السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترامب.. ومخاطر التفاوض مع كيم

23 ابريل 2018 22:32
عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 8 مارس نيتة الالتقاء بكيم جونج أون، كنت كتبتُ أن زعماء كوريا الشمالية والجنوبية «خدعوا الرئيس الأميركي الساذج واستدرجوه إلى قمة تستأثر باهتمام إعلامي كبير من المحتمل أن تنتهي بكارثة، بطريقة أو بأخرى». والكثير حدث منذ ذلك الوقت. فكيم أعلن أنه مستعد للحديث حول نزع السلاح النووي واتفاق سلام لإنهاء الحرب الكورية – من دون الإلحاح على سحب القوات الأميركية. ومدير «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية مايك بومبيو قام بزيارة لبيونجيانج للقاء كيم. ويوم الجمعة أعلن كيم أنه سينهي الاختبارات النووية والصاروخية، ويغلق الموقع الذي كانت تجرى فيه الاختبارات. في ضوء كل هذه الأخبار، كتب قارئ يسأل: «أتساءلُ إن كنتَ ستقوم بتحديث مقالك ليوم 8 مارس حول الخداع والاستدراج. أجل، سأقوم بذلك. وفي ما يلي التحديث: إن كيم رجل أكثر خداعاً ومراوغةً، وترامب أكثر بساطة، مما كنت أتصور». فهذه ليست «اختراقات» تؤشر إلى السلام في زمننا، بل مؤشرات على المهارة التي يناور بها كيم من أجل الحفاظ على برنامجه النووي، وتخفيف العقوبات الدولية، وتبديد «نار وغضب» ترامب. والواقع أن ترامب هو الذي قدم تنازلاً كبيراً حيث أصبح أول رئيس أميركي ما زال على رأس منصبه يعبّر عن استعداده للقاء زعيم كوريا الشمالية – وهو عمل سيضفي الشرعية على حاكم أكثر نظام استبداداً في العالم وسيدعم دعايته الرسمية بأن حتى القوة العظمى الوحيدة في العالم باتت تشعر بأنها مضطرة للاستسلام أمام ترسانته النووية الجبارة. ولكن، ما الذي سيحصل عليه ترامب بالمقابل؟ حتى الآن، لن يحصل ولا حتى على الحرية للرهائن الأميركيين الثلاث في كوريا الشمالية – وإنْ كان كيم يلمح إلى أن هذا التنازل الصغير قادم. ويبدو أن ترامب يعتقد أن ثمة تنازلات أخرى أكبر في الطريق أيضاً. فيوم الأربعاء الماضي، بعث تغريدة على «تويتر» تقول: «مايك بومبيو التقى مع كيم جونج أون في كوريا الشمالية الأسبوع الماضي. اللقاء مر بشكل سلسل وعلاقة جيدة تشكلت بين الجانبين. والآن يتم الاشتغال على تفاصيل القمة. ولا شك أن نزع السلاح النووي سيكون شيئاً جيداً جداً بالنسبة للعالم، ولكن أيضاً بالنسبة لكوريا الشمالية!». في الواقع، ومثلما أشار إلى ذلك عدد من الخبراء، فإن «نزع السلاح النووي» لا يعني بالنسبة لكيم الشيء نفسه الذي يعنيه بالنسبة لترامب. فبالنسبة لكيم، يعني ذلك سحب الولايات المتحدة لضمانتها الأمنية من كوريا الجنوبية، ما يسمح لـ«الشمال» بالتنمر، وربما ابتلاع جاره الجنوبي. ومن شأن «اتفاق سلام» أن يقرب هذا الهدف. إذ لماذا ستحتاج الولايات المتحدة لحماية «الجنوب» إذا كانت في سلام مع «الشمال»؟ ولكن، ألم يقل كيم إنه مستعد للسماح لجنود أميركيين بالبقاء في «الجنوب» حتى بعد توقيع اتفاق؟ نعم، وكذلك فعل والده كيم جونج إيل في التسعينيات. فقد قال كيم الأب إن كوريا الشمالية ستكون منفتحة على بقاء جنود أميركيين كقوة لحفظ السلام في كوريا، بدلا من قوة عدوة ضد «الشمال». والواقع أنه من الصعب معرفة ما يعنيه ذلك بالضبط، ولكنه يشير إلى وجود صغير ورمزي ومسلح بشكل خفيف لا يستطيع ردع كوريا الشمالية على نحو ذي مصداقية. إن تعهد كيم الأخير – بوقف الاختبارات النووية والصاروخية – لا يمثل «تقدماً كبيراً»، مثلما قال ترامب في تغريدته، وذلك لأنه سبق له أن قال ذلك، وكلامه يمكن حدوث عكسه بسهولة. ولدى شرحه هذه الخطوة، زعم كيم أن برنامج أسلحته النووية اكتمل ولم يعد في حاجة لمزيد من الاختبارات. غير أنه حتى إذا كان ذلك غير حقيقي، فقد يكون ثمة سبب عملي لإغلاق موقع الاختبارات النووي – ذلك أن الانفجارات النووية المتكررة عميقا داخل جبل مانتاب قد تكون جعلته قريباً من الانهيار. ومرة أخرى، يتبع كيم الابن نموذج والده، الذي أقدم في 2008 على تفجير برج التبريد لمنشأة نووية لكي يُظهر أنه جاد بشأن المفاوضات. ولكنه لم يكن كذلك. لا شيء من هذا يعني أن كيم بات على وشك التخلي عن برنامج للأسلحة النووية أنفقت عائلته عقوداً ومليارات الدولارات في سبيل تطويره. ثم إن كيم رأى كيف أسقطت الولايات المتحدة معمر القذافي وصدام حسين بعد أن تخليا عن أسلحة الدمار الشامل التي كانا يملكانها؛ وهو لا ينوي محاكاة نموذجهما المؤسف – وخاصة، في وقت دعا فيه مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى حرب وقائية ضد كوريا الشمالية. وخلاصة القول إن كيم قد يكون شريراً ولكنه ليس غبياً – أو انتحارياً. إنه يخدع ترامب، مقدِّماً وعوداً فضفاضة ليست لديه النية في الوفاء بها. وترامب، الريفي الأخرق الذي يعتقد أنه ذكي ومحنك، يُظهر كل الإشارات على أنه ابتلع الطعم. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©