الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من القلب

من القلب
24 سبتمبر 2009 02:26
من روائع الحياة، أنها تزخر بالإيقونات الحسية والثقافية الإبداعية، ولا جدل بأن نزف الحبر يسبقه نزفا آخر أو حكاية مبدع، نشأ وتكوّن في حالة من الألم، يزهر بذلك نحو البلوغ المتقن، بينما يتربص المتلقي بسياق العطاء الفكري المتجدد طرحا وموضوعا، نبع العلاقة دائما تحدوها شفافية مشتركة، تثور على العقم الحياتي المستبد، أو أن تصبح علاقة حذر تتصف بالفبركة المطلية بالتناقض والسوداوية المعقدة! ما يعشش في مخيلة بعض الأدباء بأن الأسباب الحياتية المختلفة وذات الصلة بالإيدلوجية قد أفرزت الحالات غير المستقرة وقد عصفت بالشفافية الفكرية وشتت الإبداعات والمبدعين، وزرعت الخوف في النفوس المثقفة البائسة! وقد حولت المبدع من محطة جوهرية إلى محتوى للرؤى، وبهذا أطرت المثقف بأنموذج خاسر لا يمتلك أدوات التصحيح! وفي الشأن نفسه دأب بعض الكتاب العرب في التشرذم. متنحيا في عالم أهوج عابث بالقيم، تارة يدفع بحاله إلى التكيف وتارة يتكأ على حالات الانزواء، والتجرد من المجتمع ومن مفاهيمه المحيرة، يحاصر النفس بالتحرر الشكلي، بينما الغربة الذاتية صقيع آخر، يتجمل أمام الملأ بالهذيان بعد فشل المشروع الثقافي برمته! وبهذا تراه يسخر من نفسه ومن البيئة وما حولها، لذا ينادي على الدوام باستئصال المكونات الفكرية التي أصبح يراها من زاوية واحدة! ويصادر الآخر وقيمه بعد أن صودر من قبل وهمش وكأنه يسلك الطريق نفسه لكن مفارقة ما بين العفوية والعدائية! ويتساءل المرء: أين المثقف والمبدع المتزن بعيدا عن الإسفاف؟! والذي من شأنه أن يمتص صدمات الماضي والمعطيات الصعبة، فمن خاصية ندب الانهزام والتصدي لكل الاعوجاج المجتمعي المستفحل، والمثقف الذي من شأنه قراءة الحياة بحسابات التأني وإفراز التشظي اللازم لأدرك بان الفعل الثقافي الرصين سبيل نحو حياة حرة!! فمن الظاهر بأن المثقف العربي مثقل بماهية اجترار الماضي المرادف للمعاناة ليجلد نفسه بالأنسياق المتفرد بالنفس وحيث يفسر النوايا العفوية بالمجتمع على أنها رؤى هدفها تحطيمه واستفزازه ليظل التساؤل من هم الذين يودون تحطيم المثقف؟!! هل هي الشعوب الفقيرة ثقافيا والتي لم تصل في نشأتها الأولى إلى المكانة المجتمعية والثقافية؟ نزعة إدانة المبدع من المسلمات القاسية والصعبة، لاعتباره من الأسس والركائز في المجتمع وبقياس الوعي المفترض منه وما يحمله من أفق نير قادر على التغيير، لكن لا يمكن تجاوز إدانته لمجتمعه ومحاسبته لبيئته، وخاصة تلك التي كانت في أوجها العفوي! حياة ذات ألفة ولم تكن حياة طاردة بقدر ما هي تستوعب الآخر وترقى بالفكر والثقافة وتتجلى بالروح المرنة التي أخذت حيزا بين شعوب العالم. لعل هذه الرؤية المحيرة تجسد شكل المبدع أو المثقف المنسلخ تماما عن أدواته النيرة في حين يرمي مجتمعه بالذنب وحين يأخذه بأخطائه!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©