السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحكمة.. قوّة زايد النّاعمة

الحكمة.. قوّة زايد النّاعمة
25 ابريل 2018 02:48
إذا ما تتبعنا الإنجازات الحضارية التي حققها القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بعد أن تولّى مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في 6 أغسطس 1966، أو كرئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971، سنجد أنها كانت نتيجة لزعامة تاريخية، شكّلت نقطة تحوّل لمنطقة الخليج بأسرها، فقد شرع هذا القائد الاستثنائي على الفور في تشييد نهضة حضارية، شملت كافة مناحي الحياة، مع التركيز بصفة خاصة على تأثيرات (القوة النّاعمة) في المحافظة على الشخصية القومية والهوية. لقد آمن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأن (الاتحاد) قوة، وفي ظلاله الوارفة يمكن للخير أن يعمّ الجميع، كذلك آمن بأن القدوة العلمية والفكرية خير نهج يمكن أن يتّبعه أبناء الوطن، ولما كنّا نعيش تحت مظلة مناسبة عظيمة هي (عام زايد)، وما ينضوي تحتها من تظاهرات ثقافية وفكرية، من أهمها إطلاق النسخة الـ 28 لمعرض أبوظبي الدّولي للكتاب، حيث كانت هناك صلة وثيقة لفقيد الوطن الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، سواء على مستوى الفكرة والتأسيس، أو على مستوى الدعم الشخصي والاهتمام، بنشر العلم والثقافة والكتاب وصناعة النشر، ما ينضوي تحت ما يمكن تسميته بـ (مشروع الأمن الثقافي) الذي رأى فيه المؤسس هدفاً لبناء أمة واعية لما يدور حولها من أحداث، ولذلك فإن أبناء الوطن عندما يتمكنون من العلم والمعرفة، فإنهم يصبحون أكثر استيعاباً وأعمق فهما لمشكلات بلادهم، من هنا كان حرص الشيخ زايد شديداً على انتشار التعليم وترسيخ الثقافة بصفتهما من أهم الأسلحة التي يمكن أن يواجه الوطن بها كل احتمالات المستقبل وتوقعاته بل ومفاجآته. زايد والأمن الثقافي إذا أردنا التحدّث عن مشروع الأمن الثقافي، الذي أرسى قواعده الشيخ زايد بنظرة استراتيجية مستقبلية، فهناك العديد من الأذرع والمحطات والتّوجهات، التي تعكس رؤية الشيخ زايد لأهمية المعرفة الرصينة، وتعد (جامعة الإمارات العربية المتحدة – تأسست عام 1977) في مدينة العين، مشروع زايد الثقافي المميز، وتقول الدكتورة فاطمة الصايغ، رئيس قسم التاريخ في الجامعة في هذا الصدد: «لقد حرص الشيخ زايد بنفسه على متابعة إنشاء هذا الصرح العلمي، منذ أن كان وليداً صغيراً عام 1976، إلى أن غدا صرحاً علمياً كبيراً ومشروعاً ثقافياً قومياً، ويعكس اسم الجامعة مضمون هذا الصرح الذي يلتقي تحت سقفه جميع أبناء الإمارات متناسين الفروقات السياسية والعرقية والاقتصادية، يجمعهم هدف سام واحد، ألا وهو تحقيق حلم زايد بتخريج كوادر مؤهلة لتحمل على عاتقها مهمة بناء الدولة العصرية والقومية الحديثة، وعبر عقودها الأربعة نجحت جامعة الإمارات في أن تكون الجامعة الوطنية الأولى في الدولة، وأن تحافظ على هوية عربية وإسلامية وأن تكون مصدر إشعاع فكري حضاري، حيث احتضنت المئات من الفعاليات التي ساهمت في خلق وعي حضاري وفكري في المنطقة، إن إعلان مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية باختيار الجامعة لنيل جائزة الإنجاز العلمي والثقافي للنسخة الخامسة عشرة 2016 – 2017، هو تكريم لمشروع زايد الثقافي وتكريم لإرث زايد في زرع الخير أينما حلّ وفي أي منطقة كان، فكما عمل القائد المؤسس على غرس الخير عملت الجامعة أيضا ليس فقط على غرس التعليم والمعرفة، بل وفي غرس قيمة التعليم المستدام مدى الحياة في نفوس الدّارسين، حتى يستفيد منهم المجتمع على كافة المستويات». من هذا المنطلق حظي التعليم بمكانة كبرى في فكر ومنهج الشيخ زايد، فوفّر له كل السبل لدعم تطويره داخل الدولة وخارجها، وسخّر كل الإمكانات لدعم هذا الهدف النبيل، فشجع الأجيال على الدراسة والتخصصات والتحصيل العلمي ولم يقتصر الأمر على دعم ومساندة الطلبة والمؤسسات التعليمية داخل الدولة، بل امتد عبر الحدود والقارات لتقديم الدعم لرفع كفاءة التعليم خصوصا في الدول الأقل نموا، ثم اهتمامه الكبير بالبعثات الخارجية، لما تقوم به من دور كبير في مواكبة الحضارة المعاصرة وإعداد أجيال تتولى صنع الحضارة الوطنية. في الواقع، إن الحديث في موضوع التعليم وعمق الإنجازات التي حققها الشيخ زايد، طويل وشائك، فقد عاشت الإمارات بفضل رؤيته الثاقبة مرحلة تعليمية نوعية، نرى ثمارها العظيمة اليوم، بتأسيس الوزارات والهيئات والمؤسسات، ذات الصلة بالتعليم والثقافة والمعرفة ورفد قطاع الشباب بما يمكنهم من تحقيق تطلعاتهم، ولنا في تصريح الشيخ زايد لوكالة أنباء الإمارات في 24 مارس 1983، وهو اليوم التاريخي الذي شهد فيه تخريج دفعة من أبنائه في الكلية العسكرية، المثال الأوفى على ذلك، ويقول فيه: «إن الرصيد الاستراتيجي لأية أمة متقدمة هو أبناؤها، وأبناؤها المتعلمون بشكل خاص، لأن رقي الأمم يقاس بمستوى التعليم وانتشاره فيها، إيمانا بأنّه الرافد الحقيقي لثروة الأمم والضمان الفعال والأقوى للغد الأفضل بعون الله». زايد و«ثقافة المشاركة» لقد حرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على إطلاق المشروعات الثقافية وتشجيع المواطنين والجمهور على التفاعل معها شكلاً ومضموناً، إيماناً منه بأهمية فكرة (ثقافة المشاركة)، ففي عام 1981، وجّه بإطلاق معرض أبوظبي الدولي للكتاب، تحت اسم (معرض الكتاب الإسلامي) وعلى نفقته الخاصة، ثم ما لبث أن تحوّل إلى معرض أبوظبي الدولي للكتاب في عام 1986، وأقيمت أول نسخه منه في المجمع الثقافي بأبوظبي (مؤسسة قصر الحصن الثقافي حالياً)، قبل أن يصبح حدثاً سنوياً ثابتاً في عام 1993، ويُنقَل إلى مركز أبوظبي الوطني للمعارض، عندما بدأ برنامج المحافظة على التراث الثقافي على نطاق واسع في المجمع الثقافي في العاصمة. ولعل قيام دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي باختيار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ليكون الشخصية المحورية للمعرض هو أجمل ما يميز النسخة 28 من المعرض الذي تنطلق فعالياته في الخامس والعشرين من أبريل الجاري تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث يسلط المعرض الضوء على رؤية القائد المؤسس، وعطاءاته وإسهاماته، وذلك بالتزامن مع عام 2018 عام زايد، كما تحتفي نسخة هذا العام من المعرض بفكر زايد ونهجه، كونه كان يؤمن بالدّور الاستراتيجي للتعليم والثقافة في بناء الإنسان وصقل شخصيته ووضعه عند مستوى التحديات التي يشهدها العصر. ومن الضرورة بمكان الإشارة إلى أن النسخة الأولى من المعرض، والتي افتتحها الشيخ زايد، شهدت لفتة كريمة منه، إذ أمر بشراء جميع ما تبقى من كتب، عرضها 50 ناشراً، وتوزيعها على المؤسسات والجهات ذات الصلة، لتكون تلك الكتب نواة لتأسيس مكتبات وطنية، وكذلك نواة لدار الكتب الوطنية في الدولة، كما صرّح «طيب الله ثراه» خلال جولته في المعرض بقوله: «الكتاب هو وعاء العلم والحضارة والثقافة والمعرفة والآداب والفنون، والأمم لا تقاس بثرواتها المادية وحدها، وإنما تقاس بأصالتها الحضارية، والكتاب هو أساس هذه الأصالة»، كما يعد نهج زايد واحترامه لرسالة الثقافة والكتاب وصناعة النشر السبب المباشر لأن يصبح معرض أبوظبي الدولي للكتاب أحد أهم وأسرع معارض الكتب نمواً وتطوراً، بوصفه تظاهرة ثقافية فريدة، ونرى اليوم إدارة هذا المعرض في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي ترد الجميل، باختيارها المغفور له الشيخ زايد الشخصية المحورية له. وبهذا الخصوص قال سيف غباش وكيل دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي: «إن المعرض هذا العام يسلط الضوء على رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعطاءاته وإسهاماته، وذلك بالتزامن مع عام 2018 عام زايد». وأضاف غباش: «إن الشيخ زايد يعد رجل الثقافة الأول، إذ شكلت قضايا الثقافة وبناء مجتمع المعرفة محورا أساسيا مهما من محاور اهتماماته لتحقيق التوازن بين ممارسات أبناء مجتمع الإمارات وسلوكياتهم وضرورة الحفاظ على العادات والتقاليد والقيم النبيلة، بالتزامن مع بناء مستقبل باهر ومنفتح على الثقافات الأخرى». زايد والفعل الحضاري أولى الشيخ زايد اهتماماً خاصاً بقضية التراث والآثار، باعتبارها مكوناً رئيساً من مكونات (الهوية الوطنية) وكذلك (الشخصية الإماراتية)، فكان حريصا كل الحرص على صون التراث وحفظ العادات والتقاليد والقيم المنبثقة منها، وإيصالها إلى الأجيال الجديد، فأنشأ مؤسسات مختصة بهذه المهمة من بينها نادي تراث الإمارات في سبتمبر 1993، وقرى التراث التي تمثل متاحف مفتوحة لتعريف روادها والزوار من السياح الأجانب بالموروث الشعبي الإماراتي وشكل الحياة في الدولة قبل عصر النفط. وحول اهتمام القائد المؤسس بالتراث والآثار يقول الدكتور ناصر العبودي: «لقد استقدم الشيخ زايد البعثات الأجنبية للتنقيب عن الآثار في الدولة، وقد كان لهذه البعثات دور كبير في اكتشاف الكثير من الآثار خاصة في مدينة العين وفي مستوطنة أم النار بأبوظبي، ثم أمر بإنشاء متحف العين ليضم المقتنيات والمكتشفات التي عثرت عليها بعثات التنقيب في المدينتين، ووضع بذلك البداية الجادة والعملية للتنقيب والحفاظ على الآثار في الدولة». يواصل العبودي: «لقد حفّز الشيخ زايد النّاس على الاهتمام بالتراث والاستفادة منه، ومما فيه من العادات الأصيلة والقيم النبيلة، كما اهتم بالتراث المادي بشكل كبير، فوجّه بالاستفادة من تراثنا المعماري والإسلامي في تصميم المباني واستلهام روح التراث الشعبي وخصوصيته في بناء المساكن، ولقيت القلاع والحصون والمتاحف وغيرها من المناطق والمباني التراثية والأثرية المزيد من العناية والاهتمام في عهده». وعن ذلك تحدثت الدكتورة امتثال النقيب مدير عام دائرة المتاحف بإمارة أم القيوين سابقاً بقولها: «إن الشيخ زايد جسد في كل أقواله وأفعاله كل معاني الحب والإعجاب بالتراث وبكل مفرداته، ومن ذلك أنّه كان أول من عرض آثار جبل حفيت على بعثة الآثار الدنماركية في عام 1958، على الرغم أن الاكتشافات الآثارية قد تأخرت عن مثيلاتها في بقية دول المنطقة، إلى ما بعد اكتشاف النفط، وكان من نتائج هذا العمل أن نظرة الكثيرين من الخبراء والعلماء قد تغيّرت تجاه هذه البقعة من العالم وأقصد دولة الإمارات، وبتشجيع القائد المؤسس تسارعت وتيرة العمل في هذا المجال في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ومن ذلك إبرام اتفاقية التنقيب عن الآثار بين الإمارات والعراق بتوجيه من الشيخ زايد في 28 نوفمبر 1971، ثم تلك الاكتشافات الأثرية العظيمة التي تمت في جبل حفيت وهيلي، ومليحة في الشارقة، وكافة إمارات الدولة، ما كانت لتتحقق لولا النظرة الثاقبة للشيخ زايد، الذي حفظ جيداً تاريخ المنطقة بأخبارها وأساطيرها، وأنّه عمد إلى ربط تلك الأخبار بالعلوم الحديثة، في محاولة للاستفادة منها في كشف المزيد عن التاريخ الماضي». زايد والآخر إذا كان مصطلح «القوّة الناعمة»، بحسب موسوعة ويكيبيديا، هو اصطلاح صاغه جوزيف ناي من جامعة هارفارد عام 1990 في كتابه «وثبة نحو القيادة»، ويعني إمكانية الحصول على ما نريد عن طريق الجاذبية، بمعنى تطويع الموارد المجتمعية والمدنية من ثقافة وفكر وآداب وفنون وإبداعات لتحقيق ذات الأهداف والنتائج، فالناظر إلى سلوك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع العلم والثقافة يتيقن أن القائد المؤسس أدرك هذا المعنى مبكراً، معتبراً أن القيم والمبادئ والحكمة والفكر العقلاني السليم، أقوى من سطوة السلاح، ومستشرفا أن القوة الثقافية والفكرية، يمكنها إن أحسن استغلالها، أن تحل محلّ الجيوش، واليوم كما نرى أصبحت «القوة الناعمة» نمطا أساسيا في كسب العقول وتطويع العواطف وتحييد سلوك الشعوب، عن طريق التسامح وقبول الآخر، ومن ذلك اعتبر الشيخ زايد العلم والثقافة والمعرفة ركائز أساسية للدولة القوية، وفي هذا الإطار فقد عمد على ترسيخ مفهوم (الفعل الثقافي)، وذلك استكمالا لمشروعه الكبير (الأمن الثقافي)، والذي من خلاله يمكننا الانطلاق والانفتاح على العالم، ومن مبادراته في هذا السياق تأسيس (دار الكتب الوطنية 1981) ضمن ما كان يعرف وقتئذ باسم (مجمع المؤسسات الثقافية والوثائق، وهو المجمع الذي تغيّر اسمه مرة أولى عام 1984، إلى (المجمع الثقافي)، ومرة ثانية عام 2005، إلى (هيئة أبوظبي للثقافة والتراث) ثم إلى (دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي) وغدت دار الكتب الوطنية (مقتنياتها تصل إلى نحو مليوني مجلد تشمل الكتب والمخطوطات والدوريات والمواد الإلكترونية) واحدة من أضخم كنوز العلم والمعرفة في الدولة، نظرا للدور المهم الذي لعبته في التأسيس لنهضة ثقافية تعتبر الكتاب نافذة رئيسية للمعرفة الرصينة، هذا إلى جانب اهتمامه بالشعر والشعراء وإنشاء المجالس الشعرية والأدبية في كافة أرجاء الدولة، لا سيما وأنه كان شاعراً مجيداً، وله مساجلات موثقة مع عدد من أبرز شعراء الإمارات والخليج، وقد امتد هذا النشاط والاهتمام نحو تكوين حلقات منتظمة للشعراء. وهنا لا بد من التذكير بما بذله الشيخ زايد «طيب الله ثراه» في سنّ القوانين والتشريعات التي تؤسس لثقافة جادة يكون للإعلام دور بارز فيها، كما وفر كافة وسائل الدعم لبناء مؤسسات تدير المشاريع الفكرية والثقافية، مثل (وزارة الإعلام والثقافة) التي تغيّر اسمها الآن إلى (وزارة الثقافة وتنمية المعرفة)، ومركز زايد للتراث والتاريخ، بمدينة العين، وجاء افتتاحه عام 1999، ترجمة فعلية للاهتمام بالتراث والعناية والتعريف به على المستوى المحلّي والعربي والدولي، وتنفيذ وتوثيق الدراسات والبحوث التراثية والتاريخية المتعلقة بالتراث الشعبي الإماراتي، بما يكشف لنا عن قيمة (الثروة الثقافية) التي تركها لنا الشيخ زايد، ولعل ذلك يقودنا بالضرورة إلى الكلام المؤثر الذي قالته الدكتورة رفيعة غباش، مؤسسة متحف المرأة بدبي، على هامش مشاركتها في فعاليات القمة الثقافية أبوظبي 2018، التي اختتمت أعمالها في أبوظبي، مؤخرا: «إن الثروة الثقافية التي أسسها الشيخ زايد كانت اللبنة الأولى لمقومات النّجاح والأمان والسلام الذي تعيشه دولة الإمارات اليوم، وهي وطن التّسامح والتعايش السلمي، ويحظى فيها الجميع بالاحترام والعيش الكريم». وأضافت د. رفيعة غباش: «الإمارات قديما وحديثا كانت وما زالت بلد تسامح، أنا شخصيا لم اشعر في أي يوم من الأيام أنني أعيش مع جنسيات مختلفة، يعلم الجميع أنّه تعيش على أرض الإمارات 200 جنسية، و200 ثقافة، ولا نشعر بأن هناك أية تعقيدات أو تمييز، ذلك لأننا تأسسنا ودرسنا في مدرسة زايد، القائمة على القيم النبيلة واحترام وتقدير الآخر. لقد أتى الشيخ زايد بثروته الثقافية وبتعزيز مكانة الإنسان، وكانت المرأة بالتحديد هي محط الاهتمام والدعم والتمكين، ليجعل برؤيته الثاقبة وفكره الاستراتيجي من هذه الدولة أملا لكل العالم». تجربة وحدوية رائدة ودور نهضوي ومكتسبات وطنية باهرة سوف يسجل التاريخ للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، دوره العظيم في إرساء قواعد تجربة وحدوية ناجحة، هي تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، كما سيسجل له التاريخ دوره النّوعي في بناء مشروع ثقافي نهضوي، نرى ثماره اليوم في المكتسبات التي تحققت للساحة الثقافية في الدولة، فقد اكتسب الرجل مكانته الرفيعة وجماهيريته العريضة التي امتدت إلى العالم، بفضل فكره ونهجه الاستراتيجي القائم على احترام «الإنسان»، والعمل على تطوير خبراته ومعارفه وثقافته، هذا إلى جانب ما أشاعه من أجواء الديمقراطية ولغة الحوار، وهي في التقدير العام التي أفضت إلى مزيد من جهود المؤسسات في ترسيخ مفهوم متقدم للثقافة الجماهيرية، وأن ما نراه اليوم من اهتمام رسمي وشعبي وإعلامي بـ «عام زايد» ما هو إلا تأكيد جدّي وحقيقي، أن الاحترام الذي يكنّه أهل الإمارات والمقيمين على أرضها، هو اهتمام وحب حقيقي لرجل كان على صلة وثيقة بجميع أبناء شعبه، فقد كان يقول «طيب الله ثراه»: (أنا رب أسرة هي الشعب). لقد حفل سجل فقيد الوطن الكبير (6 مايو 1918 - 2 نوفمبر 2004)، بصفحات ثرية ناصعة من المنجزات الوطنية الباهرة التي سطّرها التاريخ بحروف من نور على مدى نحو 66 عاماً متواصلة من العطاء في العمل الوطني والقومي وبناء الإنسان، في ملحمة قادها من مرحلة الصفر، منطلقا من رؤية ثاقبة وفكر سديد، بتسخير المال والثروة النفطية من أجل بناء «الإنسان»، نحو الرفاهية والسعادة، واليوم نقطف الثمار، بعد أن تبوأت الإمارات المركز الأول عربيا، والمرتبة الـ 17 على مستوى شعوب العالم لمؤشرات السعادة والرضا بين الشعوب في المسح الأول الذي أجرته الأمم المتحدة، وأعلنت عن نتائجه في شهر أبريل من العام 2012، وفي هذا التاريخ وغيره، كانت صورة القائد المؤسس حاضرة، وستظل على الدوام حاضرة، فالمشاريع التعليمية والثقافية والاجتماعية التي شيّدها ومعظمها يحمل اسمه، ستظل شاهدة على عظمة الرجل وصدق توجهاته، ولا يمكن في الواقع حصر المؤسسات التعليمية أو الثقافية التي تحمل اسمه ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مشروع مركز زايد الثقافي، المعروف بـ «مسجد النّور» في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وتوجد أيضا كلية زايد للعلوم الإدارية والقانونية في عاصمة مالي «باماكو» إلى جانب كلية زايد للبنات «نيودلهي الهند» والتي توفر التعليم الإعدادي والثانوي والجامعي لأكثر من 2700 طالبة. وتهدف مكتبة الشيخ زايد في جامعة المنار في لبنان، إلى رفع الوعي، وتمتين المستوى الثقافي والعلمي لجميع فئات المجتمع، ومن بين الجامعات والمعاهد التعليمية «كلية زايد للبنات - 2001» في نيوزيلندا، وتهدف إلى تزويد الطالبات المسلمات بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والتمسك بالمبادئ والصفات والقيم والأخلاق الإسلامية، كما أسس الشيخ زايد «رحمه الله» جامعة آدم بركة - 2004، في تشاد، للنهوض بالمستوى العلمي ودعم سياسة الحكومة التشادية في جعل اللغة العربية لغة رسمية للبلاد، إلى جانب الكثير من الإنجازات في هذا المجال، لتبقى جميعها من روافد الإرث الثقافي لفقيد الوطن الكبير «طيب الله ثراه». جلسات حول زايد تنظم دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، خلال النسخة 28 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، مجموعة من الجلسات الحوارية، التي تناقش نهج وإرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الشخصية المحورية لهذه النسخة، ومن بينها، جلسة بعنوان (زايد التنمية وبناء الدولة)، وتسلط الضوء على ثلاثة موضوعات هي: ركائز التنمية والنهضة الحديثة في فكر زايد، زايد وتمكين المرأة، الكتاب رمزاً للحضارة في فكر زايد. ومن جلسات النسخة 28 للمعرض، جلسة بعنوان (شعر الشيخ زايد الخصائص والجماليات) والتي ستبرز قيم الجمال في أشعاره، كونه كان يوظف قصائده لجعلها عاملاً من عوامل بناء الدولة، وجلسة ثانية بعنوان (التنمية الثقافية والتسامح إرث من الإلهام) والتي تتناول قصة الثقافة في الإمارات التي انطلقت من المرحلة التأسيسية الأولى، وتمددت حتى شملت مرحلة الوعي والنّضج والنهوض، في إطار أفق ثقافي وحضاري، رسم ملامحه الأولى القائد المؤسس، ذلك الأفق الذي جعل من الثقافة في الدولة ركيزة مهمة في مسيرة البناء والتحديث. «إن الحفاظ على التراث والإرث الثقافي كان في مقدّمة المسائل التي أولاها الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» جل اهتمامه، ومع إحيائنا لعام زايد، يجب علينا جميعا الاستمرار في حمل هذه الرسالة إجلالا لذكراه العطرة، واستمراراً على نهجه النابع من عمق الانتماء لتراب هذا الوطن، ثم علينا جميعا أن نستلهم المعاني والقيم السامية التي تحلّى بها الشيخ زايد، ولتكون حافزاً لمواصلة العمل والعطاء لبناء المستقبل المشرق لدولة الإمارات». نوره بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©