محمد أحمد (القاهرة)
سيدة عظيمة مؤمنة صالحة، نموذج فريد جعلها الله مثلاً للذين آمنوا، فقد تبرأت من أفعال زوجها فرعون الذي ادعى الألوهية وتكبر وعلا في الأرض وأظهر فيها الفساد.
هي آسية بنت مزاحم، زوجة فرعون مصر، لم تكن راضية عن أفعال زوجها من فساد في الأرض وقتله لأبناء بني إسرائيل، ولم تغتر بكونها ملكة وزوجة فرعون، ولم يصرفها ذلك عن الإيمان بالله تعالى وحده وتبرأت من فرعون وأعماله وآمنت برسالة موسى.
أوحى الله إلى أم موسى بأن تضع وليدها في صندوق محكم وتضعه في الماء لتحميه من فرعون وزبانيته فالتقطه آل فرعون، وهموا بذبحه: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، «سورة القصص: الآية 9»، فقذف الله حبه في قلبها، فأمرت بتربيته كما يربى أبناء الملوك، في بلاط فرعون، فلم يكن لديهما ذرية، وأبقى الطاغية على موسى امتثالاً لأمر الله، وانقيادا لحكمه وهم لا يشعرون بما يخفيه لهم قدر الله، فقد أتاهم من حيث لم يحتسبوا.
جاءت آسية إلى فرعون المتكبر عندما قتل ماشطة ابنتها، التي قالت له متحدية: ربي وربك الله، فقذفها في النار هي وأولادها، فلم ترض آسية، وقالت لفرعون: «الويل لك ما أجرأك على الله»، فقال لها لعلك اعتراك الجنون الذي اعترى الماشطة؟ فقالت ما بي من جنون، ولكني آمنت بالله تعالى رب العالمين.
وتروي الكتب أن فرعون عندما رأى تمسكها بدينها وإيمانها فخرج على الملأ، وقال: «ما تعلمون من آسية بنت مزاحم؟، فأثنى عليها القوم، فقال: إنها تعبد رباً غيري، فقالوا أقتلها، وأوتدوا لها أوتاداً وشدوا يديها ورجليها ووضعوها تحت أشعة الشمس المحرقة وعلى ظهرها صخرة كبيرة، وقال فرعون لزبانيته انظروا أعظم صخرة فألقوها، فإن رجعت عن قولها فهي امرأتي، وفي أثناء ذلك قالت آسية (... رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، «سورة التحريم: الآية 11»، وكشف الله عن بصيرتها فأطلعها على مكانها في الجنة، ففرحت وضحكت وكان فرعون حاضراً هذا المشهد، فقال: ألا تعجبون من جنونها؟ إنا نعذبها وهي تضحك فقبض الله روحها إلى الجنة.
?قال العلماء: لقد اختارت آسية الجار قبل الدار، واستحقت أن يضعها النبي صلى الله عليه وسلم مع النساء اللاتي كَمُلن، فقال: «كَمُلَ من الرجال كثير ولم يكَمُلَ من النساء إلا أربع آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وفاطمة بنت محمد، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
ذكرت آسية في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، فإيمانها في الظروف التي كانت تعيش فيها، في نفس البيت مع عدو الله، جعلها تستحق مكانة عالية فكرمها القرآن وخلد ذكرها، وضرب عز وجل بإيمانها المثل، وكان موقفها مثلاً للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا.
عدد اليوم
