الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الركوب على حصان البحر

الركوب على حصان البحر
29 مارس 2013 20:13
(1) ولا فخر.... نحن من الكائنات الأكثر استهلاكاً للشاي في العالم، مع أن الدعايات تتحدث عن الإنجليز وشاي الساعة الخامسة خاصتهم، ونسونا، نحن الذين نشرب الشاي من الخامسة صباحاً حتى الخامسة من اليوم التالي “طبعا”. الشاي هو رفيق الطفولة الإجباري، والوسيلة الأهم التي كانت تستخدمها الأمهات للاحتيال على الفقر وملء بطون الأطفال، عن طريق تفتيت الخبز ووضعه في الشاي، وأحيانا إضافة بعض السكر والسمن، لكن الإضافات الأخيرة كانت تقتصر على النخبة وعليه القوم. أخي كان يبدأ صباحة بالهجوم فورا على أبريق الشاي البائت من الليل، وكان يشربه من “الزنبعة”، إذ كان لديه اعتقاد أن أحدا ما ينافسه على هذا الهراء، وكانت أمي ترتاح على طريقته، فتجرف “الحثل” من قاع الإبريق، وتركّب لنا الإبريق الأول من الشاي الصباحي. لذلك شعرت بالرعب، وأنا اقرأ خبرا في صحف أمس يقول ما معناه إن الشاي يسبب اعتلالا في العظام، بسبب وجود مادة الفلور فيه التي تؤدي الى تشوه في كثافة العظام، في حال تزايد نسبتها. تخيلوا ماذا يفعل هذا الخبر بنا!، إذ لو كان صحيحا، ماذا يفعل بالفقراء، بينما لا يزال الشاي وجبتهم الرئيسية وأسلوب دفاعهم الأهم ضد الجوع والموت . هل علينا ان نتوقف عن شرب الشاي ونستبدله بـ”الأزوزة” على رأي الست ليلى نظمي؟ (2) .. وليس آخرا، اكتشف العلماء السر في أننا لا نتذكر شيئا من طفولتنا في السنوات الثلاث الأولى، اكتشف العلماء أن الذاكرة طويلة الأمد تعزى الى جزء صغير من الدماغ يدعى “قرن أمون” أو “حصان البحر”، وهناك قرن أيمن وقرن أيسر في الدماغ البشري. وهذا القرن لا ينمو ولا يتطور، إلا بعد سن الثالثة، لذلك نشرع في التذكر، اعتبارا من اكتمال نمو حصان البحر هذا. لسنا في درس تشريح للجسم البشري، ولست مؤهلا لذلك أصلا، لكنني لما عرفت هذه المعلومة، عدت بالذاكرة الى الوراء.. الوراء، ولم أتذكر نفسي، إلا قبل دخول صف البستان بقليل “حوالي السنة الرابعة من العمر”، أتذكر أني كنت ألملم حجارة الفسيفساء من الحارة، وأحاول صنع لوحة فسيفسائي الخاصة في حوش البيت، لكني لم أتهنأ في أول مشروع في حياتي، لأني في اليوم التالي، لم أجد لوحتي الفسيفسائية....... فقد نبشتها دجاجات الماما الرؤوم. وقد كتبت عن هذه الذاكرة الموغلة في القدم سابقا، وهي ليست موضوعي اليوم. أما في مجال التشخيص، فإني أعتقد أننا نحن العرب نعاني تشوهاً ما في هذا الجزء الصغير من الصغير من الدماغ “قرن أمون”، لأننا لا نزال وقد تجاوزنا سن الكهولة “أفرادا وحكومات وشعوبا” نعاني فقدان الذاكرة الجمعية وعدم التذكر، لذلك نواصل حياتنا بدهشة، لكأننا نرى الأمور للمرة الأولى. في العالم، فإن الدهشة هي سر التقدم والإبداع، أم عند حضراتنا، فإن الدهشة حولتنا الى ملايين من المندهشين على الأشياء العادية والمتكررة التي ندور حولها تماما، كما ندور في دواليب الأطفال المتوافرة في مدن الملاهي.... دهشة وحبور لا علاقة لهما بالدهشة الإبداعية التي تحول التراكم الكمي الى تطور نوعي. نعود الى صديقنا القديم “قرن أمون” أو “حصان البحر “.. لنقول له: - يا صديقنا العتيق العتيق.. أعتقنا من ذكرياتك وأرحنا من خيالاتك، حررنا منا ومنك ومن سفسطاتك،.. ولتدعنا نرفل بفخر، في هذه الفانية، بنعمة النسيان. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©