الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شاخت بعد والدتها

27 مايو 2010 21:02
عندما تموت الأم يشعر المرء أن سنه قفز سنوات إلى الأمام، يشيخ صباه ويترهل عمر حياته، فهي الحافز في الحياة، من أجلها نصون الذكرى، ولأجلها نقاتل الزمان، انهزامات وانتصارات، أفراح وأحزان، نعترك الحياة لنكون هنا، وكلماتها توقظ كل حين دواخلنا، تحركنا نحو الأفضل، « كن صبورا»، «تسامى فوق كل صغيرة»،» كن متميزا»، كلمات تنحتها كل أم في أعماق طفلها، فلا أحد يرضى أن تكون أحسن منه إلا والدته ووالده، هم فقط من ينفقون من عمر أيامهم وتفاصيلها لتكون الأحسن، ولا يسبب ذلك حرجا لأي أم أو أب يقول ذلك، على صدى كلماتها تظل تقاتل وتقاتل لتظفر برضاها، مهما كانت المسافات بعيدة جدا، مهما قل النظر في وجهها والتطلع لتقاسيم الزمان التي حفرت على وجنتيها، تظل هنا إلى جانبك تدفعك للمسير وتخطي كل الصعاب، لتقول لها إنك هنا، أنك حققت ما كانت تصبو إليه، تقف فوق الآلام وجرح الجسد لتخبرها أنك الأحسن، لا تغادر كلماتها مسمعك، تلهب مشاعرك وتوقظ غفلتك، ولاشيء يستحق العناء بعد أن يسير عمرها وتلتحفها التراب، لاشيء يستحق القتال، فالعمر يشيخ قبل الأوان، هكذا قالت يومها حين اتصلت ذات صباح تبكي أمها التي فرقتها عنها الأيام، كانت تمشي على الأشواك بتشجيع صوتها، كانت تتخطى الصعاب على ترنيمات كلماتها، اكتفت بصوتها من خلف الأسلاك، ساقتها الأيام بعيداً وجرفها الزمان مسافات طوال مضحية بأغلى الناس، لا يحتسب عمرها وهي من ترى والدتها مرة في السنة، لا يحتسب العمر ولياليه إلا بقربها، هي الأيام تتسرب من بين أيادينا ونشيخ فجأة حين نستفيق يوما على عويل فقدانها، ذلك اليوم ناحت وقالت: «ماتت أمي»، تمزق قلبي أشلاء، ولم أجد كلمات تكفي لإيقاف بكائها، تبكي أمها والليالي التي فرقتها عنها، ويمر شريط حياتها أمام عينين غلفهما الدمع وحجب عنهما الرؤية، تبعثر صوابها، رافقتها حين كانت ترعاها وهي صغيرة، حين علمتها أبجديات الحياة الأولى، حين كانت تسهر الليالي تشعل وجدانها وتنير ظلمات حياتها، وتدفعها لتخطي عاديات الزمان، رافقتها فقط حين كان يصعب عليها المسير وحيدة، وحين استقام عودها واشتد ساعدها غادرت، وغادر غيرها قبلها وبعدها، لتبقى الأم تنتظر قدومهم في كل سنة مرة، وهاهي اليوم سكنت التراب وسكن صوتها، وبدت الحياة رتيبة تسير إلى نهايتها متثاقلة. فمن تنعم أمه بالحياة يتأكد أنه سينجح، فلينهل من فيض خيرها، يكون بارا ويسعد بقربها، ولن يترك مجالا لمشاغل الحياة بالتفريق بينهما، فلا أحد في الدنيا يحب أكثر من حب الأم، ولا أحد يستحمل حماقاتنا وجنوننا وطيشنا غيرها، ولا ندرك ذلك إلا بعد حين. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©