الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصير «الجنوب»

26 سبتمبر 2009 00:54
نواصل التعليق على قضية تقرير المصير لجنوب السودان، لأنها الشغل الشاغل الأول للمسؤولين في شمال البلاد وجنوبها، وكذلك هي محل اهتمام المواطنين العاديين في شطري البلاد. إن اتفاقية السلام المعروفة باسم اتفاقية «نيفاشا» قررت أنه على طرفي الاتفاق أن يعملا لجعل الوحدة أمراً جاذباً للجنوبين عندما يحين موعد استفتائهم في مطلع عام 2011م. ومع اقتراب ذلك الموعد، كثُر الجدل بين قادة الشريكين، كل واحد منهما يتهم الآخر بأنه لم ينفذ ذلك النص من الاتفاقية، ولم يعمل على جعل الوحدة جاذبة! وواقع الحال أنه من العسير وضع اللوم على فريق دون الآخر، ذلك لأن الخلافات بين الطرفين لم تترك مجالا لأي منهما كي ينجز على أرض الواقع ما يمكن أن يكون جهداً ملموساً لجذب الجنوبيين لخيار الوحدة. وهنا فإن اللوم يقع أولاً على عاتق «المؤتمر الوطني» لأنه هو المسيطر على إدارة الحكم والقادر على فرض سياسات تحقق ذلك الهدف، ولهذا فقد اتجهت الأنظار أخيراً للحديث حول طرف ثالث كان يمكن أن يكون له دور في تحقيق ذلك الهدف. إنه جامعة الدول العربية؛ التنظيم الذي يضم كل الحكومات العربية. يقول أهل الرأي، ويردد كثير من المعلقين في الإعلام السوداني غير الرسمي، إن الجامعة العربية لم تقم خلال السنوات الأربع التي أعقبت توقيع الاتفاقية بما يمكن أن يكون جهداً وواقعاً لتشجيع الجنوبيين على خيار الوحدة وليس الانفصال. وهنا يتبادر السؤال وهو: هل تدرك جامعة الدول العربية أبعاد انفصال جنوب السودان عن شماله على الأمن القومي العربي؟ وهل تحسبت للمضار التي ستلحق بالعرب إذا انفصل الجنوب عن شماله، وانقطع ذلك الرباط الذي كان ومازال يجمع بين العرب وإفريقيا السوداء؟ يلتقي المعلقون في القول بأن الجامعة العربية لم تصل إلى تلك القناعة بعد، أو لعلها اقتنعت، لكنها عجزت. إن الركن الأساسي في جذب الجنوبيين لخيار الوحدة هو إعادة تعمير بلادهم التي خربتها الحرب الأهلية وخلق وإنشاء بنية تحتية في الجنوب، والارتقاء بأوضاعه إلى الأفضل... وهذه كلها تحتاج إلى أمرين: إرادة القرار السياسي، ثم الاستثمار اللازم لتحقيق تلك الإرادة. والعرب بالتأكيد يملكون المال ويتطلع كثير منهم للاستثمار، لكن غابت الرغبة السياسية وغاب حسن تقدير الموقف بحالة جماعية، وتلك هي مسؤولية الجامعة العربية. لا ينكر أحد أن بعض الحكومات العربية قدمت معونات للجنوب؛ فأنشأ بعضها مستشفى أو مدرسة أو أقامت مسجداً، كما لا ينكر أحد جهوداً دبلوماسية متقطعة تقوم بها حكومات عربية للتقارب مع قيادة «الحركة الشعبية» (التمرد الجنوبي السابق) التي تتولى حكم الجنوب. لكن كل ذلك ليس كافياً لتغليب خيار الوحدة. لو أدركت الجامعة العربية، وكذلك لو أدركت الحكومات العربية، لاسيما القادرة منها، أبعاد ما قد يحصل في السودان، لكانت هناك خطة عربية شاملة تغطي كل الجنوب وتنجز خطوة فوق خطوة ما كان يمكن أن يكون مقنعاً للمواطن الجنوبي بأن العرب في الشمال، وفي كل بلاد العرب، هم الأقرب إليه والأجدر بإخائه، وليس «العرب» كما صُوِّروا لهم عبر عشرات السنين بوصفهم تجار الرقيق والعدو الأول للأفارقة السود. تُرى هل ضاعت تلك الفرصة؟ وهل مات الأمل في تحقيق ما كنا نتمناه؟ لقد بقي على موعد إجراء الاستفتاء في الجنوب نحو عامين فقط، فهل نتوقع أن يتحقق ما يشبه المعجزة؟ وهل قدرنا أن ينفصل جنوب السودان عن شماله وينقطع ذلك الجسر بين العروبة والأفريقية، لينتهي وجود ذلك الإقليم الذي اسمه السودان والذي كان على حاله هذه لما يقارب قرنين من الزمان. محجوب عثمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©