السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساركوزي ينفّذ انقلابا لصالح.. إسرائيل

ساركوزي ينفّذ انقلابا لصالح.. إسرائيل
24 سبتمبر 2009 02:22
السّؤال الأساسي الذي يطرحه المؤلف الفرنسي بول ايريك بلانرو في كتابه: «ساركوزي، اسرائيل واليهود» هو: هل أصبحت فرنسا بلدا منحازا ومواليا للسّياسة الإسرائيليّة؟ وهل أنّ نقد إسرائيل في فرنسا اليوم أصبح من المحرّمات؟ والجواب هو نعم، فالكاتب يحلل ويناقش ويستنتج أنّ الرّئيس الفرنسي الحالي منحاز انحيازا كاملا لإسرائيل، ومناصر ومدافع عن سياستها حتّى أنّه اختار عمدا في خطبه وأحاديثه أن يخلط متعمدا بين اليهودية والصّهيونيّة وصولا الى اتهامه كل من ينتقد إسرائيل بأنه معاد للسّاميّة. لقد اعتمد المؤلف في كتابه لتحليل علاقة ساركوزي بإسرائيل على أكثر من 700 وثيقة ومرجع، وبعد إنهاء كتابه سلّم مخطوطه لعديد دور النّشر (ذكرها كلّها)، ولكنّه صدم برفضها جميعا طباعته. أحد النّاشرين وهو فرانك سالنجر، كان صريحا وجريئا عندما كتب إلى المؤلّف بعد أن سلّمه نسخة من مخطوطه قائلا: «لا أقدر، مع الأسف، نشر هذا الكتاب، إذ إلى جانب المخاطر الّتي سأتعرّض لها عند صدوره، فإنّي متأكّد أنّه لن ينشر عنه ولو سطر واحد في الصّحافة المكتوبة للتّعريف به وكذلك الأمر في الإعلام المسموع والمرئيّ، فالمتحكّمون في هذه الوسائل سيتجاهلون الكتاب عمدا، وليست الضّجة الّتي قد يثيرها صدور الكتاب في الإنترنت، هي التي ستضمن بيعه». وفعلا بعض القرّاء أثاروا ضجّة على الشّبكة العنكبوتيّة، ولكن حدس النّاشر صدق إذ تجاهلت الصحف الكتاب تجاهلا كلّيّا وكأنّه لم يصدر، ولم تكتب عنه سطرا واحدا، وهي الّتي تخصّص دائما صفحات لتقديم عرض الكتب الصادرة حديثا، وقد أحيط الكتاب بتعتيم إعلامي كامل في فرنسا، وتجاهلته كل وسائل الإعلام، وقابلت صدوره بالصمت المطبق، بل واكثر من ذلك، فبعد أن اضطرّ المؤلّف إلى طبع كتابه في بلجيكيا، رفضت مسالك التّوزيع التّقليديّة في فرنسا توزيعه، علما أنه قلّ وندر في فرنسا أن يتعرّض كتاب إلى المراقبة أو المنع ـ حتّى ولو كان بسلطة القانون ـ ولكن هذه المرّة، ولأنّ الكتاب فضح «اللّوبي الإسرائيلي» فإنّ جهات معروفة تحرّكت ومنعت، دون وجه حقّ، توزيعه في المكتبات والأكشاك. وتنديدا بهذا التصرف غير المعتاد في فرنسا فقد نشر جان باستردي دومون (محامي الكاتب) بيانا ذكر فيه ان المؤلف بول إيريك بلانرو وجد نفسه مضطرّا ـ بسبب موضوع كتابه ـ إلى طبعه خارج فرنسا بعد رفض النّاشرين الفرنسيين له، ثمّ إنّ الموزّع رفض قبول توزيع الكتاب في فرنسا. وطالب المحامي بأن يبقى حقّ الفرنسيين في الاطلاع على الحقائق المخفيّة عنهم أمرا بديهيّا. استنساخ والمؤلّف، وهو مختصّ في التّاريخ، أراد بإصداره لهذا الكتاب لفت الانتباه إلى المخاطر الّتي قد تنجرّ عن توجّهات نيكولا ساركوزي في سياسته الخارجيّة إزاء اسرائيل، وهي توجّهات يرى الكاتب أنّها ضدّ المصالح الفرنسيّة، وقد تقود فرنسا إلى مشاكل مع بعض الدول. ويكشف الكتاب عن الشّبكة الّتي تعمل في فرنسا لصالح إسرائيل والّتي تخدم إستراتيجيّة محدّدة تتمثّل في الدّفاع عن مصالح الدّولة العبريّة، ومهاجمة وتشويه سمعة كلّ من ينتقدها أو يعارضها، كما يعرّي المؤلف أسلوب عمل هذه الشّبكة العنكبوتيّة ومكامن قوّتها، وسرّ نفوذها في مختلف الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية والأكاديمية والاقتصادية. وإذا كان كتاب: «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية» لمؤلفيه جون ميهار شيمر وستيفان وولت الصادر في أميركا كشف أسرار اللوبي اليهودي الذي يعمل لصالح إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية، فإن الكتاب الفرنسي هذا أخذ المسألة من زاوية أخرى، إذ سعى مؤلفه إلى إظهار ان نيكولا ساركوزي هو الذي يضع نفسه في خدمة اللوبي اليهودي في فرنسا. وضع مختلف والحقيقة، أنّ وضع اليهود في أميركا، مختلف عن وضعهم في فرنسا مثلما يبيّن ذلك المؤلّف، ففي الولايات المتّحدة الأميركيّة اللوبي اليهودي أصبح واقعا مقبولا لدى جانب كبير من الرّأي العام، ولدى حتّى كبار الأكاديميين الّذين خصّصوا له دراسات متعمّقة، وأصبح لديهم أمرا عاديّا أن يكون وزير الخارجيّة مساندا دائما لإسرائيل، بل أنّه أصبح من التّقاليد الرّاسخة أن يكون «متصهينا»، ولكن في فرنسا فالأمر مختلف، فاليهود الفرنسيون منقسمون في مواقفهم إزاء السّياسة الإسرائيليّة، والسّياسة الفرنسيّة الواجب اتّباعها إزاءها، ثمّ إنّ الشّبكة المساندة لإسرائيل في فرنسا اعترضتها إلى حدّ عام 2007 معارضة ومقاومة من الدّيغوليين وبعض كبار السّياسيين، فوزراء الخارجيّة ، على غرار رولون دوما أو هوبار فيدرين ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ كانا يدافعان بقوّة عن سياسة خارجيّة متوازنة في الشّرق الأوسط، وفي عام 2003 فإنّ الوزير الأوّل الإسرائيلي أرييل شارون رفض الالتقاء بدومنيك دي فيلبان، وزير خارجيّة فرنسا لأنّ هذا الأخير أعلن أنّه سيقابل أيضا في رحلته تلك ياسر عرفات في رام الله! والكاتب عبّر عن رأيه في علاقة نيكولا ساركوزي بالدّولة اليهوديّة، واستنتج أنّ هذا الأخير موال لإسرائيل ومساند لسياستها، وذلك خلافا لجاك شيراك أو الجنرال ديغول مؤسّس الجمهوريّة الفرنسيّة الخامسة، مبينا أنّ العقبات الّتي كانت تواجه اللّوبي الإسرائيلي في فرنسا قد زالت منذ تولّي الرئيس الحالي السّلطة، مؤكّدا أنّ ساركوزي أراد ـ برغبة منه ـ أن يكون، في سياسته الخارجيّة، خادما لمصالح إسرائيل، معتمدا هذا الخيار كإستراتيجيّة له. فنيكولا ساركوزي، ومنذ أن كان وزيرا للدّاخليّة استدعى مجموعة من رجال الشّرطة الإسرائيليين إلى فرنسا ليعطوا رجال الشّرطة الفرنسيين دروسا في كيفية قمع الشّباب من ذوي الأصول العربيّة والمسلمة عندما ثاروا وأحدثوا اضطرابات في ضواحي المدن الفرنسيّة. ويقول الكاتب أنّ رجال الشّرطة الإسرائيليين جاؤوا ـ بطلب من ساركوزي ـ لإعطاء الدروس مستندين إلى ما يعتبرونه نجاحا لهم في قمع الانتفاضة، وهو الأسلوب الّذي أراد ساركوزي نقله لقمع إضرابات الشّباب في الضّواحي الفرنسيّة. والحقيقة أنّ وراء هذا التّمشّي في التقارب الكبير مع اسرائيل والتودد لها، ومساندة مواقفها، وفي السعي للاستفادة من تجاربها تخطيطا من نيكولا ساركوزي ـ منذ أن كان وزيرا ـ لكسب أصوات اليهود الفرنسيين وإستمالتهم إلى صفّه في الانتخابات الرّئاسيّة التي كان منذ ذلك الوقت يخطط لخوض غمارها، حتّى أنّه ـ على حدّ تعبير أحد أعضاء الحزب الدّيغولي ـ فإنّ ساركوزي «هو المرشّح الطّبيعي لليهود». والكتاب يقدّم تحليلا للعلاقات الخاصّة الّتي تربط بين نيكولا ساركوزي بإسرائيل مستندا إلى عناصر نفسيّة وكذلك إلى الجذور اليهوديّة للرّئيس الفرنسي، وهو ما جعله مساندا مساندة مطلقة لإسرائيل رغم بعض التّحفّظ الّذي يحاول إظهاره أحيانا مراعاة للرّأي العام الفرنسي. والمؤلّف يرى انّ سياسة فرنسا الحاليّة في الشّرق الأوسط هي فعلا منحازة لإسرائيل، وهو ما يعدّه المؤلّف «إنقلابا» على أربعين عاما من الدّبلوماسيّة الفرنسيّة المتوازنة والمعتدلة، وهو يكشف عن «شبكة» تعمل بنشاط لمساندة إسرائيل، وهذه الشّبكة أخذت تكتسب منذ مجيء نيكولا ساركوزي نفوذا كبيرا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©