الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكروشيه فن حفظه التاريخ وتحييه فتياتنا

الكروشيه فن حفظه التاريخ وتحييه فتياتنا
27 سبتمبر 2009 00:14
خيوط متناغمة متباينة في نسيجها، تحيكها أداة بسيطة بمهارة عالية، حيث تعقد الخيوط بطريقة فنية مبتكرة لتحولها إلى أعمال فنية راقية، منها المفارش، والملابس وإكسسوارات المنزل التي لا حصر لها. كل ذلك نتاج الفن المتمثل بالكروشيه، وهو كان من ضمن برنامج دبلوم الام الصغيرة الذي ينظمه «مركز حور»، بدافع حرصه على تقديم خدمة نوعية لتأهيل الفتيات، وتنميتهن اجتماعياً وسلوكياً ومهنياً، ليصبحن على قدر من الوعي بمسؤولياتهن في بناء جيل واع، وذلك عبر إكسابهن بعض المهارات التي تتيح للفتاة أن تصبح منتجة، قادرة على العطاء، وعلى المساهمة في تنمية مجتمعها. عن التجربة الغنية تقول صفية علي: بالرغم من أنَّ الكروشيه يعد فنَّاً جديداً علينا، إلا أنَّه فن يتمتع بذوق عالٍ، ومجالات استخدامه واسعة وعديدة، وقد حقق لي تواجدي في هذا البرنامج الكثير، لاسيما الحرفة التي سعدت بامتهانها، كونها منحتني القدرة على خلق منتج متميز وجميل، قد يقتحم الأسواق في المستقبل، وأنا على ثقة أننا أصبحنا نلمس توجُّهاً ملحوظا بين الأفراد في المجتمع بدخول بوابة «البزنس»، والعمل الحر. طاقات مهدرة بدورها تقول خولة محمد: «يبقى هاجس البحث عن العمل من الأمور التي تؤرق الخريج، وتنهك العاطل في البحث عن فرصة عمل تعينه على متطلبات الحياة ومسؤولياتها، بدلاً من الجلوس مكتوف اليدين في انتظار الوظيفة التي قد تضيع سنوات عديدة من عمر المرء، يمضيها في اللهو والسهر الفارغ قبل الحصول عليها. مثل هذا المرء لم يُوجَّه، من وجهة نظري، بطريقة صحيحة كي يستثمر ما يملكه من طاقة وجهود مهدورة، لا بد لها أن تصب في قالب مهني حرفي، وهو الأمر الذي لم يلق، مع الأسف الشديد، أي اهتمام أو تشجيع في نظامنا التعليمي، ولا في منظومتنا الاجتماعية. ولم يكن ذلك فقط على مستوى الذكور فقط، وإنَّما طال الإناث اللواتي لم تعد لديهن أي ميول نحو الخياطة أو الفنون المبتكرة». تضيف خولة: «كان لا بدَّ لذلك كله أن ينتج أجيالاً تفتقد لمهارات هامة ضاعت بين الحصص الدراسية التي لم تُفعَّل بطريقة صحيحة، بفعل غياب المنهاج الواضح والدقيق المتعلق بالتربية الفنية والخياطة وغيرها من الأعمال اليدوية، حتى توفرت هذه الفرصة التي كنت أتمنى شخصياً أن أدركها في وقت أبكر، أي في فترة سابقة من عمري، حينها كان أمكنني أن أرسم طريقاً آخر في حياتي المهنية. ولكني أقول دائماً إنَّ الوقت لم يفت، وأنَّ بمقدورنا أن نتعلم الكثير». مهنة الصبر من جانبها تعبِّر مريم، وهي إحدى المشاركات في الدورة، عن سعادتها بإنجاز المنتج الذي بين يديها، لتظهر ملامحه جلية بالكروشه، وتقول: «لقد تعلمت الكثير من هذه الحرفة التي أمدتني بالصبر والتريث والدقة في العمل، مما آل إلى نتيجة مبهرة، وبالرغم من بعض الصعوبة التي تطالعنا للوهلة الأولى، إلا أن الرغبة في اكتساب هذه الحرفة كانت أقوى، فمن الجميل أن تعقد الخيوط بطريقة فنية مبتكرة، لتصنع من خلالها منتجاً في منتهى الابداع والروعة، يصنع منك إنساناً منتجاً». قهر الصعوبات في السياق نفسه تشير ريم إلى أنَّ حرفة الكروشيه تحمل بصمات كفاح السيدات اللاتي استطعن أن يتغلبن على شظف العيش ووعورته، من خلال عملهم المتواصل في عقد الخيوط وتسويق أعمالهن، فكانت هذه الحرفة بمثابة مهنة في وقت لم يكن قاموس العمل يعترف بمكانة مهنية للمرأة. وتضيف: «كانت فرصة أتيحت لي كي أتعرف على خفايا هذه الحرفة التي تمتد إلى عقود مضت، وسُجلت من خلالها أعمال متنوعة ورائعة». من جانب آخر تقول إحدى المشاركات في مسرح العمل الحرفي: «من الجميل أن يحمل المرء شيئاً من إنتاج يديه، ليتباهى به أمام الآخرين، إذ أنَّه يحمل مهارة وحرفة بوسعه أن يحقق من خلالها الكثير، كما يمكنه أن يطرق باب العمل الحر بثقة أكثر ليسد باب العوز، ويصبح أكثر قدرة على صياغة مفردات حرفته بطريقة مبتكرة. جذور تاريخية على خط مواز، تكشف الخبيرة في فنِّ الكروشيه، يسرى بهاء الدين أنَّ تاريخ هذا الفن يرجع إلى القرن التاسع عشر، حيث ظهر أول باترون للكروشيه في المجلة الالمانية Penelope عام 1824، ومن هنا يستنبط المؤرخون وجوداً لهذا الفن في الحضارات القديمة، وإن كان لم ينج أيُّ نتاج منه يعود إلى ما قبل العام عام 1800. وتضيف يسرى أنَّ المنشأ الرئيسي لفن الكروشيه يعود إلى فرنسا حيث اشتقت كلمة كروشيّ من مصطلح فرنسي يعني الصنارة أو الخطاف، إشارة إلى إبرة الكروشيه، ومن فرنسا انتشر هذا الفن البديع في جميع دول العالم، خاصة أوروبا، وشهد ازدهاراً في ايرلندا. وتوضح بهاء الدين أنَّ الكرورشيه استخدم بداية في الدول الاوروبية كحرفة لكسب الرزق، خاصة في الحرب العالمية الأولى، وقد ظهر أيضاً كبديل للدانتيل الباهظ الثمن، وكانت الطبقة الراقية تنظر إلى قطعة الدانتيل المنسوجة من الكروشيه باعتبارها نسخة مقلدة زهيدة الثمن، لكنَّ الملكة فكتوريا عدلت من حدة هذا الانطباع بشرائها العلني للدانتيل المصنوع من الكروشيه، مما أدى إلى انتشاره بين أبناء الطبقة الراقية تعلماً وشراء، ولم تقتصر هذه الحرفة على الملابس فقط، بل هي اقتحمت عالم الديكور في جميع مجالاته. حيث راج العديد من تصميمات الكروشيه الخيالية الجديدة الخاصة بمناديل المنضدة، وماسكات القدور الساخنة، والمفروشات المنزلية الأخرى. وفي وقت لاحق ظهرت باترونات جديدة دعت لاستخدام خيط القطن والكتان لعمل الدانتيل، والغزل الصوفي لتصنيع الملابس، وقد حصل ذلك في كثير من الأحيان بتوليفات من الألوان الزاهية. انبعاث متجدد تضيف يسرى أنه بالرغم من أن فن الكروشيه قد أفل نجم شعبيته، إلا أن أوائل القرن الحادي والعشرين شهدت انتعاشاً في الاهتمام بالحرف اليدوية، حيث بدأت السيدات في امتهان هذه الحرف، وإنجاز منتجات متنوعة ومبتكرة،استطعن تسويقها، وتحقيق مكاسب بسيطة تعينهن على متطلبات الحياة ومشقتها، فضلاً عن إنجاز خطوات كبيرة في مجال تحسين جودة وأصناف الغزل، وتجديد سوق الحرف اليدوية الذي يشهد نمواً في مجالاته المتنوعة، حتى أصبح البحث عن المنتج المشغول باليد مقصد الكثير من الفتيات الباحثات عن الجديد والمبتكر والمميز. وتختم محدثتنا بالقول: «استطعنا من خلال جزء من برنامج دبلوم الأم الصغيرة أن نعيد غرس مفاهيم أساسية تدعو الفتاة إلى الانتاج، ومحاولة خلق كوادر مهنية قادرة على دخول بوابة العمل بكل ثقة وقوة. والامر يتطلب عملية التحفيز ومحاولة جذب الفتيات إلى هذه المراكز التي تساهم في تأهيلهن وفق وضوابط علمية مدروسة».
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©