الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السلام مقابل العدالة··· أيهما أولى؟

السلام مقابل العدالة··· أيهما أولى؟
21 يوليو 2008 22:47
قوبل قرار مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ''لويس مورينو أوكامبو'' القاضي بمتابعة الرئيس السوداني ''عمر حسن البشير'' قضائيا بتهم ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم حرب بارتياح ورضا الأغلبية الساحقة من الأشخاص الذين تزعجهم مأساة دارفور· فبالنسبة لنشطاء دارفور -القضية الأفريقية التي لم تستأثر أي نظيرة لها بمثل هذا الاهتمام والتعبئة منذ الحركة ضد نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا الأبارتايد؟ يعد البشير مهندس ما هم واثقون من أنها إبادة جماعية مثلما هم واثقون من أن ''أدولف هتلر'' هو مهندس ''المحرقة''، ويجادلون بأنه إذا كان الأمر كذلك، فليس من المقبول أخلاقيا عدم محاولة جلب البشير وشخصيات محورية أخرى في الخرطوم إلى العدالة، كما يجادل بعض هؤلاء النشطاء بأن قرار المتابعة القضائية يمثل أول خطوة مهمة إلى الأمام تجاه نظام عدالة دولية فعال لن يعود فيه بمقدور زعماء العالم المتورطين في جرائم ضد الإنسانية التمتع بالحصانة التي كانت لديهم في الماضي· بيد أن هذه الحجج -على جاذبيتها- تعتريها الكثير من العيوب، وأولها اعتقاد الأشخاص الذين ينتصرون لمفهوم العدالة الدولية الذي تمثله المحكمة الجنائية الدولية بأن السلام والعدالة هدفان متطابقان دائما تقريبا، وأنه ينبغي -في المناسبات النادرة التي لا يكونان فيها كذلك- إعطاء الأولوية للعدالة، والحال أنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأن ذلك صحيح، ولعل خير مثال على ذلك هو جنوب أفريقيا في مرحلة ما بعد ''الأبارتايد''، فتحقيق العدالة كان يقتضي أن يدفع قادة النظام العنصري البيض ثمن جرائمهم، في حين كان السلام يقتضي التوصل لتسوية، ولما كان المؤتمر الوطني الأفريقي يدرك أن السلام هو ما يحتاجه البلد الذي تحرر للتو، وليس الحرب الأهلية، تم إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة، بدلا من المحاكمات، تم فيها العفو عن مرتكبي فظاعات ''الأبارتايد'' مقابل اعترافهم بما اقترفوه· واللافــت أن الأشخاص الذين رحبوا بقرار المتابعـــة القضائية يولون أهميــة كبيرة للذاكرة والحقيقة، والحـــال أنهم ينســـون على ما يبدو دروس الماضي القريب هذه، والتي يتضح فيها أن المسار المعقول هو الاعتراف بأن السلام أهم من العدالة حين يأتي وقت الاختيار· هل في رؤية البشير ماثلا أمام هيئة المحكمة ما يرضي النفس والعواطف؟ بالطبع، فمعظمنا في نهاية المطاف -نحن الأشخاص الذين يعتقدون أن قرار المتابعة القضائية خطأ فادح- يرى في الوقت نفسه أن الرئيس السوداني متورط وفق القانون الدولي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فمعظم التقديرات تتحدث عن مقتل 200 ألف شخص على الأقل في نزاع دارفور، ومعظم حالات الوفيات تلك نُسبت إلى ميليشيات تطلقها حكومة البشير لإخماد التمرد· ولكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو كالتالي: هل يستحق الأمر متابعة البشير قضائيا؟ بعبارة أشد وأكثر صراحة، هل يستحق الأمر الثمن الذي من شبه المؤكد أن سكان دارفور سيدفعونه بسبب هذه المتابعة القضائية في الواقع؟ وعلاوة على ذلك، فإن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك جيشا ولا حتى قوة شرطة يمكن أن تذهب إلى الخرطوم وتقبض عليه، ولذلك، حتى استعمال عبارةٍ مثل ''جلب البشير إلى العدالة'' يثير سؤالا ''من الذي يستطيع فعل هذا الأمر؟''، صحيح أنه إذا قرر البشير القيام بزيارة إلى أحد بلدان الاتحاد الأوروبي، فمن المحتمل أن يتم القبض عليه ويسلم إلى المحكمة الجنائية الدولية، غير أن ذلك يبدو مستبعدا جدا في هذه المرحلة· بغض النظر عن المرات التي يدعي فيها المدافعون عن معايير القانون الدولي الجديدة خلاف ذلك، ويصرون على حدوث تغير كبير في المجموعة المتباينة والمنقسمة التي يسمونها ''المجتمع الدولي''، فإن الواقع هو أن القبض على البشير ومحاكمته أمر غير ممكن تقريبا، والواقع أن هناك طريقتين ممكنتين فقط لإنهاء حرب من الحروب، الأولى تتمثل في انتصار كامل على غرار ما وقع إبان الحرب العالمية الثانية، والثانية تتمثل في تسوية متفاوض بشأنها، ولما كان تغيير النظام ليس هو الهدف المنشود، فإن تأمين سلام في دارفور يعني التفاوض مع البشير بدلا من اعتقاله ومحاكمته وسجنه· الحقيقة التي لا مراء فيها أننا -سواء كانت هذه الكلمة تعود إلى الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو الناتو أو الاتحاد الأفريقي- لن نشن حربا على السودان، ولأننا لن نفعل ذلك، فيجوز التساؤل بشأن كل هذا الرضا لأننا جعلنا المفاوضات أكثر صعوبة، في وقت يعترف فيه حتى بعض نشطاء دارفور أنفسهم بأن قرار المتابعة القضائية قد زاد الأمور تعقيدا؟ صحيح أن عملية السلام في دارفور مشلولة، وأن الأشخاص الذين يؤثرون السلام على العدالة قد ينتهي بهم الأمر إلى عدم تحقيق أي منهما، ولكن الأكيد أنه سيكون من الحكمة محاولة إعادة بدء المفاوضات على نحو جدي مع ''البشير'' وحكومته بدلا من الاستسلام للأوهام والتخيلات حول الأشرار الذين لا بد أن يلقوا عقابهم مثلما في ''حكاية مونتي كريستو''، الأمور ليست كذلك في عالمنا! ديفيد ريف محلل سياسي أميركي، وزميل معهد وورلد بوليسي إينستيتيوت ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©