الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوبا «الجديدة».. حدود التغيير

23 ابريل 2018 22:32
كانت الشوارع حافلة بالناس الذين يبدؤون يومهم، ينقلون عربات الفاكهة إلى الشوارع الجانبية الضيقة، وينتظرون بفارغ الصبر عند التقاطعات المزدحمة. كان الرئيس الكوبي الجديد -أول رئيس من خارج عائلة كاسترو –يتحدث. ولكن لا أحد كان ينصت على ما يبدو. كانت التلفزيونات في محطة الحافلات مفتوحة على قنوات أخرى، بينما كانت المقاهي تبث أولى تصريحات الرئيس الجديد. أما أجهزة الراديو، على الأقل في المناطق العامة، فقد اكتسبت بعض الاهتمام. في خضم لحظة تاريخية أخرى على الجزيرة، مر انتخاب رئيس جديد هذا الأسبوع دون إحداث جلبة كبيرة في العاصمة. وبدلا من ذلك، فإن شعوراً جماعياً باللامبالاة بدا أنه يتخلل هافانا، شعور يبدو أن الحكومة نفسها تعززه، على الأقل إلى حد ما، لم تكن هناك أحداث عامة كبيرة بمناسبة وصول الرئيس «ميجل دياز-كانيل بيرموديز»، حامل لواء الجيل الجديد من القادة في كوبا. وبالأحرى، فقد كان الانتقال الذي طال انتظاره شأناً سلساً ومداراً بعناية، ومفعماً بمظاهر احتفال رسمية هادئة أمام الجمعية الوطنية للبلاد. وقال «خوسيه لويس أرمينتيروس»، طبيب نفسي، بعد ظهر يوم الخميس «في البلاد الأخرى، عندما يتم انتخاب رئيس جديد، فإن هذا يحدث تغييراً بطريقة أو بأخرى. أما هنا، فإن الرئيس الجديد يأتي ولكن لا أحد يعتقد أنه سيكون هناك تغيير». كان «لويس» يقف بجوار صديق له «لوليس مينينديز»، كهربائي، والذي أومأ برأسه بهدوء وقال «الأوهام شيء فظيع في كوبا. فأنت لا تعرف ماذا سيحدث وقد سئمنا من الإصابة بخيبة أمل». وهناك فجوة كبيرة بين التغيير الذي يحدث في القمة والتغيير الذي يحدث في القاع في كوبا. بعد أن تولى «راؤول كاسترو» السلطة رسمياً من أخيه فيدل عام 2008، قام بإصلاحات غير مسبوقة ليفتح الاقتصاد ويرسم مستقبلاً جديداً. وتضمنت هذه الإصلاحات التوسط في التوصل إلى اتفاق لإحلال السلام مع الولايات المتحدة، ما مهد الطريق لفيض من الزائرين الأميركيين الأثرياء الذين أصبحوا الآن، في عهد الرئيس دونالد ترامب، متباطئين بشكل كبير. هنا على الجزيرة، يعبر الكثيرون عن شعور باليأس – وشعور عميق بالإحباط بسبب حالة الترقب الذي تسبقه. ماذا عن تلك الإصلاحات الاقتصادية؟ لقد فشل بعضها في أن يتحقق، في حين أن أكثرها نجاحاً -وهو إصدار تراخيص لبدء أعمال تجارية صغيرة - قد توقف تماماً بينما تبحث الدولة كيفية المضي قدماً. ماذا عن التقارب مع الولايات المتحدة؟ لقد نسفه ترامب تماماً، على الأقل في لهجته. وحتى صمامات الهروب التاريخية في الجزيرة -التأشيرات والهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة -تم إيقافها. وفي أحدث ضربة، خفضت السفارة الأميركية في هافانا بشكل كبير عدد موظفيها وتوقفت عن إصدار تأشيرات للكوبيين بعد إصابة العشرات من أفرادها بما وصفته وزارة الخارجية بأنها هجمات مجهولة المصدر. وقد حدث هذا بعد أن تم تقليص خط الهجرة أمام الكوبيين الذين يحاولون الوصول إلى الولايات المتحدة إبان إدارة أوباما. من دون وجود مكتب قنصلي عامل، كان يتعين على الكوبيين السفر إلى كولومبيا هذا العام للتقدم بطلب للحصول على تأشيراتهم، وهو جهد مكلف نظراً لأن متوسط رواتبهم يصل إلى دولار واحد يومياً. والآن، فقد تم إغلاق هذا الخط أيضاً. وأصبح إصدار التأشيرات للكوبيين الراغبين في زيارة أسرهم في الولايات المتحدة يتم من «جيانا». وقالت طبيبة كوبية رفضت الكشف عن هويتها لأنها تحاول هي وشريكها مغادرة البلاد دون إذن «هناك الآلاف من الآباء الذين لديهم أبناء في الولايات المتحدة والذين لن يتمكنوا من زيارتهم». وأضافت «في عهد أوباما، تم اتخاذ خطوة كبيرة للأمام لأن العلاقات كانت قد أعيد تأسيسها. والآن بسبب نزوة ترامب، أصبحت الأمور أسوأ من أي وقت مضى». ويظهر التأثير المباشر لإدارة ترامب على العديد من الأميركيين الذين لا يستطيعون السفر إما بسبب قرار ترامب بتشديد القيود على السفر إلى كوبا، أو خوفاً من الهجمات الغامضة على موظفي السفارة، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية إلى إصدار تحذير السفر. في الربع الأول من عام 2008، تراجعت الزيارات إلى الجزيرة من قبل الأميركيين غير الكوبيين بما يقرب من 60%، وفقاً لبيانات الحكومة. وبالنسبة للكوبيين الذين كانوا محظوظين بما يكفي لإيجاد عمل في صناعة السياحة المزدهرة، كانت النتائج مدمرة. تقول «نيادا ترينينو جينوري»، وهي معلمة تبلغ من العمر 44 عاماً، والتي انضمت لموجة الفرص التي وفرها القطاع الخاص للعمل كمرشدة سياحية، إنها لم تستضف فوجاً من الأميركيين منذ شهر يونيو. عندما كانت تقود الجولات السياحية، كانت تكسب مائة دولار يومياً، ما يعد مبلغاً ضخماً في كوبا – وأكثر من مرتبها الحكومة كمعلمة بمائة ضعف. وأضافت جينوري «بسبب سياسات الرئيس الأميركي الجديد، أصبحت بلا عمل». وبالنسبة للآن، قررت «جينوري» العودة إلى التدريس، بمرتب أفضل قليلا من قبل، لكنه بعيد كل البعد عما كانت تتقاضاه من عملها في السياحة. إن الشعور بالحصار ليس جديداً في كوبا. فقد مكث الكثيرون في البلاد أثناء أصعب الفترات التي مرت بها إما لأنهم لم يتمكنوا من إيجاد وسيلة للمغادرة أو بسبب ارتباطهم بالمثل التي كان فيدل كاسترو يتغنى بها. ولكن اليوم، يشعر البعض كما لو كانوا في طنجرة ضغط، أو حوض سمك، ينظرون إلى العالم الخارجي من حدود كوبا ولكنهم غير قادرين على المشاركة. وبينما كان رئيس كوبا الجديد يتسلم مقاليد الحكم من الرئيس السابق على منصة الجمعية الوطنية هذا الأسبوع، بدأ السكان في حي «لا سيبا» أشكالا أخرى من الترفيه. فقد احتشدوا في حديقة قديمة، للاستمتاع برفاهية الإنترنت النسبية التي أصبحت متاحة للجماهير في هافانا في السنوات الأخيرة. *مراسل «نيويورك تايمز» في هافانا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©