الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أولويات أميركية في مواجهة الحرب السورية

23 ابريل 2018 22:24
يزداد الصراع المؤلم الذي تشهده سوريا تعقيداً وخطورة، وهو الذي أثار جدلاً واسعاً في إدارتي أوباما وترامب. والآن، وأكثر من أي وقت مضى، تحتاج الولايات المتحدة لأن توضح أهدافها الاستراتيجية في سوريا وأن تتابعها بكل اهتمام. ولقد عملت روسيا وإيران بإخلاص شديد وتحملتا تكاليف باهظة للإبقاء على بشار الأسد وتمكينه من القضاء على المعارضة، وهما باقيتان هناك لدعمه ومساندته. وصحيح أن تنظيم «داعش» تخلى عن وهم «الخلافة المزعومة»، ولكنه لم يُهزم تماماً حتى الآن. ويحدث كل هذا في الوقت الذي لا يزال فيه الشعب السوري يعاني من الممارسات الوحشية للنظام. ولا تزال الخيارات السياسية للولايات المتحدة هناك أكثر قصوراً وأقل فعالية من أي وقت مضى. ونقلت الضربات الجوية التي نُفذت الأسبوع الماضي بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، رسالة مهمة وواضحة للأسد مفادها أن العالم المتحضّر لا يمكنه أن يقبل باستخدام الأسلحة الكيميائية. إلا أن التأثير الرادع لتلك الضربات كان محدوداً ليس بسبب خوف الولايات المتحدة من اتساع حجم الصراع فحسب، بل لأنها أوضحت بشكل علني بأنها لن تستخدم القوة لمعاقبة النظام ذاته على استخدامه للأسلحة الكيميائية. ويضاف إلى ذلك أن الأمور في الولايات المتحدة لا زالت غامضة حول ما إذا كان «الخط الأحمر» المعمول به حالياً يقف عند حدّ استخدام غاز الكلور الذي لم تتخذ الولايات المتحدة وحلفاؤها أي إجراء انتقامي ضد استخدامه. وقال مسؤولون أميركيون أن الهجوم الذي تعرضت له «دوما» مؤخراً استخدم فيه غاز الكلور ومركب أكثر فتكاً لإتلاف الأعصاب هو «السارين». وهو من المركبات المخزونة التي سبق أن تم الاتفاق مع النظام على التخلص منها عام 2013. وإذا قررت الولايات المتحدة الرد على الهجمات التي يستخدم فيها غاز الكلور وحده، فسوف تضطر لتوجيه الضربات الجوية لسوريا بشكل متكرر. والأخطر من كل ذلك هو أن النزاع السوري أصبح يضم لاعبين كباراً يتربصون جميعاً ببعضهم البعض. ونرى هناك أن إسرائيل ضد إيران، والولايات المتحدة ضد إيران وروسيا، وتركيا ضد الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. وتنطوي هذه المواجهات على خطر التحول إلى صراع مستدام حتى لو أمكن استبعاد أسوأ وأخطر السيناريوهات المتوقعة بشأنه. وأمام هذا الواقع، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون واضحة فيما يتعلق بمصالحها الاستراتيجية وحريصة على ألا تنزلق مهمتها نحو المجهول. وحول هذه النقطة بالذات، وبالرغم من اختلاف الرؤى بين إدارتي أوباما وترامب، إلا أنهما أثبتتا تقارباً في طريقة التعاطي مع الأزمة. وباستقاء العبرة من دروس العراق، اتفقت الإدارتان على أن الهدف الأول هو دحر تنظيم «داعش» وليس تغيير النظام. وكانت كلتا الإدارتين تحرص على تجنب التورط في حرب أوسع تتطلب استخدام عدد كبير من الجنود الأميركيين ولمدة طويلة. وفي الوقت الذي أكدت فيه إدارة ترامب عزمها على التصدي لطموحات إيران في سوريا، إلا أنها لم تستعرض ما يكفي من عضلاتها لتحقيق هذا الهدف. وكلتا الإدارتين طالبتا بحل سياسي للأزمة السورية على الرغم من أن إدارة ترامب لم تبذل الجهد الدبلوماسي الكافي للعمل في هذا الاتجاه. وكانت الإدارتان تفرقان بين استخدام الأسد للأسلحة التقليدية التي قتلت مئات الألوف من السوريين، وبين استخدامه للمواد الكيميائية المحظورة لأنها تعتبر انتهاكاً للقوانين الدولية التي ترى الولايات المتحدة أن من مصلحتها التمسك بها. وهذه الأهداف المحددة وفقاً لأفق ضيق، تبقى الخيار الأقل سوءاً بحسب وجهة النظر الأميركية على الرغم من أن جل الأميركيين لا يستسيغونها من الناحيتين الأخلاقية والإنسانية. وهذا الواقع الغريب هو الذي يجعل سوريا اللغز السياسي الأصعب والأكثر إيلاماً منذ عدة سنوات. ويمكن القول إن التطورات المقبلة سوف تكون محفوفة بالمخاطر ولا تدعو إلى التفاؤل. ويتحتم على أميركا وحلفائها الرفع من مستوى جاهزيتهم العسكرية وحيث لا يتعدى عدد الجنود الأميركيين في سوريا الآن 2000 جندي، وذلك من أجل استكمال عملية طرد فلول «داعش» وضمان عدم ترك أي فرصة لعودة التنظيم باتخاذ قرار بعدم سحب القوات من هناك تجنباً لحدوث فراغ سياسي على الأرض. وينبغي على الولايات المتحدة وشركائها المساعدة على إحلال الأمن في المناطق المحررة من سيطرة النظام وإعادة بنائها وتشكيل مؤسسات الحكم المحلي فيها. وسوف يسمح هذا الإجراء للولايات المتحدة بتقويض الطموحات الإيرانية بالسيطرة على المناطق والمدن في العراق وسوريا ولبنان واستعادة السيطرة على أهم المناطق المنتجة للنفط وحرمان الأسد من بسط نفوذه على أجزاء مهمة من سوريا والسعي نحو تحقيق الحل السياسي الشامل للأزمة. نعم، إنها دعوة لبناء دولة، أو لإعادة بناء منطقة على الأقل. إلا أن إهمال المناطق المحررة هو بمثابة فرش البساط الأحمر للإرهابيين للعودة إليها. والموضوع الثاني من حيث الأهمية هو أن على الولايات المتحدة أن تواصل امتناعها عن طرح فكرة عزل الأسد باستخدام القوة العسكرية، وذلك لأن تكاليف أداء هذا العمل تفوق بكثير الفوائد المترتبة عنه. ونظراً لأن روسيا وإيران تتمسكان به بقوة، فإن المخاطر التي يمكن أن تنجرّ عن اتباع تلك الاستراتيجية تتزايد. وعلى الولايات المتحدة أن تواصل سعيها لتجنب حدوث صراع مباشر مع روسيا، ولا بد أيضاً من تخفيض مخاطر انفجار الموقف بين إسرائيل من جهة، وإيران وصنيعها «حزب الله» من جهة ثانية، ولا بد أيضاً من ضمان عدم حدوث مواجهة واسعة النطاق بين تركيا وأكراد سوريا الذين لا زالت أميركا تحتاج لجهودهم للقضاء على فلول تنظيم «داعش». وهذا لا يعني أبداً السماح لروسيا وإيران بفعل ما تشاءان، بل إن على الولايات المتحدة أن تثبت وجودها هناك بقوة وذكاء، ومن الأفضل أن يكون ذلك بمشاركة الحلفاء للتصدي لاستخدام الأسلحة الكيميائية ومنع حدوث أعمال القتل الجماعي. والنقطة الثالثة من حيث الأهمية، تكمن في أن على الولايات المتحدة أن تقدم مساعدات إنسانية سخيّة للسوريين داخل وخارج سوريا وأن توقف على الفور العمل بالسياسات غير الإنسانية لرفض قبول اللاجئين منهم. وأخيراً، على الولايات المتحدة أن تدفع باتجاه تحقيق تسوية للنزاع في سوريا. وبالرغم من تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة إلا أن وزنها الدبلوماسي لا يزال مؤثراً. وحتى تصبح سوريا دولة مقبولة فإنها تحتاج لحكومة منتخبة من طرف شعبها. ومن دون ذلك، لن تكون دولة موحدة قادرة على منع الإرهابيين من اختراقها. وبالرغم من ضعف قابلية روسيا وإيران والأسد للتفاوض حول هذه الأمور، إلا أن لدى الولايات المتحدة ورقتين يمكنها أن تلعبهما في هذا الشأن. الأولى هي سيطرتها على منطقة مهمة من شمال وشرق سوريا بالاستعانة بالقوات الكردية الحليفة. وتكمن الورقة الثانية في قدرتها التي لا تجارى لإعادة بناء سوريا بمساعدة الحلفاء ودول الخليج العربي وبسواعد النازحين العائدين. ومن دون أموالنا، لا يمكن لروسيا وإيران أن تفعلا أي شيء في مجال إعادة الحياة للدولة الفاشلة. وربما لا يمكن لهذه الخطوات أن تضع حداّ للحرب الدائرة في سوريا، ولا أن تعيد الأرواح لمن ماتوا، ولا أن توقظ ضميرنا النائم، إلا أنها ستضمن للولايات المتحدة التركيز على أهداف واضحة قابلة للتطبيق وتجنّب الاستراتيجيات المستحيلة والاهتمام بما يحقق مصالحنا الوطنية. *مستشارة الأمن القومي في إدارة أوباما ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©