الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حروف وزخارف تصوغ المشهد الجمالي

حروف وزخارف تصوغ المشهد الجمالي
24 يوليو 2008 00:13
منذ بدايات الخط العربي، شكل هذا الفن مفردة غنية من المفردات الفنية التي اشتعل عليها الفنان العربي والمسلم، متتبعا إغراءات الحرف العربي وطاقته على التشكيل والتكوينات الجمالية، ومع تعدد أنواع الخط العربي يزداد غنى وثراء، ويمنح للفنان الخطاط القدرة على اختيار ما يلائم عمله من الخطوط· ولم يكن الخطاطون العرب وحدهم من اشتغل على تطوير هذا الفن، فقد أسهم في تطويره فنانون من بلاد فارس وتركيا ودول إسلامية أخرى، فقد كان لهؤلاء الخطاطين في تلك الدول بصمات مميزة· لن نعود إلى تاريخ هذا الفن الذي بدأ مع بدايات الإسلام، بل ثمة من يرى أن العرب عرفوا الخط منذ غابر العصور وقبل الأبجدية التي عثر عليها في أوغاريت (رأس شمرا) بآلاف السنين، حيث عثر في الجزيرة العربية وفي أماكن مختلفة على كتابات عربية مدونة بخط (المسند) لذا اعتبره الباحثون والمؤرخون القلم العربي الأول والأصيل وهو خط أهل اليمن· ونشير إلى أن استكمال مقوماته الوظيفية الكتابية من جهة، وتجويده والنهوض به ليقوم بدور فني جمالي من جهة ثانية، قد بدأ بصورة أساسية مع بناء الكوفة ثم اتخاذها مقرًا للخلافة أيام الإمام علي بن أبي طالب· نتوقف هنا عند ظاهرة المعارض والملتقيات التي تقام للخط العربي في دولة الإمارات عموما، وفي دبي خصوصا· فمن ملتقى الشارقة الدولي لفن الخط العربي الذي اختتم قبل أيام، إلى الملتقى الدولي الذي عقد في مركز دبي المالي العالمي قبل شهور بمشاركة عشرات الخطاطين والحروفيين العرب والأجانب، وما بينهما من حركة دائمة للمعارض الفردية والجماعية التي تؤشر على مدى الاهتمام بهذا الفن العريق، وهو اهتمام متزايد باستمرار· مدارس وأساليب آخر هذه المعارض هو الذي أقيم في مركز دبي المالي بمشاركة ثلاثة عشر خطاطا من الإمارات (محمد مندي)، والعراق (وسام شوكت)، والسودان (تاج السر حسن مقيم في الإمارات)، وإيران (جواد خوران)، وتركيا (داود بكتاش، علي طوي، مصطفى حليم، صاواش جويك، فرهاد قورلو، فؤاد باشار، ممتاز سجكين، والخطاطة أمتين ترياكي)، وقد شمل المعرض 4 لوحات لكل فنان· لقد اختار كل من الخطاطين عبارات من القرآن الكريم حينا، ومن الحديث النبوي والمأثور العربي والإسلامي، فصاغ كل منهم عمله بأسلوب ونوع خط جعل المعرض متعدد الأساليب ويؤشر إلى الغنى والتطور اللذين بلغهما هذا الفن على أيدي الخطاطين العرب والمسلمين، بحيث لم يعد فنا للتزيين كما كان، بل بات فنا له استقلاليته وجمالياته· وقد حضرت في المعرض معظم أنواع الخطوط العربية المعروفة، بدءا من الكوفي بأنواعه، مرورا بالثلث العادي والثلث الجلي، وصولا إلى الديواني العادي والجلي وسواها· فلو وقفنا أمام أعمال الإماراتي محمد مندي نجده يكثر من استخدام الخط الكوفي التربيعي والمتناظر، وسواء كتب اسم الجلالة ''الله''، أم عبارات دينية، أو حتى في كتابته اسم دبي، فهو يستخدم الكوفي بأشكال وصور متعددة ومختلفة، ويتعامل مندي مع عمله مازجا بين الخط والرسم، بما يجعل من عمله لوحة تتطلب التأمل في تكوينات الحروف وعلاقاتها ببعضها، ثم علاقتها بالكتل المتكاملة، من حيث امتدادات الحرف وتوازنات الجملة وتكوينها· فطريقة خط الحروف عنده حافلة بالرموز والدلالات· ومحمد مندي من أبرز الخطاطين في الدولة، فبعد دراسته للخط العربي في القاهرة وتتلمذه على الخطاط المصري سيد إبراهيم، وله الكثير من المشاركات الفردية والجماعية، محليا وعربيا ودوليا، وحاز الكثير من الجوائز· نماذج ولوحات الفنان السوداني تاج السر حسن من أهم الخطاطين الذين يعيشون في دولة الإمارات، وهو مدير تحرير مجلة ''حروف عربية'' الصادرة عن ندوة الثقافة والعلوم في دبي، وله بصمات واضحة في مجال الخط، حيث تمنحه تجربته الغنية وثقافته الفنية والفكرية قدرة كبيرة على الإسهام بفاعلية في تطوير التجربة الخطية على المستوى الإماراتي· وهو يعرض مثل غيره أربع لوحات بالخط الديواني، حيث خط سورة الفاتحة بالشكل البيضاوي، وهو شكل يقول إنه قام بتطويره خلال عشرين عاما من مسيرته، ومع محافظته على قوانين الديواني القديم، فهو يعمل على وضع لمساته الخاصة من خلال المزج بين الرسم والخط، ليقدم ما يسميه الخط المرسوم، ولكن بعيدا عن الحروفية· أما العراقي وسام شوكت فيقدم 4 لوحات بالخط العربي الكلاسيكي، مستخدما خط الديواني في اثنتين، وخط الثلث في لوحتين، وهو يخط مستعملا الأحبار الصناعية على الورق اليدوي المقهّر (المعالج بمادة الشبّة والبيض)· في لوحة الديواني الأولى نقرأ مقولة ''شرف المكان بالمكين'' وهي بالحبر الأزرق المائل للخضرة، بينما نقرأ في الثانية الآية ''سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم'' وفي الثالثة التي استعمل فيها خط الثلث نقرأ ''لكل مقام مقال'' حيث يستفيد الخطاط من ليونة حرف اللام فيعمل على تشكيل كلماتها بشكل متداخل، أما اللوحة الرابعة فهي تشكيل لعبارة ''هذا من فضل ربي، بحجم القلم الكبير· ويعتبر الفنان وسام شوكت أن خط الثلث هو من أصعب الخطوط، وأنه يستعمله ويستعمل الديواني أكثر من غيرهما، وذلك يعتمد على العبارة التي يريد تخطيطها، فالعبارة هي التي تفرض نوع الخط غالبا، وهو يختار عباراته من خلال قراءاته، وحين يعثر على ما يستوقفه يبدأ بتجريب الخط الذي سوف يستعمله، وكونه مصمم فهو يختار الخط الذي يمنح العبارة دلالات وأعماقا جديدة، وهو لذلك كثير التجريب منذ بداية مسيرته، فبعد دراسة الفن والخط يواصل بجهده الشخصي تطوير هذه التجربة دون التأثر أو التتلمذ على أي خطاط· الريشة والحبر هذه هي التجارب العربية في المعرض، أما بقية التجارب فهي تقع في النطاق نفسه تقريبا، حيث يتركز معظم عمل الفنانين ما بين ما بين الثلث والثلث الجلي، أو الديواني والديواني الجلي، وقلما شذ واحد منهم، مثلما فعل التركي علي طوي حين رسم طائرا ملونا بخط الثلث الجلي بقدر من التصرف· ويغلب على مواد الفنانين الحبر الأسود، والريشة العريضة، وأحيانا تستخدم بعض الألوان الهادئة في زخرفة الحروف أو تأطير اللوحة، ويستخدم بعضهم الأشكال الهندسية كالدوائر والمربعات وسواها، وغالبية الأعمال يتم تنفيذها على الورق المقهر، ومنها ما ينفذ على القماش· وبهذا التنوع يكون المعرض قدم لنا لوحة غنية لمشهد فن الخط العربي في الإمارات وفي العالمين العربي والإسلامي، هذا المشهد الذي يأخذ في التطور باستمرار، ويضيف إلى المشهد الفني عموما قطعة فنية رائعة· وهناك بالطبع الكثير من التجارب في الخط تتطور في كل بلد عربي لتجعل من هذا الفن جزءا من المشهد الثقافي، وعاملا في الحفاظ على فن الخط أولا، والإسهام في الحفاظ على الثقافة العربية وإغنائها، عبر المحاولات الجادة للخروج بهذا الفن من الوظيفية إلى الرؤية الفنية المعاصرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©