الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جان شمعون: الكاميرا تقاوم مثل الكلاشينكوف

جان شمعون: الكاميرا تقاوم مثل الكلاشينكوف
24 يوليو 2008 00:18
من قصص هاتيك الأمهات ومن يومياتهن المتخمة بالعذابات، يحوك مشاهد أفلامه التي يصبغها بلون الأمل والعزيمة· هو لا يستعين بالقاموس بحثا ''عن أفكار يستولدها من رحم الحرب، ليخرجها بعد عملية قيصرية صعبة المخاض أكثر صلابة وعنفوانا'' في حكايا تنبض بفصول الصمود وإرادة التحدي· إنه المخرج السينمائي اللبناني جان شمعون، الذي يحمل في قلبه حبا ''مرنا'' للناس اكتسبه من والدته، فتراه يتنقل بينهم ينصت السمع لآهاتهم يتحسّس كلومهم وقلوبهم الموسومة بأثقال الأيام وأوزارها، علّه يستطيع توثيقها لما ''فيه صالحهم وصالح المجتمع''، ولتكون شهادة لأجيال عرفت الحرب لتتذكر وتلك التي لم تعرفها لتعتبر· من زوايا بيوت الجنوب اللبناني المقرّحة بندوب الاحتلال الاسرائيلي واعتداءاته المتكرّرة، يلملم الذاكرة الغائبة· ومن وجوه نسائه وبناته يعكس أوجه مقاومة يختزن مقتطفاتها في فرجة كاميرا، فيكتب الوقائع بـ''لغة الصورة والصوت'' ويختمها بطابع البريد الانساني ليرسلها عبر صندوق السينما الى كل انحاء العالم· يجمع في حنايا قلبه حبا لفلسطين وعشقا لجنوب لبنان الواقعين على خط العذاب ووريد الدم الواحد· مقاوم على طريقته· ليس وحده في المعركة، اذ تقف الى جانبه زوجته المنتجة مي المصري لتكون المساعد الدائم له· لا مكان على خريطة نهجه للسلاح أو للكلاشينكوف، وحدها الكاميرا كفيلة بتصويب التاريخ وكشف الحقائق في أفلامه التي توثّق لوقائع مرّة ولتجارب عايشها أشخاص وخرجوا منها أكثر صلابة وأشد عزما· أفلام تبتعد عن وظيفة التسجيل لتتحوّل فيها المشاهد والشهادات الى شواهد على انتصار اللبنانيين ''للحياة التي أراد العدو اغتيالها فيهم''· بين الوثائقي والتسجيلي نسأله: في معركة الفيلم الوثائقي والتسجيلي، أي مسافة بين الاثنين؟ فيجيب: ترجمة السينما التسجيلية ليست صحيحة او بالأحرى ليست دقيقة علميا· هي السينما الوثائقية او التوثيقية· هناك من يدافع بشكل ميكانيكي عن هذه التسمية ويتبناها، علما انها اختراع عربي ولا وجود له في السينما الغربية· فبين التسجيلي والوثائقي بعد كبير، اذ ان العمل الاول هو محض ميكانيكي، أما الثاني فالخيال والابداع من طبيعته ومن صلبه خصوصا في الارتجال الذي كثيرا ما يتطلبه· الارتجال بمعنى ربط الامور وليس بالمعنى الحرفي للكلمة· اما بين الروائي والوثائقي، فلجان شمعون رأي: الفيلم الوثائقي عمليا هو أصعب من الروائي، لأن الاخير يعتمد على اختصار قصة وفي مرحلة ثانية تقسيمها الى مشاهد محدّدة تبعا للقطات ومن ثم وضع السيناريو وتقطيعه والبحث عن ممثلين، وهذا يريح المخرج وقد جربت هذا النوع في فيلم روائي واحد بمساعدة 40 بين مساعدين وممثلين واقتصر عملي كمخرج على بعض التعديلات الطفيفة فيه· أما الوثائقي فهو عبارة عن فكرة لا تفاصيل فيها، وقد تطالع المخرج اثناء عمله عليها مفاجآت غير متوقعة ويتطلب منه ذلك ان يبقى يقظا في تفكيره وإحساسه، ومستعدا للمناقشة الشخصية او الحدث الذي يدور حوله الفيلم علّه يستطيع نبش أحداث او تفاصيل لم يتم ذكرها وتكون مهمة لايصال الرسالة او اكمال الصورة· انا من عشاق هذا النوع من الافلام لما يحمله من علاقة مباشرة مع الواقع ولبحثه الدؤوب عن الحقيقة· الخيال والواقع وعن مساحة الخيال في الفيلم الوثائقي، يجيب شمعون: انه ليس الخيال بالمطلق· هو الخيال المستشف من الواقع· الوثائقي يصوّرالواقع كما هو ببعده الانساني، وعلى المخرج أن يحدّد الخيارات المتوافرة لديه انطلاقا من اعتبارين متوازيين هما صالح الشخصية المصورة وصالح المجتمع· أنا أعمل دائما على اختيار شخصيات لديها تجارب مميزة في المجتمع، شخصيات تنتصر على عذاباتها وتكمل مشوار حياتها· ويحدد المخرج اللبناني هدفه من العمل السينمائي بالقول: عندما يعيش الانسان في مجتمع مليء بالتناقضات والعذابات ويغيب فيه العدل فإنه سوف يتعذب ولن يكون من السهل عليه التخلص من عذابه· من هنا فإن عرضي لتجارب من هذا النوع في أفلامي هو من قبيل أن تكون مثالا مباشرا أو غير مباشر للناس· أفلامي ليست تربوية، انا اعرض التجارب من خلال اناس عايشوها وفي كل مرة تلقى صدى ايجابيا من الجمهور· وعندما نسأله لماذا يستولد أفلامه من رحم العذابات والحرب، يقول: لأن العذاب يحبط، وبرأيي فإن من يستطيع ان يطوّع عذاباته ليصنع أفقا جديدا لحياته يصبح مثالا لغيره· هذا لا يعني انني لا اعرض احباطات في بعض المرات، الا انني دائما أترك بصيص أمل في آخر الفيلم· مقاومة خاصة وهل يعني ذلك وجها من وجوه المقاومة؟ يجيب: انا أقاوم على طريقتي· معظم افلامي تتحدّث عن الحرب· سلاحي الكاميرا التي توثّق من خلال الصورة وحشية العدو الصهيوني وهمجيته ووحشية الحرب· فمن خلال السينما والفنون عامة نستطيع تعزيز الصمود والانتصار لثقافة الحياة التي يحاول العدو اغتيالها فينا· أما فاعلية هذا السلاح فمن من الممكن أن يكون مؤثرا جدا· ألمس هذا التأثير في مدى تفاعل الجمهور مع أحداث الافلام وشخصياتها يعيد كل عرض أشارك فيه في المهرجانات الدولية، خصوصا منها تلك التي تتناول الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان بحيث تبدأ الاسئلة والنقاشات حول حقيقة اسبابها ومجرياتها وتداعياتها، وهذا ما أريده تماما· وعن التقنيات التي يعتمدها أثناء التصوير لإيصال الرسالة المُرادة، يتحدث شمعون: التقنيات هي عبارة عن مؤثرات شكلية، والمهم هو المضمون· السينما ما هي إلاّ وسيلة للتعبير عنه، وكلّما أحسن المخرج استخدامها وتوظيفها كلّما نجح في التعبير عن المضمون بشكل اكبر· هي لغة قائمة بذاتها عبر الصورة والصوت وهي حسب أحد المفكرين ذات وجهين الجيد والخطر، وأنا أحرص دوما على حفظ الوجه الاول لأنني أؤمن بأن السينما هي أداة لإيصال ما هو مفيد وجيّد للجمهور وليس العكس· وعن موقع السينما اللبنانية اليوم على الخريطة العالمية، يقول شمعون: نشهد اليوم في لبنان تتطورا للسينما قد يكون افضل لو توافر الدعم الحقيقي لها، ان كان على صعيد التمويل أوالانتاج· نحن نعيش مشكلة في لبنان، اذ ان أغلب السينمائيين يضطرون الى التفتيش عن تمويل خارجي لتمويل افلامهم· لا وجود لسياسة دعم بالمعنى المستمر، لذلك فإن تطوير الانتاج السينمائي والوصول الى مدرسة سينمائية لبنانية ما زال بحاجة الى تجربة طويلة· حضور المرأة ولماذا تكون النساء هن بطلات معظم أفلامه او ربما كلّها، يجيب: أنا تأثرت بوالدتي التي ربتنا بعد وفاة والدي· اخذت منها هذه العفوية· هي علمتني بكل براءتها كيف اتعامل مع الناس، كان احترامهم مقياسها الاساسي· المرأة إنسانة مهمة تعمل اكثر من الرجال· هي أساس المجتمع تنجب وتربي ولديها امكانات فكرية وثقافية حتى ولو لم تكن متعلمة· هي منطقية اكثر من الرجل، لأنها تختلف عنه فيزيولوجيا وتتعذّب أكثر منه· العذاب الذي تعيشه المرأة يمنحها تجربة إنسانية في حياتها تجسدها في دورها كأم للعائلة وكمربية· أرى فيها عنصرا أساسيا في المجتمع، تستحق منا أن نضيء على تجاربها بكل تواضع لتكون مثالا'' للآخر· انا اتكلم بشكل عام، لا شك في أن هناك استثناءات لكنها قليلة جدا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©