المسرح، حيث قدم بعد ذلك مسرحاً شعبياً تجلى في السبعينيات من خلال مسرحيتي «يستاهل اللي يجيني» و»البطرة تزيل النعمة» من إخراج مراد كامل مع رزيقة الطارش ومحمد راشد، ومع جمعة الحلاوي أحد رواد المسرح الإماراتي قدم عبدالله مفتاح الأوبريت التليفزيوني «طريق الأمل». وعرف عن عبدالله مفتاح تعدد مواهبه، حيث أنه كتب القصة القصيرة ولديه مجموعة قصصية تنتظر النشر بعد رحيله، ولم تصدر لحد الآن. وفي مسرحية «الصبر زين» مع محمد الجناحي ومن إخراج مراد كامل أيضاً كانت مساهمته واضحة في تأصيل هذا الفن. وقد اشتركت مسرحية «غلط في غلط» التي أسهم فيها عبدلله مفتاح، ومن إخراج عبدالله الأستاد في مهرجان بتونس، ومع صقر الرشود المخرج السينمائي والمسرحي الكويتي المعروف اشترك عبدالله مفتاح في مسرحية «اللي ماله أول ماله تالي» بصحبة محمد الجناحي. كما أسهم مع المخرج المسرحي صالح كرامة في إدارة مسرح الاتحاد عام 1977. وتقديرا لجهود الراحل الذي دفن في مقبرة «الباور هاوس» في أحد الأحياء الشعبية في أبوظبي فقد تم تكريم اسمه في المهرجان المسرحي الثامن للفرق الأهلية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي انعقد في أبوظبي في الفترة ما بين 21 إلى 28 سبتمبر 2003 باعتباره واحدا من رواد المسرح العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©