الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل تصنع السياسة هوية فنية؟ lموليم العروسي

هل تصنع السياسة هوية فنية؟ lموليم العروسي
24 سبتمبر 2009 02:19
«فلك الفسيفساء» خير دليل على ما أقول. فالمعرض كان أشبه بكون شاسع تسبح في كواكبه المختلفة أشكال وأنماط من المنتجات المتنوعة التي قد يصعب على المتلقي فك ألغازها المعقدة. فما الذي يمكن أن تتقاسمه مثلا المخطوطات الموريتانية البهية التي تفيض جلالا وصور نور الدين الغماري المهووسة بالواقعي اليومي المدوخ؟ وما الذي يجمع بين الأعمال الما بعد ـ حداثية لمحمد الشفشاوني المعتمدة على الخلق الإلكتروني والخط العربي المرسوم على الكريستال البوهيمي من تشيكيا؟ وما علاقة الصور العاشقة عن مدينة الشارقة وحياتها اليومية والروحية للفنان النمساوي إميليو جانوت والصور القلقة للفنان الفوتوغرافي الإماراتي جاسم ربيع عن مدينة فاس المغربية ومقاومتها العنيدة للزمن؟ هل نعتبر كل فن يتخذ العالم الإسلامي موضوعا له فنا إسلاميا؟ في هذه الحالة تكون كل أعمال الفنانين المستشرقين الغربيين الذين اشتغلوا على العالم العربي والإسلامي فنا إسلاميا. وماذا عن الإبداعات الفنية الهائلة والمتقدمة جدا المنجزة من طرف فنانين من أصول عربية أو من أصول إسلامية في المهجر؟ هل تعتبر إسلامية أم لا؟ يمكننا أن نسحب نفس السؤال عن طبيعة الفن نفسه: أين يكمن الخط الفاصل بين الفن كفن بما هو حديث ومعاصر وبين ما ننزع إلى تسميته بالفن الإسلامي؟ هل نحصر الفن الإسلامي فيما هو تقليدي ماضوي متوقف عن الحركة وثابت في الزمن أم ندخل في اعتبارنا كل التعبيرات المنجزة داخل فضاء الثقافة العربية الإسلامية بقديمها وجديدها؟ أظن أن الطريقة التي قدم بها المعرض تحمل جزءا من الجواب عن سؤالنا. من هنا نعيد طرح سؤال لطالما تردد على فكرنا واهتماماتنا. هل يكفي التخطيط الجيو سياسي لكي نفتح آفاقا لمخيال موحد؟ لقد تسارعت، في العصر الحالي، وتيرة ظهور كيانات جديدة تطالب بهوية ثقافية وسياسية خاصة بها. فعلى امتداد العالم أصبحت مجموعات إثنية (عرقية)، أو دينية تطالب بأن تستقل بذاتها حتى تؤكد ثقافتها وتعيش اختلافها حسب لغة العصر. فهل يكفي إذن الإعلان عن رسم حدود جغرافية وسياسية جديدة حتى تتكون بسهولة وبالسرعة نفسها هوية ثقافية وفنية؟ ما الذي يبرر مثلا بروز فن بوسني بمجرد استقلال البوسنة وهو الذي كان ينخرط تحت مسمى الفن اليوغوسلافي؟ ألم تكن هذه الشعوب تنتمي لهوية معينة قبل بضع سنوات فقط؟ من أين لها بهذه الهوية التي تصنعها السياسة؟ إذا كان من السهل الحديث عن هوية إثنية معينة، كما هو الشأن بالنسبة للبوسنة، عندما يتعلق الأمر بالممارسات الجمعية التقاليدية (من التقاليد وليس من التقليد)، فهل يصدق الأمر على التعبيرات الفنية الحديثة والمعاصرة؟ من هذا المنظور، وإذا عدنا إلى إشكالية العالم الإسلامي فإننا سوف نصطدم لا محالة بمفهوم جيو سياسي للفن. إذ ما معنى هذا المفهوم الغامض لعالم إسلامي لا تجمع بين مكوناته إلا العقيدة الإسلامية؟ فهل يكفي هذا للقطع بوجود مخيال موحد يمكن من خلاله التعرف على براديكمات (ميزان أو لازمة، أو نموذج قياسي) لهذا المخيال؟ هل مازال الفن في عصرنا الحالي يصدر عن العقيدة الدينية؟ وفي حالة الوصول إلى هذا الباراديكم يلزم التعرف عليه إذن في جميع تمظهرات التعبير الروحي، في الفن كما في الشعر كما في الموسيقى كما في المعمار... إذا كان هذا ممكنا إلى حد ما عندما يتعلق الأمر بالبحث التاريخي في المجتمعات العربية القديمة فإن ذلك يصعب فيما يتعلق بالعصور الحالية. فإذا كانت الدولة الإسلامية التي سيطرت لمدة ليست بالقصيرة على إنتاج الخطابات الروحية العقلية والعملية منها قد ساعدت على خلق وحدة ما على مستوى المنجزات الرسمية فإن الأمر يختلف في الوقت الراهن. فالدولة الإسلامية كانت تتوجه إلى العالم ولذا كان كتابها ومفكروها ورساموها وخطاطوها ومهندسوها المعماريون يتوجهون إلى المطلق وكانوا يصدرون عن فكر يريدون له أن يكون كونيا وليس محليا. لذا كنا نجد حتى المحيط العالمي آنذاك ينخرط في المشروع الثقافي والفكري لهذه الأمة؛ ولعل أهم دليل على ذلك هو تقليد المسلمين حتى في إثبات التواريخ الهجرية على الكتب والعمارة وغيرها. أما الدول الإسلامية الحالية، على غرار شعوبها، فإنها تتوجه إلى نفسها، ونفسها فقط، وكأنها غير مقتنعة بوجودها لذا فإنها تقتات على ذاتها كذلك الذي يأكل لحمه ليستمر في الحياة. وحتى لو أننا سلمنا اليوم بوجود وجدان عربي أو عربي إسلامي موحد فإن الحالة التي وصلها العالم اليوم لا تسمح بالتقوقع داخل هذا الوجدان والعيش مطلقا داخله. فالممارسات التقليدية التي تسمى اليوم إسلامية، نظرا لظهورها داخل فضاء عربي إسلامي أو عربي محض، كانت تنجز من طرف معلمين ورثوا الصنعة عن آبائهم الذين ورثوها بدورهم عن أجدادهم والذين كلفوا بتلقينها صافية من كل نقصان أو زيادة للأجيال المتلاحقة. وهذا ما يتعارض مع ما يمكن تسميته اليوم بالإبداع والابتكار. فلا مجال في عالم اليوم لتكرار ما خلفه الأسلاف، بل الأمر يتعلق باحترامه، واحترامه لا يكمن في اجتراره بل في تجاوزه. على أن مفهوم التجاوز هذا الذي جاءت به التفكيكية والذي فهم في عالمنا العربي على أساس أنه تدمير عنيف وإتلاف لما خلفه السلف، يقضي بأن يعاد النظر في الأسس النظرية التي أسست الإرث الذي نتسلمه من الماضي وإعادة النظر في منطلقاته التي قد تكون خاطئة. وتسمح لنا بإعادة النظر هاته (وأحيل هنا على صاحب نظرية التفكيكية ومؤسسها الفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا)، بالوقوف على الظروف والملابسات النفسية والإيديولوجية والتاريخية، المادية والروحية التي سمحت بإنتاجه. معنى هذا أننا نعيد تركيبه، ومن هنا التفكيكية، لننطلق منه لبناء شيء آخر. احترام السلف إذن هو الاستمرار بالإبداع والبحث والتجديد وفق منطق العصر. على هذا الأساس وإذا فهمنا أن مفهوم العالم الإسلامي، كما يمارس في السياسة والدبلوماسية هو تجاوز الاختلافات العرقية والجهوية والثقافية الأنتربولوجية قصد الوصول إلى توافق يسمح بخلق تجمع على أساس الماضي والثقافة التي أنتجها هذا الماضي، فإن الأمر يدخل إذن في باب الإستراتيجية. هذه الإستراتيجية يجب أن لا تغيب عن التفكير الفني «الإسلامي المعاصر». فإذا كان التجمع أو التقارب الإسلامي على أساس العقيدة والماضي المشترك، ولكن قبل كل ذاك على أساس المصلحة ألا وهي الصمود في وجه قوى جارفة لا تبقي ولا تدر، فإنه وجب التفكير في جعل الفن أداة مهمة في خضم هذا الصراع. لا يتعلق الأمر بجعل الفن خادما خنوعا للسياسة ولكن بجعل الفنانين قاطرة لتوجيه اهتمام الشعوب الأخرى، وليس سياسييها، نحو هذه الثقافة المتميزة في ماضيها وحاضرها. ولا يمكن لهذا أن يتم إن نحن تمادينا في عرض الفن الإسلامي في شقه التقليدي متناسين ما يحدث اليوم في البلدان المسماة إسلامية، كما لا يمكن أن ننجح في مسعانا إن نحن بقينا منغلقين على ما ينجزه أبناء العرب والمسلمين في المهجر من الجيل الثاني والثالث. هذا التوجه الذي بدت بوادره في معرض «فلك الفسيفاء» يجب أن يدعم وأن لا يبقى محتشما لا يكتسح التمظهرات الجديدة للفن المعاصر وجميع سنائده من الفن المفاهيمي l’art conceptuel. إذا أردنا فعلا أن يفهمنا الآخر ويتفاعل معنا فيجب أن لا نخاطبه من الماضي، بل نقتحم معه بنفس الكفاءة ميادين البحث والإبداع المعاصرين. هذه هي المهمة التي نضعها اليوم على عاتق مهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة. * باحث في الفنون التشكيلية ـ من المغرب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©