الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا.. «سلطوية» أردوغان و «سرية» جولن

تركيا.. «سلطوية» أردوغان و «سرية» جولن
8 ابريل 2014 23:34
ترودي روبن محللة سياسية أميركية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أعلن الحرب على “الرجل الذي في بنسلفانيا”. هذا الصراع الغريب يجمع بين أردوغان وعالم دين تركي يدعى فتح الله جولن ويعيش في منفى اختياري بمدينة سايلورسبرج، في ولاية بنسلفانيا الأميركية. وإذا كانت المسافة بين اسطنبول وبنسلفانيا تجعل من الصعب فهم هذا الصراع واستيعابه؛ فإنه صراع يؤثر على مستقبل الديمقراطية في بلد يُنظر إليه باعتباره نموذجا للإسلام السياسي المعتدل. والواقع أن “جولن” لا يبدو مصدر تهديد. فعندما يجلس إلى مكتبه في سايلورسبرج، يقوم بنشر خطب وعظات دينية تروج لشكل عصري من الإسلام يشدد فيه على أهمية التعليم، والأسواق الحرة، والديمقراطية، والتسامح الديني. وأتباعه في حركة “حزمت” (الخدمة) يديرون شبكة من القطاعات، والشركات الإعلامية، والكليات، والجمعيات الخيرية، والمدارس في تركيا، إضافة إلى شبكة عالمية تضم ألفي مدرسة، من بينها نحو 120 مدرسة نموذجية أميركية، تركز على العلوم. أنصاره ينظرون إليه باعتباره إصلاحيا ومجددا؛ ومؤسساته تروج لعلاقات دافئة مع الأديان الأخرى. كما أنه يعتبر من أشد المؤيدين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. غير أن منتقديه ينتقدونه وحركته لسريتها وطابع الطائفة الدينية التي يطبعها، ويزعمون أنه يدير شبكة سرية من الأنصار في أجهزة الأمن والإدارات التركية لديها أجندة خفية. (وهذا “الغموض”، يقول ألب عسلاندوجان، رئيس “التحالف الجوليني للقيم المشتركة”، يعزى إلى الثقافة السياسية التركية، التي لطالما وصفت أي شخص لا يتبنى “الكمالية” العلمانية بأنه عدو داخلي). وأيا تكن أسبابها، فإن عدم شفافية شبكة “حزمت” يثير الشكوك. كما أن سريتها تجعلها عرضة لهجمات أردوغان. ولكن المثير للسخرية هو أن أردوغان وجولن كانا حليفين لسنوات في جهد مشترك لإخضاع الجيش التركي، الميال إلى الانقلابات، لسيطرة المدنيين. جهد لعب فيه أنصار جولن في الشرطة، والقضاء، والأجهزة الاستخباراتية، والصحافة دورا نشطاً للغاية. كما أنه لا أردوغان، الذي لدى حزبه مرجعية دينية، ولا أتباع جولن، أبدوا أي قلق بشأن عدم شفافية المحاكمات الصورية التي أقيمت ضد الجنرالات، والمعلمين العلمانيين، والصحفيين؛ حيث استندت تلك المحاكمات، التي عرفت باسم “إيرجينيكون”، إلى أدلة غير قوية، وتسجيلات لمكالمات هاتفية عدلت تعديلاً، وأرسلت أشخاصاً أبرياء إلى السجن. ولكن الرجلين اختلفا مؤخراً حول الديمقراطية والفساد، فقد أثار “جولن” حفيظة أردوغان عندما انتقد قمعَ رئيس الوزراء للمحتجين البيئيين العام الماضي، والذي فجر مظاهرات ضخمة عبر تركيا؛ حيث وصف عالمُ الدين عملية القمع تلك، وعن حق، بأنها منافية للديمقراطية. ثم اختلف الرجلان مؤخراً حول الفساد؛ حيث حمّل أردوغان أنصار “جولن” داخل الشرطة والقضاء مسؤولية توجيه الاتهامات بالكسب غير المشروع وتسريب تسجيلات مُدينة ضد وزراء في الحكومة وضد ابنه، خلال الأسابيع القليلة التي سبقت الانتخابات المحلية. ولكن “جولن” لم يبد أي تراجع عن مواقفه السابقة حيث قال لصحيفة “تودايز زمان” الموالية له: “لو كان من بين الذين قاموا بالتحقيق في (تهمة) الكسب غير المشروع بعض الأشخاص الذين قد تكون لديهم علاقة بحركة “حزمت”، فهل كان يفترض بي أن أقول لهم: “غضوا الطرف”؟ بيد أن المشكلة لا تكمن في المتابعة القضائية بتهمة الفساد، وإنما في التكتيكات والأشرطة المسربة والتغطية المكثفة من قبل وسائل الإعلام الموالية لجولن. وبالطبع، فإن أنصار الأخير ينفون القيام بأي عملية تسريب. أما فيما يتعلق بأردوغان، فإنه أيد مثل هذه التكتيكات في محاكمات “إيرجينيكون”، ولكنه لا يتوانى عن التنديد بها عندما يكون هو ضحيتها. ولكن، لماذا على الأميركيين أن يهتموا بهذا الصراع؟ لأن تركيا مهمة. فهي قوة اقتصادية صاعدة (والفضل هنا يعود إلى أردوغان)، ويمكن أن تصبح أول بلد مسلم ينجح في الجمع بين القيم الإسلامية والسياسة التعددية. ثم إنها تنتمي إلى “الناتو”. غير أن أردوغان يستعمل الصراع مع جولن كذريعة لممارسة سيطرة شبه استبدادية على قطاعات مهمة من حكومته. فقد أفرغ قطاعات واسعة من الشرطة والقضاء، حيث قام بإزالة أو نقل الآلاف من أنصار جولن المفترضين، ويقوم حاليا بتشديد السيطرة على أجهزة الاستخبارات. ومع انتهاء الانتخابات، تعهد أردوغان بأن أتباع جولن “سيدفعون الثمن” بسبب تسريباتهم المفترضة. وكان حزب أردوغان قد فاز بأغلبية الأصوات عبر لعب دور الضحية، وتحميل أتباع جولن مسؤولية القذف والتشهير؛ والأرجح أنه سيواصل هذه اللعبة. وبالفعل، فأردوغان يستعمل جولن الآن كذريعة لسحق وسائل التواصل الاجتماعي. فبعد أن حمّل “حزمت” مسؤولية تسريب جديد حول وزارة الخارجية، عمد رئيس الوزراء إلى حجب يوتيوب وحظر تويتر (المحكمة العليا في البلاد أبطلت قرار الحظر الخميس). كما يسعى لممارسة الرقابة على الإنترنت. وفضلا على ذلك، فإن الزعيم التركي طلب من الرئيس أوباما اتخاذ إجراءات ضد جولن قائلا: “إن الشخص المسؤول عن الاضطرابات في تركيا يعيش... في بنسلفانيا. ولذلك، عليك أن تتخذ الموقف اللازم”. ولكن البيت الأبيض نفى ما قاله أردوغان من أن رد فعل أوباما على طلبه كان “إيجابيا”. إن هذا الصراع لا يتعلق بتحديث الإسلام أو بناء مؤسسات ديمقراطية أفضل، للأسف؛ بل يجمع بين زعيم منتخَب ذي نزعة استبدادية وعالم دين مسلم ذي أفكار جذابة، وأساليب مشبوهة تكتنفها السرية والغموض أيضا. وقد كنتُ أود أن أسأل “الرجل الذي في بنسلفانيا” عن نواياه، ولكنه لم يمنحني حتى الآن واحدا من حواراته النادرة. وبينما يتخذ أردوغان موقفاً هجومياً، يجدر بجولن أن يرفع غطاء السرية عن منظمته، لأن الشفافية قد تكون أفضل وسيلة دفاع في حوزته. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©