السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوق باب الشعبة يحكي قصة التعايش الإسلامي اليهودي في المغرب

سوق باب الشعبة يحكي قصة التعايش الإسلامي اليهودي في المغرب
24 سبتمبر 2009 22:27
تمنح مدينة آسفي شاعرية الزائر الهدوء والصفاء والسكينة. وقد كانت قبل عقود من الزمن تحيط بها أسوار عالية لا تزال قائمة، هذه الحصون التي تغلق أبوابها عند أذان صلاة المغرب خوفا من اللصوص وقطاع الطرق، ولا تزال في هذه المدينة تلك الأسواق القديمة بحوانيتها الصغيرة التي تحظى بالترميم من طرف أصحابها ومن توارثوها عن الأجداد، أو من طرف المجالس البلدية المتعاقبة على هذه المدينة، كون حوانيت تلك الأسواق تتميز بتصميم عريق وطابع معماري أندلسي مغربي يثير إعجاب السياح الذين يأتون لزيارة هذه المدينة، ومنهم من يأتي إليها ليتذكر أيام طفولته التي قضاها هنا إبان الاستعمار الفرنسي للمغرب الذي امتد من سنة 1912 إلى سنة 1956، كما تجتذب هذه المدينة وسوق «باب الشعبة» آلاف السياح اليهود المغاربة الذين هاجروا أو هُجِّروا من المغرب في ستينيات القرن الماضي، وكان آباؤهم وأجدادهم من ساكنة مدينة آسفي، ومنهم من احترف بيع الذهب والفضة في حوانيت سوق باب الشعبة، ومن هؤلاء اليهود المغاربة من برع في ضرب النقود والتفنن في صنع الحلي الذهبية، ومنهم من برع في الصناعة التقليدية المغربية التي ترك اليهود طابعهم المدرسي عليها والذي لن ينمحي ولن تطمسه تعاقب السنوات والقرون. المسجد الأعظم تذهب حوانيت «باب الشعبة» بالسائح إلى الغوص في ذاكرة المكان، ومن بين أزقة تلك الحوانيت مرت سنوات تعايش فيها اليهودي والمغربي والاسباني والفرنسي ولا يزال هناك المسجد الأكبر الذي بني في العصر الموحدي والذي يعتبر من أهم وأقدم المساجد في هذه المدينة، كذلك تتواجد على بعد أمتار قليلة من حوانيت سوق «باب الشعبة» مساجد صغيرة مستحدثة وتتواجد بهذا السوق أيضا كنيسة صغيرة مهجورة هي الأخرى تصارع الزمن من أجل البقاء وكانت هذه الكنيسة في السابق من أحد المعالم المعمارية الجميلة التي تتميز بطابعها الفني الفريد، وبالقرب من سوق «باب الشعبة» العتيق وحوانيته منازل فسيحة تتميز بطابعها المعماري الذي يمازج بين العمارة الأندلسية والأوروبية والمغربية، منازل بفناءات واسعة ومشربيات وتتوسطها نافورات بتصاميم بديعة، منازل تعكس غنى الهندسة المعمارية التي تحافظ على الطابع التراثي الأصيل. براعة الصانع في حوانيت سوق «باب الشعبة» يمكن للسائح أن يستمتع برؤية ما تبدعه يد الصانع المغربي من حلي وزخرفيات وملابس تقليدية مغربية بطابعها الأصيل والعريق الذي يقف صامدا في وجه الأعاصير التي تهدده والتي تتجلى في السلع القادمة من الصين والهند وماليزيا وهي رغم أنها رخيصة الثمن إلا أن الزائر لا تغريه تلك السلع لأنها تخلو من براعة الصانع المغربي ولمسته الفنية، وهي لمسة ذات الخطوط السحرية التي لا يمكن للعين أن تحيد عنها أو تخطئها. فالزائر أو السائح الفرنسي حين يشتري «بلغة» أو «شربيلا» من سوق «باب الشعبة» فهو يبحث فيه عن الأصالة والدقة والبراعة والفنية، كما أن هذا السائح يشم هذه «البلغة أو ذلك «الشربيل» باحثا عن رائحة الجلد الأصيل ورائحة بحر هذه المدينة حيث يعالج الجلد الذي يصنع منه الصانع المغربي مشغولاته الجلدية. أما مشغولات النحاس التي برع فيها الصانع المغربي، فالسائح يفرزها بحاسته وذوقه الفني بين المشغولات والتحف الفنية الأصيلة والمزورة. لأن المشغولات الأصيلة تتميز بطابعها الأصيل والعريق والذي يعكس دقة ومهارة «المعلم» المغربي التي اكتسبها عبر عقود من الزمن وتوارثتها الأجيال الحديثة عن الأجيال السابقة. كحل وحناء في سوق «باب الشعبة» تجد نفسك في قلب المغرب الضارب في القدم بحضارته، تجد الحمامات القديمة وتجد النساء بائعات الحناء والكحل وهن يجلسن في زوايا مخصصة لهن. تقول أم أحمد (70 سنة): «أبيع الحناء والكحل في هذا المكان العريق منذ أن كان عمري 12 سنة، الكل يعرفني، أذكر أني حين قررت وأنا طفلة صغيرة أن أمتهن بيع الحناء والكحل في هذا المكان وجدت نساء كثيرات وكبيرات في السن يبعن أيضا ما أبيعه اليوم مع اختلاف بسيط، هو أنهن كن يبعن أعواد السِّواك ومصوغات بسيطة يصنعها اليهود المغاربة الذين كانوا يسكنون ويعيشون معنا في هذه الأزقة التي تراها أمامك واليوم تغير الحال لم يعد هناك من النساء من يرغبن في امتهان هذه الحرفة وهي اليوم في طريقها إلى الاندثار». دمعت عين أم أحمد وهي تتأسف على ما آلت إليه حرفتها التي تحبها والتي تبعد عنها الرتابة والملل لأنها تلتقي يوميا بنساء من تلك المدينة الصغيرة ويبتعن منها لوازم التجميل المغربية الطبيعية الأصيلة من حناء وسِواك ومواد أخرى تجمَّلت بها المرأة المغربية عبر عقود كثيرة من الزمن، وجعلت منها امرأة جميلة صادقة الجمال قبل أن تغزو بيوت المغاربة عطور وأدوات التجميل القادمة من الديار الفرنسية والكورية والصينية وغيرها.
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©