الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام.. والتدخين

الإسلام.. والتدخين
27 مايو 2010 21:15
توافق يوم الاثنين المقبل ذكرى اليوم العالمي للامتناع عن التدخين، هذه الذكرى التي تأتي في الحادي والثلاثين من شهر مايو من كل عام، ونحن في كل مناسبة نبين وجهة نظر الإسلام كي يكون المؤمن على بينة من أمره. لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان، ورفع قدره، فقد خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، فكل ما في الكون مسخر لخدمته،يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (سورة الإسراء الآية 70)، من هنا فإن رسالات السماء عملت على صيانة الضرورات الخمس للحياة البشرية: وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهذه الضرورات الخمس لم تبح في ملة قط كما ذكر الإمام الغزالي في كتابه المستصفى، فالإسلام يريد إنساناً قوياً سليماً في عقله وجسمه ودينه، لذلك فإن الإسلام حرم كل ما يفسد العقل ويذهب به ويقضي على مروءة الإنسان وكرامته، حرم المسكرات، حرم الخمر، حرم الزنى، حرم السرقة، حرم قتل النفس بغير الحق؛ لأنه يريد مجتمعاً آمناً معافى سليماً من كل شيء. لقد جاءت تعاليم الإسلام جميعها لمصلحة الإنسان ومن أجل خيره وسعادته في دنياه وأخراه، ومن هنا فإن كل ما من شأنه أن يجلب على الإنسان ضرراً مادياً أو معنوياً يُحرِّمه الدين ويعاقب عليه. وفي بيان القرآن الكريم لهذه الأمور وسواها من المحرمات سماها حدوداً لله، وحذر من العدوان عليها قال الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (سورة البقرة الآية 229). وعلى ضوء هذا التوجيه القرآني، نستطيع أن نفهم من قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار في الإسلام” أن لا يقدم الإنسان على أمر يسبب ضرراً لنفسه أو لسواه فأحل الله الطيب النافع وحرم الخبيث الضار، وحذر من الوقوع فيه وجاء قول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (سورة الأعراف الآية 32-33). وفي بيان وظائف النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول الله في السورة نفسها {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (سورة الأعراف الآية 157). ومن المعلوم للجميع أن الدخان بجميع أنواعه القديمة والحديثة يضر بالإنسان ضرراً بالغاً لا يقتصر على الفرد المتعاطي له وحده، بل يتعداه إلى الضرر بالمجتمع ذاته، وتعاليم الدين الإسلامي تعد سياجاً منيعاً وحصناً حصيناً لحماية الأفراد والجماعات من كل الأخطار المحدقة بهم، وفي مقدمتها في عصرنا الحاضر خطر التدخين الذي يتفنن الأشرار الآن في وسائل إنتاجه وبيعه وتوزيعه، ولذلك نجد الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- عندما يقول: “لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه” (أخرجه البزار والطبراني)، فإنه يذكر الإنسان بمسئولياته في المحافظة على صحته وأوقاته وماله وعمله، والدخان بجميع أنواعه يضر الإنسان في صحته وماله وأوقاته وتهدر طاقته، وينعكس ذلك بطبيعة الحال على كل من يحيطون به سواء في الأسرة أو في العمل أو المجتمع بصفة عامة. وهؤلاء الذين يتناولون الأشياء الضارة الخبيثة من التدخين إلى المخدرات التي تضر بالأجسام وبالعقول، وتقضى على القدرات النافعة في الإنسان، وتحيله إلى عبد لهذه الشهوات المدمرة، فيصير عنصر هدم وقلق في المجتمع، بما يجلبه من الويلات على نفسه وعلى أسرته وعلى المجتمع من الأخطار ما يصيبه في الصميم، فالتدخين ضار بالصحة العامة، ويعرض من يتناوله للإصابة بأمراض تحيل حياته إلى بؤس وشقاء، وتعطل قواه العاملة فيصير عالة على المجتمع. إن نسبة إنفاق الأسر على شراء الدخان مرتفعة جداً، خصوصاً في البلاد النامية والفقيرة، حيث إن نسبة كبيرة من دخلها القومي تضيع سدى ومن دون فائدة، بل إن الأموال التي تنفق على الدخان يمكن أن تحول دون حدوث حالات سوء التغذية، أو المجاعة في تلك الدول، ومن الممكن أيضاً إقامة بعض المصانع البسيطة التي تساهم في حل مشكلة البطالة المنتشرة في تلك الدول. ومن المؤسف أن التدخين أصبح ظاهرة عامة في المجتمع، وربما يكون الضرر الذي تحدثه هذه الظاهرة غير واضح، لأن المرض الناتج عن التدخين يستغرق وقتاً طويلاً حتى يصبح مرضاً مؤذياً، ناهيك عن ملايين حالات الوفاة المنتشرة في العالم بسبب التدخين، فلماذا يحدث كل ذلك؟! ولماذا تضيع هذه الأموال؟! ناهيك عن الأمراض التي تصيب المدخنين. إن الإسلام حارب التدخين، ودعا المسلم إلى المحافظة على جسده وعقله، ولقد أحسن الفقهاء الفضلاء وهم يتحدثون عن حرمة التدخين لما قالوا إن التدخين حرام، لحكم أربع: الأولى: كونه من الخبائث، والله يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (سورة الأعراف الآية 157). والثانية: كونه تبذيراً، والله يقول: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (سورة الإسراء الآية 27). والثالثة: كونه يضعف الصحة، والإسلام يعلنها صريحة مدوية “لا ضرر ولا ضرار”، ?{?وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (سورة البقرة الآية 195)، فسرطان الرئة من أسبابه التدخين، وأمراض كثيرة يكون التدخين سبباً في تزايدها واستمراريتها، وكم من مدخن أقلع عن التدخين اعترف بأن شهيته قد فتحت وأن صحته قد تحسنت والحمد لله. والرابعة: لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم: “إن الملائكة لتتأذى مما يتأذى منه الناس” (أخرجه الطبراني)، وقوله-عليه الصلاة والسلام- في حديث آخر: “من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا” (أخرجه الشيخان) فما بالك برائحة فم المدخن. لقد تأخر الإعلان عن مضار التدخين على الرغم من الوثوق بأضراره البالغة، فإن نفوذ المال القادر على طمس كل حقيقة لم يلبث أن انساب إلى و سائل الإعلام فوقفت كلها مع شركات التبغ لتحارب تقارير المختصين سواء بالتشكيك في صحتها أو بالدعاية المضللة للسجائر، لكننا أصبحنا نقرأ اليوم على علب السجائر عبارة أن التدخين ضار بالصحة وقد يؤدي إلى الوفاة، وهذه إشارة إلى مخاطر التدخين، حيث يتسبب في أمراض الجهاز التنفسي، كما يؤدي التدخين إلى تراكم الدهون على الجدران الداخلية للشرايين فيؤدي ذلك إلى ضيقها وتخثر الدم في أماكن التراكم هذه، فتتكون الجلطة الدموية، ومن ثم تزيد احتمالات الوفاة بين المدخنين ضعفين بالمقارنة إلى غير المدخنين، كما يؤدي التدخين إلى إصابة اللسان وقاع الفم بالتقرحات مع تضخمات وابيضاض في الغشاء المخاطي كمقدمة لحدوث السرطان، كما يؤدي التدخين إلى التهاب اللثة واللسان، كما تزيد معدلات الوفيات في الفئات العمرية المختلفة بين المدخنين مقارنة بنظائرهم من غير المدخنين عدة أضعاف، وربما كان ذلك جراء حدوث السرطان في أماكن مختلفة في الجسم لا سيما في الرئتين وبعض أجزاء الجهاز الهضمي، إضافة إلى المثانة البولية. وإذا كان الأمر كذلك من اتفاق الدين والعلم في مشكلة مجتمعية كهذه على درجة كبيرة من الخطورة فما الحل والمدخنون مستمرون في ذلك، بل إن هناك من الأطباء والتربويين من يدمنون على التدخين وبشكل مؤسف، الحل في تقديري يكمن في محاصرة المدخنين بشتى الوسائل، فلا بد من تطبيق القوانين الخاصة بالتدخين في الأماكن المغلقة أو في وسائل المواصلات أو في أثناء العمل، خاصة في المدارس والجامعات، هذا فضلاً عن التوعية الجماعية في كل دوائر المجتمع عن طريق المحاضرات والندوات في المدارس والجامعات والنقابات والهيئات والمصانع والشركات، كما أن لدور العبادة ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية دور هام في التوعية بمضار التدخين على كل المستويات والحث على الإقلاع عن هذه العادة الرذيلة ليسلم الفرد والمجتمع من آثارها السيئة ومخاطرها العديدة. فعلينا جميعاً أن نتعاون في الإقلاع عن هذا المرض الفتاك، وأن نعي أن الإسلام العظيم قد سبق الأنظمة الوضعية في المحافظة على حياة الفرد وعلى سلامة المجتمع، وعلينا أن نعي أن صحة الأبدان من صحة الأديان، وأن المؤمن القوي في عقيدته ودينه وأخلاقه وصحته وعافيته أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©