الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تتجوزيني يا فتكات» ؟

«تتجوزيني يا فتكات» ؟
1 ابريل 2011 18:29
أنا من جيل لم يتأثر بهوليوود، لأنني ودّعت المراهقين أمام بوابة المراهقة وأغلقت الباب خلفي في زمن لم تكن فيه إلا القليل من دور السينما والقنوات الفضائية، فلم أحظَ بمشاهدة الكثير من الأفلام الأميركية اللهم إلا بعض أفلام الرعب التي بخّرت أنفاس أشباحها الشجاعة التي كانت في صدري. جلّ التأثير التلفزيوني جاءني من الأفلام والمسلسلات المصرية، إذ كنت أتابعها رغماً عن أنفي في طفولتي لأنني كنت أصغر الجميع وكان الكبار مسيطرين على التلفزيون الوحيد في البيت، ثم مع الأيام استهوتني ورحت أتابعها بكل حواسي، لدرجة أنني حين سافرت إلى مصر بعد ذلك بسنوات، كان المصريون يتعجبون من كوني إماراتياً، فأنا أتحدث اللهجة المصرية كأي مصري، أعني كيوسف شعبان وليس كشعبان عبدالرحيم. ومن مظاهر التأثير المصري أنني هرمت وأنا أحلم بالتعرّف إلى فتاة والجلوس معها في مقهى مطلّ على نهر وبيننا مزهرية، ويأتي نادل يرتدي بذلة سوداء وبيده دفتر صغير ويسألني: «طلباتك إيه يا فندم»؟، فأقول: «واحد قهوة زيادة»، ثم أنظر إليها وأقول: «تشربي إيه»؟. ثم حين يبتعد النادل أنظر إليها من جديد وأقول: «تتجوزيني يا فتكات»؟، فتهبّ واقفة وهي تصرخ: «احترم نفسك يا قليل الأدب، أنت عارف انت بتكلم مين؟»، وتهم بالمغادرة وأنا أقول: «الله، الله، الله، هو أنا قلت إيه؟». وأذكر أنني تعرّفت في إحدى المرات على فتاة لم تكن تستطيع التحدث إلي عبر هاتف منزلها، فأخرجت ورقة وقلماً وكتبت رسالة غرامية، ثم مزقتها كما يفعل محمود ياسين، ثم كتبت أخرى، وهكذا إلى أن توصلت إلى أبلغ كلام عاطفي صدر مني، ثم كتبت رسالة ثانية، فثالثة، وكانت الأخيرة، ولم أكتب بعدها أي رسالة غرامية إلى يومنا هذا، ولن أكتب أبداً، لأنني كنت أحلم بالحصول على قبلات وعناق حار، فإذا بي أحصل على صفعات على وجهي وركلات في جميع أجزائي، وقال لي قريب لها وهو يجذبني من مقدمة شعري: تكتب رسائل؟ تظن نفسك في فيلم مصري؟ وقررت مرة مع بعض الأصدقاء الحمقى تصوير فيلم قصير للتسلية، وكان الفيلم من مشهدين فقط، في المشهد الأول كنت أمثّل دور رجل الأمن الذي يقبض على المهرّب متلبساً وهو يحمل حقيبة سوداء تحتوي «بودرة». وفي المشهد الثاني كنت أمثّل دور وكيل النيابة الذي لا يتوقف عن التدخين أثناء التحقيق. وكنت الوحيد من بين إخواني الذي استأجر شقة بعد زواجه ولم أسكن مع عائلتي كما فعلوا هم في بداية حياتهم، وكانت زوجتي ترافقني في رحلة البحث عن شقة مناسبة، لكننا بطبيعة الحال لم نكن نبني الأحلام الجميلة أثناء ذلك كما يفعل الممثلون المصريون، وإنما نتشاجر، أو بالأحرى أنا أتشاجر وهي تمسح دموعها. وكل هذه الحركات: القهوة، والنهر، والرسالة، والحقيبة السوداء، ووكيل النيابة الذي يدخن، ورحلة البحث عن شقة، كانت في صلب الدراما المصرية إلى نهاية القرن الماضي، ولا أعتقد أن هناك فيلماً أو مسلسلاً مصرياً خلى من تلك العناصر. تغير الآن كل شيء، وسيطرت هوليوود على المشهد التلفزيوني والسينمائي، وهي التي تؤثر في الناس، لكن أشخاصاً مثلي ومن هم في عمري باتوا محصّنين تقريباً لأننا تشكّلنا وتأثرنا وأصبحنا «مصاروة» وانتهى الأمر. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©