الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رأس الحكمة مخافة الله

رأس الحكمة مخافة الله
27 مايو 2010 21:17
حقاً إن رأس الحكمة وسنامها مخافة الله سبحانه وتعالى، وما ذلك إلا لأن الخوف من الله سبحانه يورث الإنسان استقامة في النية، والقول والعمل، أما استقامة النية فلأن الإنسان يستحضر في نفسه قول الله تعالى في حديثه القدسى “أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه غيرى تركته وما أشرك”، ومن ثم يكون الخوف من الله تعالى سبباً في استقامة النيات وأعمال القلوب. وأما استقامة القول فلأن الإنسان بخوفه من الله تعالى يستحضر قوله سبحانه: |مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”. (ق 18). وقوله سبحانه: “وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى”. (طه 7). وفى هذه الحالة يرى الإنسان أن من الحكمة أن يقول خيراً أو ليصمت. أما استقامة العمل، فإن خوف الإنسان من ربه يجعل نصب عينيه قول الحق سبحانه: “الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”. (يس 65). ومن ثم تكون النتيجة أن الإنسان بحكمته يدفعه الخوف من الله تعالى إلى أن لا يجده، حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره، وبهذا يكون من الحقائق واليقينيات أن رأس الحكمة مخافة الله تعالى. وتبقى المفارقة أن الخوف من الله لا يكون بحال كالخوف من الإنسان، فإذا ما خاف الإنسان من غيره من بني جنسه من البشر، فإنه من منطلق داعي هذا الخوف يحرص على الفرار منه لأنه يخشى بطشهم وظلمهم إن ظفروا به، ولكن هذا لا يكون في حق الله تعالى؛ لأن الإنسان إذا خاف من الله سبحانه، فإنه يرى أن من الحكمة أن يدفعه هذا الخوف إلى الفرار إلى الله تعالى، ولا غرابة في ذلك فهو يفر إلى الحليم الرؤوف الرحيم الكريم الذي يقول عن نفسه “من أقبل على منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عنى ناديته من قريب، أهل ذكرى أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم رحمتي إن تابوا إلى فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعائب، رحمتي سبقت غضبي، وعفوي سبق عقوبتي وأنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها”. من أجل ذلك، قيل “إن خفت من المخلوق فررت منه، وإن خفت من الله فررت إليه”. والخوف من الله تعالى يرتبط في حقيقته بخلق الإحسان، والذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر بن الخطاب “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، ويريد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التفسير أن الإنسان في شتى معاملاته ينبغي أن يستحضر قرب الله منه، وأنه بين يديه كأنه يراه، فإن ذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم لجلال الله تعالى، ولعل مما يدل على ذلك الرواية الأخرى للحديث والتي رواها أبو هريرة رضي الله عنه في تفسير الإحسان “أن تخشى الله كأنك تراه”، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه بهذه الوصية، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال “أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أخشى الله كأنني أراه فإن لم أكن أراه فإنه يراني”، وفي حديث حارثه المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “كيف أصبحت يا حارثه؟ قال أصبحت مؤمناً حقاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم “انظر ما تقول، فإن لكل قول حقيقة”، قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة كيف يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار كيف يتعاوون فيها. قال: “أبصرت فالزم، عبد نور الله الإيمان في قلبه”. ومن ثم يقول أحد العارفين “خف الله على قدر قدرته عليك، واستحى منه على قدر قربه منك، فمن شق عليه أن يعبد الله كأنه يراه فليعبد الله على أن الله يراه ويطلع عليه فليستحيي من نظر الله إليه، وكما قيل “اتق أن يكون الله أهون الناظرين إليك”. د. محمد عبدالرحيم البيومي أستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©