الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سِقْط اللِّوَى···عصر الرواية

سِقْط اللِّوَى···عصر الرواية
24 يوليو 2008 00:21
كثيراً ما ترُوج المفاهيم والمصطلحات بين المتعاملين دون أن يلتفت أحدٌ إلى أصل المصطلحات الدائرة في الاستعمال، على الرغم من أنّ ذلك قد يكون مفيداً لدى التأسيس والتّأصيل· ولذلك حاولنا أن نعود في أحد كتبنا إلى تِبيان العلّة الاشتقاقيّة في أصل استعمال لفظ ''رواية'' فتبيّن لنا أنّ مادة ''روى'' في اللغة العربية، تعني جرَيان الماء، أو وجودَه بغزارة، أو نقْله من حال إلى حالٍ أخرى··· من أجل ذلك ألفَيناهم يُطْلقون على الْمَزَادَة الرَّاوِيَةَ؛ لأنّ الناس كانوا يرْتَوُون من مائها؛ كما يطلقون على البعير الرّاوية أيضا لأنه كان ينقل الماء، فراعَوْا هذه العَلاقة· كما أطلقوا على الشخص نفسِه الذي يستقي الماء، هو أيضا، الراوية· ثم جاءوا إلى هذا المعنى فأطلقوه على ناقل الشِّعْر فقالوا: راوية؛ وذلك لتوهُّمهم وجودَ عَلاقة النقل أوّلاً، ثم لتوهّمهم وجود التشابه المعنويّ بين الرِّيِّ الرُّوحيِّ الذي هو الارتواءُ المعنويّ من التلذُّذ بسماع الشعر أو استظهاره بالإنشاد، والارتواءُ المادّيّ الذي هو الْعَبُّ في الماء العذْب البارد الذي يقْطَع الظّمَأ، ويَقْمَع الصَّدَى· والرواية من حيث هي جنسٌ أدبيّ متفرِّدةٌ بذاتها، بحيث إنّها ليستْ، بالفعل، أيّاً من الأجناس الأدبيّة الأخرى مجتمعةً أو منجّمَةً؛ فهي طويلة الحجم، ولكن دون طول الملحمة غالبا؛ وهي غنيّة بالعمل اللغويّ؛ ولكن يمكن لهذه اللغة أن تكون وسطا بين اللغة الشعريّة الرفيعة، وبين اللغة السوقية التي هي لغة المسرحية المعاصرة؛ وهي تعوّل على التنوّع والكثرة في الشخصيات فتقترب من الملحمة دون أن تكونها بالفعل حيث الشخصياتُ في الملحمة أبطالٌ؛ وفي الرواية كائنات عاديّة، بل كائنات من ورق كما يزعم طودوروف وجينات؛ وهي تميز بالتعامل اللطيف مع الزمان والحيز والحدث: فهي، إذن، تختلف عن كلّ الأجناس الأدبيّة الأُخَرِ، ولكن دون أن تبتعد عنها كلّ البعد· ذلك بأنّ مسألة التمييز بين الأجناس الأدبيّة أمستْ نسبيّة جدّاً، وقد ارتفعت أصوات كثيرة في فرنسا وغيرها تنادي بضرورة إزالة الحدود بين هذه الأجناس··· ولعلّ الذي ظاهَرَ الروايةَ على الرَّواج الشديد أنّ النفس البشريّة تميل إلى الحكي، وإلى التطلّع إلى معرفة أسباب الحكْي، خصوصاً حين يرتبط هذا الحكيُ بقضايا عاطفيّة تجعل عناية المتلقّي شديدة المتابعة، ومن ثَمّ متحسّسة كلّ التحسّس في التّأثّر والانفعال· يضاف إلى ذلك سهولة تحويل الأعمال الروائيّة إلى أفلام سينمائيّة، يضاف إلى كلّ ذلك أيضاً سهولة لغة الرواية ووضوحها بالقياس إلى لغة الشعر المكثّفة المضبّبة··· كلّ أولئك عوامل، وما لم نذكر أكثر، أفضَيْنَ إلى انتشار الأدب الروائيّ في هذا العصر فأصبح يمثّل الجنس الأدبيّ الأوّل من حيث الرواجُ، بامتياز؛ ولاسيّما في المجتمعات الغربيّة حيث ربما يُطبعُ من الرواية الواحدة الرائجة ملايينُ النسخ فتَنْفَدُ في زمن قصير···
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©