الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتب النصائح تنقلنا من الفشل إلى حياة ملأى.. بالوعود

كتب النصائح تنقلنا من الفشل إلى حياة ملأى.. بالوعود
26 سبتمبر 2009 01:17
راجت في السنوات الأخيرة وفي العالم العربي قادمة من العالم الغربي، كتبٌ تدور حول إعطاء النصائح والنقاط التي تمكننا مثلاً من تحقيق النجاح، أو التعرف على كيفية العيش في منزل لا يشاركنا فيه أحد، لا عائلة ولا أصحاب. وغالبية هذه الكتب تبدأ بصيغة السؤال «كيف...؟» أو» How TO؟» أو بتحديد عدد الخطوات التي ستنقذ حياتنا، وتنقلنا من الفشل الذي بات محتماً إلى حياة ممتلئة بالوعود التي ستتحقق، ومنها «عشر خطوات وتحصلين على عمل». تختلف العناوين التي تدل على أننا سنقرأ كتاباً تحتشد فيه النصائح، بينها تلك المكتوبة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، ومنها تلك المترجمة إلى اللغة العربية أيضاً. حيث تركز معظم الترجمات إلى العربية على الأنظمة الغذائية والصحة والعلاج دون اللجوء إلى طبيب! ومنها عناوين تفيد بأننا إذا ما التزمنا بالنظام الغذائي الخاص بفلان، فسوف نفقد نحو ثمانية كيلو جرامات من وزننا في شهر واحد... وهكذا دواليك. أما الكتب الأجنبية التي اشتهرت كثيراً فمعظمها يتوجّه إلى الذين يشعرون بأنهم لا يعرفون كيف يحققون النجاح في الأعمال، أو الذين يعانون من مشكلة مع الذات قد تصل إلى كرهها، وصولاً إلى النصائح الموجهة إلى الصبايا والأرامل والكبيرات في السن حول كيفية المحافظة على الحب، أو ابتداع طرق للحصول على شريك محتمل... فالطريق إلى السعادة معبّدة بنصائح وخطوات هذه الكتب الرائجة. من هذه الكتب عنوان يدّعي معرفة كل شيء وهو «أجوبة على كل شيء» أو كتاب آخر عنوانه «كتاب الأجوبة»، والكتاب الأخير من الحجم الصغير جداً تفتح صفحاته التي تصعقك بلونها الأبيض الخالية إلا من جملة واحدة من مثل «تأكد من أن تكون لك الكلمة الأخيرة» أو «احصل على ما تريد من خلال الكتابة (وهنا القصد هو توجيه الرسائل)»، وثمة كتاب مماثل بالحجم وبقلة الكلمات فيه المتناثرة على صفحات بيضاء تدعي إعطاء الأجوبة على الأسئلة التي تدور حول الحب وشجونه، وهي تبدأ بإضفاء الغموض على الشخصية لإبقاء الشعلة - شعلة الحب متقدة- وصولاً إلى الإدلاء بنصيحة مفادها ألا يبقي أحد الشركاء أسراراً بينه وبين الآخر. نريد أن نعيش تتردد عبارة أهمية العيش وبفرح ... بكثافة لافتة، كأننا فقدنا في زمننا معنى العيش فما بالنا ومعنى الحياة؟... عناوين تصطف كما لو كانت تفرض نفسها على القارئ من كثرة تنوعها، وكلّها تتوسلنا لاتباع خطوات تجعلنا نعيش... بفرح! نتساءل أمام هذه العناوين، هل هو عصر الحزن كي تتقاطر على رؤوسنا هذه الكمية الهائلة من العناوين التي نحتاجها لنتعلّم كيف نفرح! «لا تتوقف عن الرقص ولا تستسلم أبداً». هكذا يعنون بروس فورسيث كتابه، ومن البديهيات أنه لا يستطيع أن يرقص طوال الوقت... ومن دون شك فقد جلس بعض الوقت أمام شاشة الكومبيوتر أو على المكتب يخربش على الورق الأبيض أو الأصفر أمامه كي ينتج هذا الكتاب. أماني الهندي (طالبة جامعة- سنة ثالثة لغات) تقول: «لا تنفع كل النصائح والخطوات إذا لم يكن لدى الإنسان الأساسيات المطلوبة في كل شأن من الشؤون». ولا تنفي أماني أنها قرأت كتاباً مماثلاً، ولكنّها تعتبر أنه ليس ثمة حاجة لقراءة كل صفحاته كي يدرك الإنسان أن الأساس هو ذاته، وأن المفهوم العام الذي يرتكز عليه الكتاب وسواه من الكتب المماثلة هو الطاقة الإيجابية». وترى إيمان، ومن دون أدنى شك، أن الطاقة الإيجابية تجذب الإيجابيات في حين الطاقة السلبية تحيطنا بالسلبيات، إنما «لا يحتاج الأمر إلى قراءة عدد من هذه الكتب كي يفهم هذا المبدأ». وتعتبر أن هناك مبالغة بعناوين كتب النصائح، بحيث أصبح الإنسان من خلالها مقيداً بخطوات إذا لم يقم بها سيحقق الفشل! وتشبه المدمنين على هذه الكتب بقارئي كتب وبحوث علم النفس الذين يعتقدون لدى قراءتهم لأي حالة نفسية أنهم يعانون من العقدة ذاتها، وبالتالي يحتاجون إلى علاج... وثمة مشترك وعام بين الناس، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا المشترك حالة مرضية! لا للأكاذيب ليس ثمة من يكذب على القارئ، ففي أحد الكتب الموجهة للباحثين عن عمل من دون فائدة، خطوات كي تحقق النجاح في مقابلات العمل، نابعة من معاناة الكاتب نفسه حين وجد نفسه على قارعة الطريق من دون وظيفة وقد تراكمت الديون على رأسه. هذا الكاتب حقق النجاح بعد مراحل من اليأس مرّ بها، ولديه سلّة من النصائح للخروج من ذلك الوضع وإيجاد عمل وتحقيق مدخول، لكنه يكتفي بالنصيحة الأهم كي لا تصبح منافساً له وهي أن تجلس بعد كل هذا الفشل لتكتب كتاباً يزود القارئ بأساليب وخطوات توصله إلى تحقيق ما يصبو إليه... ومن دون شك فقد وجد المؤلف حلاً ناجحاً وهو حتى يومنا هذا يختبر الفشل ويجلس إلى مكتبه ينظّر علينا. يرى المهندس يوسف لاما أن بعض عناوين كتب النصائح والخطوات تلفت إليها النظر وبالوسع الاستفادة منها، خصوصا تلك المتعلقة بعالم الأعمال والتجارة، وإذا ما أراد المرء بوسعه الاستفادة منها، ولا يتحقق ذلك إلا بالسعي إلى تطبيق نصيحتين مثلاً من بين عشر نصائح. ويرى أن لكل شخص موهبة معينة، وثمة ما يظهر عليهم بالسليقة اهتمامهم بعالم الأعمال، أو إمكانية تحقيقهم النجاح فيه منذ الصغر، وذلك من خلال سلوكيات معينة، وثمة من لا يجيدون هذا الأمر مهما اتبعوا من نصائح ومهما قاموا بخطوات، لأنه في النهاية يبقى الأساس هو الشخص نفسه. ويقول لاما: «إذا لم يكن لدى الإنسان 50 أو 60 في المئة من المؤهلات والموهبة الفطرية، فلن ينجح حتى لو طبق كل الخطوات المطلوبة». النصيحة بجمل جمل وليس ناقة، هذا هو ثمن النصيحة التي تصدر من شفاه الحكماء الذين اختبروا قساوة الحياة وكونوا فلسفتهم الخاصة، وبات ما يقولونه ثميناً لأنه تعلّم فنقل تجربته من جيل إلى آخر، موفراً على الأجيال النصيحة التي تقيها الوقوع في الأخطاء عينها. كانت النصيحة في ما مضى ثمينة، ولكنها اليوم باتت تأتي معلّبة في كتب وكتيّبات، بعد أن باتت المجتمعات مفكّكة، لا تواصل فيها بين الكبير والصغير، كل واحد منشغل عن الآخر، وحتى عن أفراد أسرته، في سبيل تحقيق الطموح في العمل وزيادة المدخول الذي يشرّع لنا زيادة الاستهلاك... اليوم باتت النصائح ترمى علينا كما المطر بثمن ندفعه مقابل حصولنا على نوع منها في كتاب... فثمة نصائح للمرأة تكرّر على مسامعها، منها أن تحب نفسها وتنظر في المرآة وتمنح نفسها وقتاً خاصاً بها، في عالم مجنون كما يوصف لا يترك مجالاً للإنسان كي يلتقط أنفاسه ويتأمل في حياته ويفكر... فما بالنا في أن يخصص وقتاً لقراءة ثلة من النصائح قد لا يطبق قارئها شيئا منها سوى التي تنصح بالجلوس واختيار كتاب وقراءته في سكون. وترى إيمان في الكتب التي تركز على الجوانب العاطفية والزواج، إثارة لمواضيع قد لا تكون بالفعل مشكلة عند المتلقي- القارئ، فقد تكون الفتاة غير متزوجة فتثير هذه العناوين مشكلة قد لا تكون في الأساس موجودة، كأن العنوان يوحي لها بأن ثمة خطأ في كونها لم تتزوج بعد أو لم تجد شريكاً لحياتها». ويجد المهندس يوسف لاما، أن النساء في الغالب يلجأن إلى كتب النصائح والخطوات، خصوصاً العناوين المتعلقة بالشؤون العاطفية والزواج، معتبراً، من دون إنكار أهمية كتب النصائح والخطوات الرائجة، أن البعض استبدل الأبراج بهذه الكتب، وهم يقتنعون بكل ما يقرأونه». من يطرق الباب... يجد الجواب تلقى كتب النصائح رواجاً في عصر يبدو فيه الزمن مقصّراً بحقّنا، فلا وقت للجلوس والتأمل ولا وقت لتناول الطعام بشكل متوازن ولا وقت للطهي، ولا وقت لبناء العلاقات الإنسانية التي كانت تغنينا في السابق عن نصائح وخطوات الكتب. وإن كان «خير جليس في الأنام كتاب» كما يقول المتنبي»، فإن استبدال الخبرة والتجربة والعمل على الذات ومحاسبتها بكتاب يطلب من المرأة مثلاً أن تنظر إلى المرآة خمس دقائق في النهار كي تحقق ذاتها! أو من الشاب أن يتبع خطوات معيّنة ليعرف كيف يتحدث إلى محبوبته وخطيبته... وأن يعلّم المرأة كيف تحبّ طفلها وكيف تحافظ على عائلتها وكيف وكيف... ؟ فإن هذا يوحي بأن ثمة ما فقدناه في عصرنا فهل بوسع نصائح متناثرة من سدّ هذا الفراغ ونزع القلق من القلوب وتعبيد طريق النجاح بسبع أو عشر أو عشرين خطوة؟ لكن ثمة من يحتاج إلى كلمة تحفّزه، إلى عبارة تشيع في نفسه الأمل... إلى حلم يشيع في نفسه الشعور بأن الأوضاع ستتحسّن. وبعد أن كان يلجأ الإنسان سابقاً إلى كلمة عزاء أو عبارة دعم من المحيطين به، أو يلجأ إلى التخيّلات النابعة من الشعوذة ومن قراءة الحظ في فنجان القهوة أو كف اليد، جاءه معين جديد معاصر يتلخص بعدد من الكتب التي تتناثر حروفها بخفة تطرح أرقاماً لتؤكد متى يتحقق لنا ما نصبو إليه، ومن دون شك فإن ثمة عددا من الخطوات التي تساعد الإنسان على النجاح إذا ما اتبعها... لكنها لن تغيّر من طبيعته وشخصيته إن كان قد تطبع وقد تكونت شخصيته وتبلورت... لكن رواجا كبيرا للكتب التي تعطي النصائح ومنها «كيف تكون رجل أعمال ناجحا؟» وكتب السلوكيات وكتب الحب والغرام والزواج والأمومة والنجاح في العمل، تدل على مدى حاجة الإنسان إلى من يرشده إلى الطريق الصحيح في عالم باتت نبضاته متسارعة وفوق الحد الطبيعي لعدد نبضات القلب... وفي هذا المجال يقول المهندس يوسف لاما: «إننا نعيش في عصر المنافسة وكأننا دوماً في سباق محموم للوصول إلى تحقيق نجاح وثروة، ولم يعد الإنسان يكتفي ويقتنع بما لديه للعيش إنما بات يريد أن يحقق ما حققه سواه من باب التقليد مثل السكن في أفخم المناطق واقتناء أفخم السيارات وما إلى هنالك...».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©