السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اضاءات

اضاءات
24 سبتمبر 2009 02:26
«رمضان كريم» جملة تتكرر، دائما، في هذا الشهر. إذا وجدت موظفا في المركز الذي أرأسه، وأردت معاقبته، قيل لي: رمضان كريم، سامحه من أجل رمضان. وإذا تعطل العمل، أو أخذ عمل يوم واحد أكثر من أسبوع، وأصابني الغضب، قيل لي الجملة نفسها. وهكذا أصبح شهر رمضان الكريم كلما نظرت حولي شهر التكاسل وعدم العمل، وبدل أن يكون شهر الزهد أصبح شهر الإسراف، وأعتقد أن أكثر ما ننفقه في هذا الشهر الكريم هو ما ننفقه على الطعام والشراب ولوازم رمضان من الحلوى وأنواع المكسرات. وإذا جاء وقت أذان المغرب، رأيت نفسي أمام مائدة تكفي قبيلة بأكملها، فإذا شكوت لزوجتي، أجابت باسمة: رمضان كريم يا حبيبي، وطبعا يذهب الرجيم إلى السجون التي تحبس فيها العفاريت، وتتزايد طيات الكرش وأصاب بتخمة يومية بعد الإفطار، ولا علاج منها إلا بعشرات المهضمات والمسهلات، وينتهى الشهر الكريم، ويزيد الوزن عددا من الكيلوات المحترمة التي تصيب طبيب القلب بالذعر. وقد أصابت التلفزيون المصري عدوى «رمضان كريم» فأنتج ما لا يقل عن ثمانين مسلسلا، أغلبها يصيب المشاهدين بالتخلف العقلي، ويسمّر العائلات أمام التلفزيونات، وتتنقل أزرار الريموت بين القنوات، وتكتشف معرفة من حولك بمواعيد إذاعة مسلسلات، أغلبها غثّ تافه، وتفرض عليّ أسرتي أن أجلس معها بعد الإفطار، لكي أشاهد ما لا أريد مشاهدته، ولا أستطيع سوى الانصياع. وقد شكوت هذه الوفرة الوافرة لأحد المسؤولين في التلفزيون المصري، فابتسم لي، وربت على كتفي، قائلا: رمضان كريم يا صديقي. ولا أملك سوى القول في داخلي: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا أكف عن السؤال ما الذي جعل شهر الزهد والتقوى والعمل شهرا للإسراف في الإنفاق على الطعام والبطالة والكسل؟ ولماذا تحول معنى الكرم عن دلالة العطاء والتهجد إلى دلالة الإسراف والبذخ؟ هل هذا الذي نعيش فيه، ونراه حولنا كل رمضان يجعلنا نؤدي ما علينا لديننا ودنيانا؟ أم العكس للأسف تحول التدين إلى شكليات وفقدت القيم الروحية معانيها الأصلية؟ وكما تكاثرت المسلسلات تكاثر الوعاظ وأصحاب الفتوى الذين لا تملك سوى أن تقول على ما يرفعون عقيرتهم به: أسمع جعجعة ولا أرى طحنا، وماذا نفعل خصوصا حين نرى البسمة واللسان الذي لا يكف عن التبرير بجملة رمضان كريم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©