الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روائيات شرقيات بلسان الغرب: خلطة بخور وقهر وفروسية

روائيات شرقيات بلسان الغرب: خلطة بخور وقهر وفروسية
24 يوليو 2008 00:12
شهدت الحياة الأدبية في أوروبا والولايات المتحدة ظاهرة ثقافية لافتة تمثلت في حضور متميز ومفاجئ لأديبات من أبناء الجيل الثاني لمهاجرين من الشرق· وهي ظاهرة تهيمن عليها النساء بجدارة ويجسدها حشد من الروائيات اللواتي تفوقن في التعبير عن ذواتهن بلغة الغرب، واقتحمن المشهد الثقافي الغربي التقليدي وأربكنه بأسمائهن الإثنية الغريبة وخصوصية قضاياهن الفريدة ومفرداتهن اللغوية الدخيلة وعناوين رواياتهن المثيرة· وتجلت الظاهرة في ثراء المكتبات الغربية بعبق البخور وشذى الزيوت العطرية، وطعم التوابل ونكهة البهارات الشرقية، وسحر الصلاة وطقوس الترانيم الدينية، ودفء الأحاسيس وتماسك العلاقات الأسرية، ومشاعر القهر والحرمان والتهميش وتسلط المجتمعات الذكورية· اليوم نرى الظاهرة قد نضجت وأينع قطافها بحصاد عدد من بنات المهجر ذوات الأصول الشرقية لأرفع الجوائز الأدبية العالمية، وتصدر أسماء العشرات منهن لقوائم أفضل الكتب مبيعا في أوروبا وأمريكا· نذكر منهن على سبيل المثال ''ياسمين كروثر'' وهي بريطانية من أصول إيرانية تصدرت روايتها ''مطبخ الزعفران'' قائمة الكتب الأكثر مبيعا في بريطانيا عام ،2007 و''كيران ديساي'' بريطانية من أصول هندية وهي أصغر أديبة تفوز بجائزة بوكر الأدبية لعام 2006 عن روايتها ''ميراث الخسارة''، و''جومبا لاهيري'' أمريكية من أصول بنجالية فازت بأرفع الجوائز الأدبية الأمريكية عام 2000 عن مجموعتها القصصية ''مفسر الأوجاع''، و''إيمي تان'' أمريكية من أصول صينية نالت شهرة واسعة لروايتها ''إنقاذ السمك من الغرق''، و''ي يون لي'' الأمريكية من أصل صيني الحائزة على جائزة فرانك أوكونور الدولية للقصة القصيرة عن مجموعتها القصصية ''ألف عام من الدعوات الصالحات''، و''ناعومي شهاب ناي'' أمريكية من أصل فلسطيني حازت مجموعتها الشعرية الأولى ''طرق مختلفة للصلاة'' على اهتمام النقاد في أمريكا· و''ديانا أبو جابر'' وهي أمريكية من أصل أردني فازت بجائزة بن سينتر عام 2004 عن روايتها ''هلال'' التي صنفت بين أفضل 20 رواية لعام ،2003 كما فازت البريطانية ''أرونداتي روي'' وهي من أصول هندية بجائزة بوكر عن روايتها ''أشياء الله الصغيرة'' عام ·1997 وحازت الروائية ''في في جانيشاناثان'' وهي أمريكية من أصل سريلانكي على اهتمام النقاد عن روايتها الأولى ''زواج حب''· أما الروائية ''لان كاو'' وهي أمريكية من أصل فيتنامي فقد حققت روايتها ''جسر من القرود'' شهرة عالمية واسعة· هؤلاء وغيرهن العشرات من الشابات المبدعات اللواتي ينتمين إلى أسر هاجرت إلى الغرب من أقاصي الشرق· واللواتي وحدهن القلق الإنساني الدفين، والمشاعر المثقلة بالغربة، وتشتت الانتماء لثقافتين متناقضتين بلا ولاء مطلق لأي منهما· وجمع بينهن الإحساس الرفيع بالتراكيب اللغوية الإنجليزية والقدرة الفائقة على مزجها بمفردات الشرق الثرية وما بها من خلفية حضارية عريقة· فعندما تحدثت الروائيات المهاجرات عن ذواتهن انبهر الغرب بعمق القضايا وصدق الطرح وجرأة الكلمات· فالغرب المولع بكشف خبايا الشرق أبحر في نصوص أدبية ثرية تكشف كنوزها لأول مرة· فهناك فارق جم بين ما تقدمه الدراسات الأكاديمية عن شعوب الشرق وعاداتها وتقاليدها وأساطيرها وبين روايات تكتبها فتيات غربيات النشأة شرقيات الجذور· ولعل ما نقدمه اليوم هو دراسة أولية لظاهرة ثقافية تستحق مزيدا من الاهتمام والتحليل نلقي الضوء من خلالها على بعض هؤلاء الروائيات المبدعات وأسلوبهن في الكتابة وخلفيتهن الأسرية والاجتماعية· مترجم الأوجاع تعد ''جومبا لاهيري'' من أبرز الأسماء التي تجسد ظاهرة الروائيات المبدعات في المهجر· فهي روائية أمريكية من أصل بنجالي· ولدت في لندن عام 1967 لوالدين قادتهما رحلة الهجرة والترحال من بنجلاديش إلى لندن ثم إلى الولايات المتحدة حيث ترعرعت في ولاية كاليفورنيا· وكانت أسرة ''جومبا'' محافظة مترددة حذرة من الانفتاح على المجتمع الغربي· تحاول التأقلم ببطء مع معوقات اللغة والعادات والتقاليد والدين والمجتمع· وكان لوالدها الذي يعمل أمينا للمكتبة دور بارز في حياتها، فلقد حثها على القراءة المتنوعة والكتابة المتخصصة· فدرست الكتابة الإبداعية بجامعة بوسطن ونالت درجات الماجستير في اللغة الإنجليزية والكتابة الإبداعية والأدب المقارن· كما حصلت على الدكتوراه في دراسات عصر النهضة الأوروبية· وكغيرها من الأديبات اللواتي نشأن في أسر مهاجرة اهتمت ''جومبا'' بتأمل تجربة الاغتراب والعيش في المنفى، وفهمت معنى أن يكون المرء أجنبيا عن المجتمع الذي يعيش فيه وجسدت كل تلك المعاني في كتبها· لذا حظيت مجموعتها القصصية الأولى ''مترجم الأوجاع'' والتي نشرت عام 1999 باستقبال نقدي حافل وترجمت إلى 29 لغة ونالت العديد من الجوائز أبرزها جائزة مجلة ''ذا نيو يوركر'' لأفضل عشرين كتاب لعام 1999 وجائزة ''بوليتزر'' الشهيرة عام 2000 وجائزة ''هيمنجواي'' وجائزة ''أديسون م· ميتكاف'' من الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب كما رُشحت لجائزة ''لوس أنجلوس تايمز'' لأفضل كتاب· وتضم المجموعة تسع قصص قصيرة متفاوتة الطول بإجمالي 198 صفحة· وتتميز لغتها الأدبية بالبساطة والبعد عن الجموح اللغوي والتعقيد التركيبي· كما تزخر القصص بتفاصيل صغيرة لثقافتين مختلفتين وشخصيات تواقة للعثور على معنى لحياتها من خلال سعيها لمد جسور بينها وبين الآخرين· وفي مسعاها لتصوير جوهر العلاقات الإنسانية وطبيعة النفس البشرية تقدم لنا ''جومبا لاهيري'' نماذج لشخصيات نجحت في التأقلم مع الغربة وأخرى فشلت في الانسجام مع عوالم غير مألوفة عليها· ونماذج يقتلها الحنين الدائم إلى الوطن وأخرى تشكو دوما من سوء الفهم وعدم القدرة على التواصل الإنساني· وتدور القصة التي تحمل عنوان المجموعة حول أسرة أمريكية من أصل هندي تصطحب أطفالها الثلاثة إلى وطنهم الأم في رحلة سياحية· وأثناء زيارتهم لمعبد الشمس استعانت بمرشد سياحي يدعى ''كاباسي''· والذي يعمل مرشدا سياحيا في العطلات ومترجما في إحدى العيادات طوال السنة· يترجم للأطباء آلام المرضى وشكواهم باللغة الجوجراتية· فعندما علمت الزوجة ''مينا داس'' وظيفته الحقيقية أطلقت عليه لقب ''مترجم الأوجاع''· وهو ما وجد فيه '' كاباسي'' الذي يعاني من مشاكل زوجية قدرا من الرومانسية دفع خياله لتوهم علاقة غرامية مع ''مينا داس''· ويعزز من أوهامه قيام الزوجين بدعوته للانضمام إليهما في الصور التي يأخذانها وطلب ''مينا'' أن يعطيها عنوانه كي ترسل له الصور بعد رجوعهم إلى الولايات المتحدة· وتتطور القصة حتى تصل إلى ذروة تقوم فيها السيدة ''مينا'' بالبوح بسرها إلى ''مترجم الأوجاع'' للتخفيف من ألمها عن تورطها في علاقة غير شرعية في المهجر نتج عنها أحد أبنائها· نادي الحظ السعيد وتبقى ''إيمي تان'' نموذجا متميزا آخر لروائيات المهجر· فهي كاتبة أمريكية من أصل صيني· ولدت عام 1952 في أوكلاند بولاية كاليفورنيا بعد عامين من هجرة والديها إلى الولايات المتحدة· وكان حلم والديها أن تأتي الهجرة بفرصة ذهبية لابنتهما· كأن تصبح طبيبة جراحة أو عازفة بيانو مشهورة، لكنها أصبحت مستشارة لبرامج رعاية الأطفال المعاقين وروائية لامعة· فلقد راجت أعمالها الروائية عالميا بعد أن أصدرت مجموعتها القصصية الأولى عام 1989 بعنوان ''نادي الحظ السعيد''· فحققت نجاحاً كبيراً في الولايات المتحدة واحتلت المركز الأول في قائمة الكتب الأكثر رواجاً لمدة تسعة أشهر وتحولت بعض قصصها إلى أعمال سينمائية· وكغيرها من الأديبات اللواتي ينتمين إلى أسر مهاجرة، انشغلت ''إيمي تان'' بقضايا المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأحلامهم وإحباطاتهم ومحاولاتهم التأقلم مع حياتهم الجديدة· وتضم مجموعتها القصصية ست عشرة قصة· وتدور قصة ''نادي الحظ السعيد'' التي تحمل عنوان المجموعة حول العلاقة بين أربع أمهات هاجرن من الصين إلى ولاية كاليفورنيا وبناتهن اللاتي ولدن في الولايات المتحدة· وكانت الأمهات الأربع يلتقين أسبوعيا في منزل واحدة منهن للتسلية بلعبة قمار صينية تدعى ''ماهجونج''· وأثناء اللعب تتفجر أحاديث الحنين للوطن القديم وزراعة فاكهة الكيوي في الوطن الجديد· فالسيدة ''سوي وان'' تحكي عن قصة هربها من الصين خوفا من اغتصاب الجنود اليابانيين للصينيات إبان الحرب العالمية الثانية· وعن ضميرها الذي لا زال يؤنبها لعدم قدرتها على حمل توأميها معها· أما السيدة ''هسو'' فحكت عن أمها التي تحولت إلى جارية في بيت رجل إقطاعي في الصين· بينما حكت ''جونج'' عن والدها الذي أجبرها على الزواج من شاب لا يتجاوز عمره ستة عشر عاما· وكل هدف والدته أن ينجب لها حفيدا بينما صغر سن الزوج يقف حائلا دون ذلك· وعلى مدى عشرين عاما استمرت جلسة الحظ السعيد تجمع بين السيدات الأربع اللواتي اكتشفن أن هناك جدارا ثقافيا شاهقا يفصل بينهن وبين بناتهن· فلقد كبرت البنات وغيرن أسماءهن الصينية إلى أمريكية· وعندما توفيت إحداهن تطوعت ابنتها لتلعب بدلا عنها مما شجع الفتيات الأخريات على المشاركة في اللعب· وهنا يبدأ حوار بين جيل صيني وآخر صيني متأمرك· فتحكي ''جون'' عن زيارتها الأولى للصين وعثورها على التوأمين اللذين تركتهما والدتها عندما هربت من جنود الاحتلال الياباني· وحكت ''روز'' عن طلاقها من زوجها الأمريكي نزولا عند رغبة والديه برفض زواجه من صينية· أما ''لينا'' فمشكلتها مع زوجها الأمريكي لم تكن حول اللون أو العرق بل حول المال· فهو يرفض الإنفاق عليها بدعوى أن أمريكا بلد المساواة بين الرجال والنساء· ميراث الخسارة لعل أصدق من يعبر عن حالة الحزن والأسى والقلق التي تحيط بحياة المهاجرين هو من افتقد دفء البيت وحضن الوطن منذ الصغر· ولقد وصف النقاد الروائية ''كيران ديساي'' بالبراعة في نقل هذه المفاهيم· و''كيران ديساي'' هي كاتبة أمريكية من أصل هندي ولدت عام 1973 في الهند وسافرت مع والدتها إلى بريطانيا وهي في الخامسة عشرة من عمرها ثم هاجرت بعد عام إلى نيويورك بالولايات المتحدة· وكغيرها من روائيات المهجر استطاعت ''كيران'' أن تترجم تجربتها مع الارتحال والغربة إلى أدب يتحدث عن العزلة والوحدة والفقدان والخسارة· وما يزيد من ثراء منتجها الأدبي هو اهتمامها بنقل معاناة البسطاء والمهمشين والمهاجرين غير الشرعيين ولم تهتم بهجرات الطبقة الموسرة التي تنتمي إليها· ونرى ذلك متجسدا في سيرتها الذاتية ''ضجة في بستان الجوافة'' والتي صدرت عام 1998 واستغرق كتابتها أربع سنوات· أما روايتها الثانية ''ميراث الخسارة'' فكانت أكثر نضجا وتميزت بأبعاد إنسانية ولغة انسيابية مرحة ونزعة سياسية قوية· وفيها تفوقت ''كيران ديساي'' على والدتها الكاتبة والروائية المعروفة ''أنيتا ديساي'' ففازت روايتها ''ميراث الخسارة'' بجائزة بوكر الأدبية لعام 2006 وهي الجائزة التي رشحت لها الأم ثلاث مرات ولم تفلح في الفوز بها· واعتبرت ''كيران'' أصغر كاتبة تفوز بهذه الجائزة مما أثار اهتمام النقاد ودفع مبيعات الرواية إلى قمة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في بريطانيا · وتتنقل أحداث روايتها ''ميراث الخسارة'' بين بلدة ''كاليمبونج'' شمال شرق الهند قرب حدود مملكة نيبال ومدينة نيويورك الأمريكية· وهي تروي حكاية رجل كهل يقطن في قصر قديم من بقايا الاستعمار البريطاني في بلدة ''كاليمبونج'' الهندية النائية· وهو قاضٍ متقاعد كافح في شبابه لينتشل نفسه من بيئته الفقيرة ويتمكن من الدراسة في جامعة كامبردج طمعا في التقرب من الطبقة الحاكمة إبان العهد الاستعماري· ولسوء حظّه عاد ليجد الاستعمار في أفول والاستقلال في بزوغ· فعاش يجتر أحزانه وفرض على نفسه عزلة تامة لا يشاركه فيها أحد إلا خادمه الوحيد الذي هاجر ابنه ''بيجو'' إلى أمريكا ليعمل بشكل غير شرعي في نيويورك وحفيدته ''ساي'' اليتيمة المراهقة التي انتقلت مؤخرا للعيش معه· وفي نيويورك تنتقل بنا الرواية إلى رجل يطارد الفئران في أقبية مطابخ الوجبات السريعة ، وهو المهاجر الهندي ''بيجو'' والذي يعمل بصفة غير شرعية أملا في الحصول على تصريح إقامة في أمريكا أو ''الجرين كارد''· وفي الرواية يظهر التطابق الكبير بين تفاصيل الرواية وحياة الكاتبة· فلقد بدأت أحداث الرواية في العام نفسه الذي وصلت فيه ''كيران ديساي'' ووالدتها إلى نيويورك· وأبطال الرواية جميعاً خضعوا لتجربة الارتحال· ومعظمهم يقتفون أثر حياة الكاتبة وأفراد عائلتها ومن يحيطون بها· فالقاضي قد يكون صورة عن جدها الذي كان ينتمي لعائلة فقيرة وكافح في شبابه ليعلم نفسه اللغة الإنجليزية لإلى أن تمكن في النهاية من الذهاب إلى جامعة كامبردج· وحفيدته ''ساي'' التي تدرس في دير للراهبات في كاليمبونج تماما كما كانت تفعل الكاتبة نفسها·أما المطبخ الذي يعمل فيه ''بيجو'' فهو صورة لمخبز قريب من مكان سكنها في نيويورك· مطبخ الزعفران تتميز كتابات ''ياسمين كروثر'' بالبحث في جوهر العلاقات الإنسانية وتأملها لطبيعة النفس البشرية وهو الأمر الذي يسعى لتحقيقه كل أدب عظيم في مختلف الأزمنة· والروائية ''ياسمين كروثر'' هي بريطانية من أصل إيراني وتعد من الأسماء اللامعة في عالم الروايات التي تكتبها بنات الجيل الثاني من المهاجرين من الشرق إلى الغرب· فلقد نشأت في بيت يعيش بقيم الثقافة الإيرانية أنا أَمِيلُ إلى اعتبار نفسي أوروبية· بقيت ذاكرة ياسمين عامرة بالذكريات عن إيران· فكان لجدتها التي تجلس بجوار الجدار تراقب نمو زهرة الخشخاش، وحكايات والدتها التي تترقب شهور الفرح في صيف إيران تأثيرا كبيرا في شحذ مخزونها الثقافي· وظلت ''ياسمين'' تتردد على وطنها الأم حتى قيام الثورة عام 1979ثم استقرت في لندن ودرست العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد العريقة وتعمل حاليا مديرة مكتب لندن للاستشارات الاجتماعية· وتعتبر ياسمين نفسها جزء من حضارتين ووطنين مختلفين لا أحد يفهمها في أي منهما فهما تاما· ولهذا كتبت روايتها الأولى ''مطبخ الزعفران'' للتعبير عن قضايا الانتماء والصراع الثقافي وللدلالة على مدى تأثرها ببلدها الأم وثقافتها الأصلية· و''مطبخ الزعفران'' رواية تروى على مدى خمسة عقود وتتأرجح بين قارتين·وتنقل صورة معقدة لأوضاع النساء في إيران وتستعرض أدوار الرجال في الثقافات الغربية والفارسية· وتروى أول ثلاثة فصول من الرواية بلسان البطلة ''مريم مزار'' وهي فتاة لديها إحساس قوي بالهوية عاقبها والدها على تمردها على التقاليد وذنب لم تقترفه بطردها من المنزل فشعرت بأنها ابتعدت عن ذاتها· وفي الفصل الرابع يتغير الراوي وتبدأ ''سارة'' ابنة مريم بالحديث عن نفسها· ليشعر القارئ بحالة الاضطراب والتشتت من خلال تغير الراوي والانتقال من الأم إلى البنت ومن إيران إلى إنجلترا ومن الاستقرار إلى القلق· ''فمريم مزار'' التي نفيت من منزلها في إيران وهاجرت إلى بريطانيا وتزوجت من رجل إنجليزي وأنجبت ابنتها سارة· عندما علمت بوفاة أختها في إيران قررت بعد عقود من الزمن أن تزور قريتها وتواجه ماضيها المؤلم لتوقف نزف الجرح القديم بداخلها· فتقع ابنتها سارة في حيرة من أمرها وتحاول جمع بقايا الصور وفهم كلمات قليلة من أحاديث مبعثرة· ثم تلحق بها إلى إيران لتكتشف الثمن الفادح الذي دفعته والدتها مريم من أجل حب خلفته وراءها وحرية رضيت أن تشقى من أجلها· وكما هو الحال مع ''كيران ديساي'' استندت ''ياسمين'' على تجاربها الشخصية وتطابقت شخصيات روايتها مع حياتها الشخصية· فجاءت ''مريم مزار'' بطلة قصة ''مطبخ الزعفران'' تشبه والدة ''ياسمين'' فكلاهما نشأ في مدينة مشهد بإيران وهاجرت إلى بريطانيا وهي في العشرينات من عمرها· وحتى مسرح الأحداث كان قرية ''مزاريه'' غرب طهران التي اعتادت أن تقضي فيها والدتها عطلة الصيف· وكانت جدتها ''خديجة أسادي موجادام'' مصدر إلهام لشخصية ''فاطمة'' الأم الحانية والمرأة المتواضعة تقول عنها: '' لازالَتْ جميلة وهي في الستين: بعظام خد بارزة وشعر أسود يلامس كتفيها·'' وتصور في روايتها مطبخ جدتها فتقول:'' بيت مليء برائحة طبخها، تلك الرائحة النشوية الناعمة للأرز البسمتي والزعفران ولحم الخروف المشوي· مررت بالمطبخ المبتلة نوافذه بالبخار وعلى طول الممر الأزرقِ الضيقِ تتراص دواليب طويلة مليئة بالحناء والأعشاب والتين المجفف·'' وتصور الرواية مشاعر الشوق إلى أرض الأحلام والهجرة إلى حيث يكون الإنسان صادقا مع نفسه ومع الآخرين وتدعو إلى أهمية الاحتفاظ بالذاكرة الثقافية سواء كانت حلوة أو مؤلمة أو معقّدة· طرق مختلفة للصلاة ولا يمكن أن نتحدث عن ظاهرة أديبات المهجر دون أن نذكر ''ناعومي شهاب ناي''· فهي أكثر من قرب للقارئ الغربي مشاعر الاغتراب الروحي والفكري للمهاجرين العرب· وهي شاعرة وروائية أمريكية من أصل فلسطيني ولدت عام 1952 لأب فلسطيني هاجر من أريحا إلى الولايات المتحدة على سفينة عام ·1951 وقبل أن ترسو السفينة به في ميناء نيويورك ألقى ببنطاله الباهت اللون في البحر ليعلن بدء حياة جديدة· وفي قصائد ''ناعومي'' نلمح تأثرها الكبير بوالدها وهويته العربية، وإحساسها بمأزق العرب المهاجرين لأرض الأحلام وصراع الانتماء للمجتمع الجديد· ففي قصيدة لها بعنوان ''أبي وشجرة التين'' تقول: لم يكن أبي يبالي بالفاكهة الأخرى· كان يشير إلى أشجار الكرز ويتمنى لو أنها أشجار تين· وفي المساء يجلس بجوار سريري ويحكي لي حكايات شعبية لم تغب عنها يوماً شجرة التين· حتى لو كانت لا تنسجم مع الحكاية كان يصر على ذكرها· وفي قصائدها الأخرى نراها تحكي عن والدها وتنقل لنا عمق حنينه لوطنه الأم الذي ظل يحلم به دائما ويعترف بأنه لم يخطر بباله يوما أن يتزوج من أمريكية· وكان والدها يحكي لها حكايات شعبية ساخرة من التراث العربي ويغني باللغة العربية· وكانت أسرته الوحيدة التي تأكل الحمص في حي يأكل الهمبرجر والمعكرونة· وهذا لا يعني أن ''ناعومي'' لا تكتب إلا عن والدها وجذورها العربية بل أن لها كتابات وقصائد عديدة تتناول ثقافات وحضارات العالم· ولها رواية بعنوان ''حبيبي'' تحكي قصة ''ليانا'' وهي مراهقة أمريكية من أصل عربي تقع في غرام ''عامير'' اليهودي بعد زيارة قامت بها للقدس في السبعينات· وتنقل الرواية من خلال هذه العلاقة العاطفية الشائكة حجم تعقيد قضية القدس ومأساة تهويدها وعوائق عروبتها· أما مجموعتها الشعرية الأولى ''طرق مختلفة للصلاة'' فتناولت أوجه التشابه والاختلاف بين الثقافات الشرقية والغربية لتوحي بأن الخالق واحد وإن تعددت طرق عبادته· ولديها مجموعات شعرية أخرى منها ''تسعة عشر اختلافاً للغزال'' و''قصائد للشرق الأوسط'' و''الحقيبة الحمراء والوقود''· ولقد حازت ''ناعومي شهاب ناي'' على العديد من الجوائز الأدبية منها أربع جوائز بوشكارت، وجائزة جين آدامز لكتاب الطفل، وجائزة باترسون للشعر، بالإضافة إلى عدة شهادات تقدير من جمعية الكتاب الأمريكي· ويصف النقاد كتاباتها بالانسيابية والمباشرة وبكونها تقدم الصور العادية بطريقة غير عادية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©