الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجنسية الفرنسية فائزة !

22 يوليو 2008 23:06
تتحدث ''فائزة مبشور'' الفرنسية بطلاقة، ولها زوج فرنسي أنجبت منه ثلاثة أطفال ولدوا جميعهم في فرنسا، ومع ذلك قضت المحكمة الفرنسية العليا بعدم منحها الجنسية خلال الشهر الحالي، والسبب؟ لأنها ترتدي النقاب وتغطي جسمها كله من رأسها حتى أخمص قدميها! في لقاء تم بينها والمسؤولين أوضحت ''فائزة'' أنها لا ترتدي هذا الزي بدافع أي قناعة دينية خاصة، وإنما تفعل ذلك استجابة لطلب زوجها، فما أن قالت هذا، حتى أمسكت المحكمة بعباراتها وأصدرت قرارها بحرمانها من الحصول على الجنسية، لأنها تخضع خضوعاً مطلقاً لسلطة زوجها، ولأنها غير قادرة على الاندماج في المجتمع الفرنسي، وهو شرط واجب للحصول على الجنسية الفرنسية· وأخذت المحكمة على ''فائزة'' أنها حتى لم تسائل خضوعها هذا، ولم يثر أدنى اهتمام لديها، وجاء في حيثيات القرار، إن مثل هذا السلوك الديني المتطرف، لا ينسجم والقيم الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الفرنسي، ومن بينها التكافؤ بين الجنسين· غير أن القرار يثير الكثير من التساؤلات المزعجة في مجتمع حر يتسم بالتعدد الديني والعرقي، صحيح أن المحكمة لم تبن قرار الحرمان على أساس المعتقد الديني، ذلك أن وثيقة الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان الصادرة في عام ،1789 وكذلك المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، تنصان معاً على توفير الضمانة الكاملة لحرية العقيدة، فقد بنت المحكمة قرارها على ''أفعال'' فائزة، إلا إن هذه ''الأفعال'' لم تكن شيئاً آخر سوى ارتدائها للنقاب وتغطيتها لجسمها كله، وفوق ذلك فليس ثمة قانون فرنسي يحدد ما يجب أن يرتديه الناس، سواء كانوا في بيوتهم أو في الأماكن العامة، هذا إذا ما استثنينا بالطبع تحريم فرنسا لارتداء الحجاب وغيره من الرموز الدينية الأخرى في المدارس الحكومية· وبهذا المعنى فإن النقاب الذي ترتديه فائزة يعد قانونياً، وعليه فإن حرمانها من الحصول على الجنسية اعتماداً على سلوكها الشخصي في نطاق عائلتها، لا ينسجم وما تعرف به فرنسا من تسامح مع أنماط الحياة الشخصية الخاصة بمواطنيها· وبدرجة كبيرة اعتمدت فرنسا المبادئ العامة الواردة في مقال ''ستيوارت ميل'' الشهير الصادر في عام 1859 تحت عنوان ''عن الحرية'' بصفتها غاية مطلقة لحياة الفرد وحمايته ضد تدخل الآخرين فيها، سواء كانت حريته البدنية أم المعنوية· وبحرمان المحكمة لفائزة من الجنسية، تكون قد اقتربت كثيراً بقرارها هذا من اتخاذ موقف ديني أرثوذكسي إزاء الآخر، والمفارقة أن هذا الموقف القضائي يتعارض ومجتمع يقوم في الأساس على استبعاد تأثير الدين على الحياة العامة! وتثير حالة فائزة هذه سؤالين أساسيين، أولهما: ما معنى تكافؤ الجنسين؟ وثانيهما: ما هي المواطَنة؟ فهل يعني تكافؤ الجنسين أكثر من إقرار الأجر المتكافئ للعمل المتكافئ للرجال والنساء معاً، فضلاً عن تكافؤ توزيع الفرص بينهم في كافة مناحي الحياة العامة الممكنة؟ وهل توصلت المحكمة العليا إلى انتهاك فائزة لمبدأ التكافؤ بين الجنسين، بسبب ارتدائها للنقاب بطلب من زوجها؟ والسؤال الأخير: هل كانت المحكمة ستمنحها الجنسية لو أنها أوضحت أن ارتداءها للبرقع كان بمحض إرادتها واختيارها؟ أما عن واجبات وحقوق المواطنَة، فهل هي شيء أشبه بناد رياضي يتعين على أعضائه ارتداء زي موحد مميز لهم جميعاً؟ أم هي أشبه بالعلامات المميزة لفرق العصابات، التي يلتزم أعضاؤها بوشم موحد على أجسادهم جميعاً؟ الحقيقة هي أن المواطَنة والجنسية، إنما هما مفهومان قانونيان يقصد بهما فرز المواطن عن الغريب، وعادة ما تكتسب المواطنة إما بالميلاد أو الأبوة· ومن سوء حظ فائزة أنها لم تكن قد ولدت في فرنسا، وإنما في المغرب، فلو كانت من مواليد فرنسا، كما لاحظ أحدهم محقاً في تعليق له على شبكة الإنترنت، لألزمتها المحكمة بارتداء النقاب، بدلاً من حجب الجنسية عنها بسببه· على أقل تقدير، لو كانت فائزة فرنسية الأصل، لارتدت ما شاءت، أو مشت كاشفة، دون أن يسألها أحد! رونالد بي· سوكول- فرنسا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©