الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البثنة.. تاريخها في قبورها

البثنة.. تاريخها في قبورها
9 ابريل 2014 20:39
ساسي جبيل صدرت مؤخرا الطبعة العربية الأولى من الكتاب المترجم «قبور ما قبل التاريخ في البثنة» من منشورات «هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام»، وهي للمؤلف بيير كوربود وآخرين، وقد ترجمه من الفرنسية إلى العربية بدر الدين محمود. ترجمة هذا الكتاب وإصداره جاءت بهدف دعم البحوث والدراسات الأثرية بالمنطقة، وذلك للحفاظ على تراثها وتعريف الأجيال بماضيهم وجذورهم الأولى، إذ يكشف الكتاب عن الحفريات المتعلقة بالحجارة والمدافن وما يتعلق بهما من خلال مختلف الآثار التي تم اكتشافها ودراستها بمنطقة البثنة بإمارة الفجيرة وهي منطقة ضاربة في أعماق التاريخ. الكتاب قدم له سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة حيث أكد أنه «يكشف عن مرور حضارات بشرية عديدة على أرض الإمارة أو الاستيطان فيها، كونها تمتاز بموقع استراتيجي خاص ينفتح على البحر من جهة، وتتواصل مع العالم بكل أبعاده، ولقد كانت الفجيرة قبل استقرار التاريخ السياسي الحديث لها كما يظهر لنا جزءا من الحضارة البشرية المتعددة، ابتداء من العصور الحجرية المبكرة وصولا إلى القرون الصناعية الأخيرة، ومن هنا تأتي أهميته كونه يعد أول كتاب مترجم إلى اللغة العربية يخصص لتاريخ الحفريات بالفجيرة». مهَّد هانس آدم (حاكم إمارة لينختنشتاين رئيس مؤسسة سويسرا – لينختنشتاين للأبحاث والآثار بالخارج) للكتاب بقوله إن بيير كوربورد الذي تم تعيينه مديرا لمشروع الأبحاث تمكن بفضل دعم السلطات بالفجيرة من التعرف على 80 موقعا إلى جانب اكتشاف حفريات المدافن التابعة للألفية الأولى قبل الميلاد، وتم إثر ذلك إنشاء متحف مؤقت بالفجيرة يتم حاليا القيام بدراسات لتطويره وتوسيعه. احتوى كتاب «قبور ما قبل التاريخ في البثنة» على 10 فصول تدور حول الإطار العام للدراسة وأنواع القبور والخزفيات والحجارة والأدوات المعدنية والحلي وأدوات الزينة والانتماء النوعي والزمني للقبر، وختم بملخص حول الدراسة استنتج فيه المؤلف الباحث أن قبور البثنة تعود إلى منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد، ويرجع آخر استخدام لها إلى القرن الثاني الميلادي. منطقة البثنة التي تقع في وادي حام، وتحديداً في الجهة التي يتوسع فيها الوادي على سهل صغير تحفه الجبال والمرتفعات، تشتهر بقلعتها المبنية على كتلة صخرية تسيطر على مجرى الوادي في انحداره الغربي، وتتكون الجبال المحيطة بها من صخور متحولة (جابرو وجرنايت) مع صخور الأفيوليت في شكل قطع مكسرة. وصف الكتاب القبور وأنواعها المختلفة بشكل مفصل ودقيق من حيث الشكل والعمق والممرات والموجودات الأثرية بها والمدافن والآثار العالقة بها مثل شظايا العظام البشرية ونسبها إلى فترات زمنية مختلفة منذ العصر الحجري، كما قدم فرضيات حول طريقة بناء القبر وتغطية المعالم الأثرية. وعرض لأنواع الخزف وشرح خصائص كل نوع وفترته الزمنية، ووصف المواد المصنعة من الحجر الرخو، إضافة إلى الجرار والأواني وأغطيتها، وكل هذه الآثار الدالة تمت دراستها وتحديد تاريخ وجودها وأهم خصائصها. تحكي الآثار التي تناولها فريق التنقيب في الحفريات والبحوث والتحاليل العلمية الدقيقة عن تاريخ المنطقة الذي يؤكد على طبيعة الحياة البشرية منذ قرون سحيقة من خلال الأواني الخزفية والحلي والزينة والمزهريات والجرار والصدف والعظام البشرية والمدافن والقبور والحجارة، وفصل الباحثون القطع التي تم اكتشافها حسب الشكل والمميزات والخصائص، وقد جاءت الدراسة مرفقة بصور موضحة للموضوع ومفصّلة له من مختلف الجوانب مع رسومات بيانية وجداول للأحجار والمواقع والموجودات التي تم العثور عليها. الكتاب تناول بشكل علمي أكاديمي صارم منطقة البثنة وآثارها التاريخية، انطلاقا من القبور هذه التي حملت حيوات كثير من الذين عاشوا على هذه الأرض منذ تاريخ بعيد غابر، وساعدت أعمال مؤسسة سويسرا لينختنشتاين في إمارة الفجيرة منذ العام 1987 بعد الاكتشافات الأثرية التي أشار لها البروفيسور بيرقير دو ناشتال على خروج هذه النتائج والتحاليل إلى النور، مستعرضة أهم النتائج التي تتلخص فيما يلي: قبور المنطقة المسطحة كانت الدراسة الأولى لثلاثة قبور في المنطقة المسطحة في قمة التل، لا تبعد عن بعضها البعض، وتم العثور فيها على بعض القطع الخزفية، ورجح الخبراء أن تكون من العصر الحديدي. كما تم العثور على ثلاث شظايا عظام بشرية متناثرة، وكسرة فخارية عليها دهان أسود وشظية من النحاس، وإذا كانت بعض القطع الموجودة لا تحدد تاريخا معينا لها إلا أن الباحثين رجحوا عدم انتسابها للفترة الإسلامية، وعادوا إلى الخصائص المعمارية للبناء، وبعد مقارنة هندسية بين قبور سلطنة عمان (مدافن سمد) وقبور دولة الإمارات (قبور منطقة البثنة) تبين أنها متقاربة. وتعود المدافن إلى فترة سمد (المعاصرة تقريبا لفترة أواخر ما قبل الإسلام بالإمارات) وأطلق عليها الباحثون أواخر العصر الحديدي (من 200 قبل الميلاد إلى 700 ميلادي). وأشاروا إلى أن عدد قبور الإمارات التي كتب عنها والتي تشبه قبر البثنة محدود جدا، إذ إن قبر شمل بإمارة رأس الخيمة، مثلا، وجد فيه خزف من نوع وادي سوق، كما أشار إلى ذلك كاستنر وآل، وأنه من بين القبور الفردية المدفونة التي تم تنقيبها في السميح التابعة لإمارة رأس الخيمة والتي لا تبعد غير 24 كيلومترا عن البثنة عثر على موجودات دفن تنتمي إلى أواخر ما قبل الإسلام، وهكذا تم تحديد تاريخ قبور البثنة بالألفية الثالثة قبل الميلاد وحتى بداية الألفية الأولى ميلادي. كما أن بعض قبور وادي القور بإمارة رأس الخيمة تشبه قبور البثنة فيما يتعلق بطريقة بناء جدار الغرفة ونظام تغطيتها. القبر الطويل القبر الطويل هو المدفن الأكثر أهمية في قبور البثنة حيث أشار ركام حجارة عديمة الشكل إلى وجوده، وقد بني بطريقة متقنة للغاية بواسطة جدران دعم من حجارة ناشفة متجانسة وواجهات داخلية منتظمة وداخلة نحو الأعلى، ومن الخصائص الأثرية لهذا الهيكل الأثري أنه قبر مدفون له غرفة دفن طويلة يتم الدخول إليها عن طريق ردهة وممر، وهو يشبه حرف (T) حيث يمثل الجزء العلوي الجزء الأساسي من القبر، ويتكون من غرفة دفن متكونة بدورها من ممر وأطراف مستقيمة بجناحين شمالا وجنوبا مرتبطين بالمنطقة المركزية التي تتوسطهما ومنها ينشأ عموديا ممر الدخول للقبر، ويكمل ممر الدخول ممر آخر يطل على الخارج وهو الردهة كما عرفها خبراء التنقيب في المكان. الخزف تعرض الكتاب في فصل كامل للخزف إذ تم تجميع ما يقارب 5000 قطعة بما يعادل خمسن كيلوجراما من قبر واحد تمت دراسته وهو القبر الطويل، وبعد تركيب وترميم هذه الموجودات تم التعرف على ستين شكلا متكاملا، وتمت دراسة 47 قطعة بأشكال مختلفة وزخارف خاصة وهو ثلث الموجودات الخزفية في القبر الرابع المعروف بالقبر الطويل، وبعد تحليل هذه المواد نسبها الخبراء إلى العصر الحديدي مع وجود بعض القطع الحديثة التي يعود تاريخها إلى أواخر ما قبل الإسلام. وقسمت البعثة الأثرية السويسرية خزف العصر الحديدي إلى مجموعتين هما: المواد الخزفية لفترة [رميلة1] والمقسومة إلى [رميلة أ] و [رميلة ب]، والمواد الخزفية لفترة [رميلة2] (المرحلة أ و ب و ج). تتطابق هذه المجموعات مع فترة الاستيطان في موقع مساكن رميلة الذي يعتبر الموقع الوحيد ذا الطابع العماني حيث أمكن دراسة طبقات الأرض، وهاتان الفترتان بحسب الدراسة تتابعتا من دون انقطاع من (1300 إلى 1350و 300 إلى 350) قبل الميلاد، ولذلك كانت دراسات موقع رميلة مرجعا لدراسة خزف البثنة مثلما توصل إلى ذلك الأثريان يوشارلات ولومبارد عام 1985. وينقسم هذا الخزف إلى ثلاثة أنواع هي: العام والناعم والخشن، وينقسم الخشن بدوره إلى: الخزف الرمادي الشبيه بالحجر الرخو والخزف الرمادي المغلف بقوة والخزف البني المنقوش والخزف المدهون الأملس، ولكل نوع منها خصائصه. وقد قام المشرفون على الدراسة بمقارنات على القطع المتوفرة مستنتجين أن الغالبية العظمى من المواد التابعة لفترة أواخر ما قبل الإسلام توجد في الطبقات العليا من الجناح الجنوبي للمدفن باستثناء قطع صغيرة من جرة مصنوعة من الخزف الأصفر وبعض القطع المتناثرة من بقية القبر ونواحيه القريبة، ولاحظوا ندرة الخزف التابع لما قبل الإسلام الحديث في الممر والردهة، وقد تم تجميع العناصر الرئيسية من قطاع أو قطاعين محوريين، وكمثال على ذلك قارورة من الخزف المزجج تم العثور على قطعها الخمسين في أقل من متر مربع، كما لوحظ توزع خزف فترة ما قبل الإسلام الحديثة بتوافق لعزله عن بقية الخزف المجمع. مواد من الحجر الرخو تم جمع 432 حجرا رخوا بوزن يبلغ في مجمله 26,5 كيلوجرام، وبعد القيام بدراسة مقارنة بالاعتماد على عينات من القطع بعد ترميمها تبين أن لها أهمية على المستوى الطوبوغرافي، وتم تركيب 32 إناء و12غطاء، وأكد بيير كوربود وفريق العمل بعد فحص نظري ميكروسكوبي للمواد أن هناك 5 أنواع من الحجر الرخو، مادتان منها خضراء فاتحة من ذرات خشنة وأخرى ناعمة ومادة خضراء غامقة من ذرات ناعمة ومادة رمادية خضراء من ذرات متوسطة ومادة متنوعة ضاربة في البياض، بني رمادي وأخضر غامق من ذرات متوسطة. وتم حصر 195 قطعة من هذه المواد منها 99 كوبا بصنبور (مسكبة) و68 مزهرية بأطراف متقاربة وصندوقان مربعان و10 أغطية، ويظهر على ما يقارب نصف القطع التي تم العثور عليها عمليات صقل تكون في الغالب على الواجهة الخارجية وأيضا على الواجهة الداخلية، كما تحمل العديد من المواد آثار الأدوات التي استخدمت في تشكيلها، واستطاع فريق البحث تحديد ستة أماكن بالفجيرة لتسوية الحجر الرخو: ثلاثة بوادي الفي الواقع شمال الإمارة وثلاثة بوادي حام (اثنتان ببليدة وواحد بالبثنة)، وتبين من خلال البحوث التي أجراها هيلين ديفيد في شبه جزيرة عمان أن مصادر المواد الأولية متعددة وتكون في الغالب قريبة من المواقع، كما تم اكتشاف ورشة للمواد الخام في ميسر (مثلما توصل إلى ذلك وزغربير عام 1981) والتحليلات التي أجراها على مواد من منطقتي شمل وغليلة برأس الخيمة. الموجودات المعدنية أغلب الموجودات التي تم العثور عليها في القبر الطويل بالبثنة من النحاس وسبائكه ومن الحديد، ودرة واحدة متآكلة جدا كانت من معدن آخر في الغالب الأعم من خليط النحاس وتم تقسيمها إلى موجودات العصر الحديدي والعصر الإسلامي. وكانت موجودات العصر الحديدي ذات حجم صغير وهي في الغالب قطع مكسرة عبارة عن حطام أحيانا، ولم يتم العثور على موجودات بأحجام كبيرة مثل الأوعية أو الأسورة أو الأسلحة باستثناء كسرة من طاسة من صفيح النحاس، ويرجح أن تكون الموجودات المهمة قد تمت استعادتها من قبل من قاموا بنهب القبور حيث كانت الاعتداءات على المدافن هي القاعدة خلال فترة ما قبل التاريخ، فالقبور التي عثر عليها في البثنة منهوبة في حقب معينة من التاريخ جزئيا أو كليا. أما الموجودات الحديدية فلم تتعرض إلى تغييرات سريعة بمرور الزمن لأن مدة بقاء وعاء معدني أطول من بقاء أي نوع من الخزفيات، حيث إن موجودات البثنة من الحديد أو السبائك لم تتعارض مع الانتماءات التسلسلية المقترحة بمساعدة نوعيات أخرى من الموجودات، إلا أن رؤوس السهام المزخرفة التي تم العثور عليها هي ما أربك قليلا الخارطة التسلسلية، وكذا بالنسبة لبعض الأنواع من الحجر الرخو. عناصر الزينة والحلي المدفن الرابع الذي تمت دراسته تشكل فيه الحلي والزينة نسبة قليلة بالمقارنة مع الموجودات الكثيرة من الخزف والحجر الرخو، إذ تم حصر 120 من الدرر من مواد مختلفة هي عبارة عن أزرار من المحار والعاج والحجر والجواهر وقرط من العقيق الأحمر ووجد أغلبها في الجناح الجنوبي للمدفن، وقد تم في الفصل السابع من كتاب (قبور ما قبل التاريخ في البثنة: إمارة الفجيرة) الإشارة إلى الموجودات من الحلي والزينة من خلال تناول الأزرار من الحجر والمحار ومجوهرات الصدف وخرز الحجر والمواد الأخرى. أهم نتائج البحث خلص البحث إلى عرض مجموعة من النتائج التي توصل إليها فريق البحث والتي مفادها أن دراسة موجودات الحجر الرخو ساعدت على إثبات بعض العلامات المميزة لنهاية فترة وادي سوق (من ذلك المزهرية المعلقة وهي إحدى أبرز المميزات المماثلة لهذه الفترة، فملمحها وزخرفها الذي هو عبارة عن دوائر منقطة ونوعية الحجر الأخضر الغامق الذي نحتت منه يعتبر نموذجا تقليديا لمواد النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد)، كما تم العثور على أربع قطع أخرى تحمل العلامات الخاصة لتقليد قديم مثل الطاسة والمزهرية والغطاء المنخفض المقبض والغطاء المربع، حيث إن زخارف كل هذه القطع هي عبارة عن دوائر منقطة بسيطة أو مزدوجة مع رسومات أسنان منشار يحدها خطان، وهذا النمط الأخير كان معروفا في التقاليد الزخرفية المنتمية للقرون الأخيرة لفترة وادي سوق. كما تؤكد أزرار الصدف وجود مواد قديمة تنتمي كلها إلى النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد، وتأتي الأزرار المزخرفة لتؤكد هذا الانتماء، كما تدل تنقيبات شمل بإمارة رأس الخيمة على أن تاريخ رؤوس السهام المزخرفة يرجع إلى نهاية فترة وادي سوق مع ذلك كانت هناك موجودات تنتمي إلى سياقات العصر الحديدي أكثر من انتمائها إلى فترة وادي سوق. وخلص الباحثون في نهاية دراستهم إلى أن الجزء الأكبر من الموجودات ينتمي إلى فترة العصر الحديدي وتجسد ذلك في الحجر الرخو على وجه الخصوص وأنماط الزخارف والشكل والمواد الأولية المستخدمة ولكل منها نظائر وجدت في العديد من المواقع وتعود إلى العصر الحديدي، والتغيير الوحيد الذي لوحظ من قبل بعثة الآثار السويسرية في البثنة يتمثل في ظهور أنواع وأشكال جديدة من الخزفيات مع ندرة لبعض الأنواع من الأوعية مقارنة بموقع رميلة، حيث إن نسبة الخزفيات المطلية فيه أضعف منها بكثير، وبذلك فإن البثنة التي وجد بها 50 وعاء من الخزف المطلي معظمها بالجناح الشمالي للمدفن وغائبة تماما في المستويات الدنيا في الجناح الجنوبي، فالخزفيات التي تشبه الحجر الرخو والخزف الرمادي المنقوش والتي سجلت غيابا في الجناح الجنوبي نستطيع نسبها إلى غالبية الخزف المطلي أي إلى فترة رميلة، وهكذا يصعب نسب أي قطعة من موجودات البثنة بصورة مؤكدة إلى هذه الفترة بالتحديد. والمؤكد أن خزفيات البثنة يرجع تاريخها إلى رميلة 2 حسب نوع شكلها وعجينتها وموقعها الحيزي والطبقاتي في المدفن، وهي المتمثلة أساسا في الخزف بدهان أملس والخزف البرتقالي والخزف العام والخزف الناعم والخزف الخشن والخزف البني المغلف. ورجح الخبراء والدارسون لموقع قبور البثنة أن فترة ما قبل الإسلام وأواخر ما قبل الإسلام تحديدا تعتبر فترة معروفة بالخزف والمعدن وعناصر الزينة، وهي الموجودات التي تم وضعها خلال مرحلة واحدة داخل القبر أثناء الدفن، ذلك أن القطعة الأكثر أهمية من بين موجودات قبور البثنة هي الجرة الكبيرة المصنوعة من الخزف المطلي، وقد تم العثور على قطع أخرى مماثلة لهذه الجرة في مواقع مليحة والدور في المستويات التي يرجع تاريخها من القرن الأول الميلادي إلى القرن الثاني مثل إبريق صغير وطاسة من الخزف المطلي وجرتين وجميعها تتطابق مع العقدين الأول والثاني الميلاديين، وهي تسمح بربط تاريخ هذا الفن بفترة أواخر ما قبل الإسلام. الانتماء الطوبوغرافي والتسلسلي للقبر ما يعرف في البثنة بالقبر الرابع كما حددته الدراسة هو قبر جماعي طويل ومدفون على شكل ممر، ويعود تاريخ بناء هذا القبر مثلما يرجح الخبراء إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، ويرجع آخر استخدام له إلى القرن الثاني الميلادي، وعليه فإن المقارنات التي تم القيام بها في هذا البحث تمت في إقليم يمتد من شمال دولة الإمارات العربية المتحدة وحتى سلطنة عمان وشمال المملكة العربية السعودية، وتم التعرض إلى العديد من المقابر والمواقع في هذه المنطقة وهندستها، مستعرضين مقارنات مع قبر شمل وقبر عجمان وقبر الهيلي بأبوظبي وقبر القصيص بدبي وقبر القطارة بأبوظبي وقبر الداية 2 برأس الخيمة مع استنتاج الخصائص الفريدة لقبر البثنة ليصلوا إلى نتيجة مفادها أن قبر البثنة ليس له مماثل في كل المدافن التي تم التنقيب فيها في دولة الإمارات العربية المتحدة. في المحصلة يمكن الاستنتاج في المحصلة أنه خلال المسوحات الأثرية لمنطقة البثنة تم اكتشاف العديد من المواقع الأثرية لفترة ما قبل تدوين التاريخ، ويقع الجزء الأكبر من هذه المواقع في الجزء الجنوبي من سهل البثنة حيث وفرة المياه كما تشهد على ذلك أشجار النخيل اليوم، حيث إن إقليم البثنة - الذي كان عدد المستوطنات البشرية فيه قليلا نوعا ما- استطاع أن يكون مركز جذب للمجموعات البشرية العاملة في قطاع الزراعة، كما أن موقعه عند منتصف ارتفاع الوادي جعل منه مركزا تجاريا بين طرفي شبه الجزيرة العربية. والمقابر موضوع الدراسة في هذا الكتاب تمت إثر اكتشاف هذه المقابر العام 1987 بفضل العثور على بقايا أثرية كانت على سطح الأرض لذلك انطلقت أعمال التنقيب استباقا للتهديم المحتمل بسبب توسعات القرية الحديثة، وقد تمت دراسة قبرين فرديين (استخدمت لدفن شخص واحد فقط) في أعلى تل البثنة وقبر ميغاليثي طويل على ممر منحدر بالقرب من أعلى التل، وقبر صغير لطفل يشبه بناؤه بناء القبور الفردية القريبة من القبر الطويل الشكل. ولعل التركيز الأكبر في هذا الكتاب المرجعي كان حول القبر الطويل المشيد على شكل ممر إذ يمثل هذا القبر الأثر الأبرز في مدافن ما قبل التاريخ بالبثنة، وهو وإن كان قريبا من كثير من المعالم الأثرية بدولة الإمارات، إلا أنه مختلف من حيث الهندسة، وشكل في حد ذاته تشكيلا هندسيا مستقلا على مستوى العالم، وهو من القبور المدفونة التي عوضت قبور السطح في نهاية عصر وادي سوق وحتى بداية العصر الحديدي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©