الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

90 ? من البيوت المغربية تشغل قاصرات بالخدمة

90 ? من البيوت المغربية تشغل قاصرات بالخدمة
28 سبتمبر 2009 01:33
تثير ظاهرة عمل الطفلات كخادمات بالبيوت جدلا واسعا في المغرب لا سيما بعد حوادث التعذيب واساءة المعاملة التي تعرضت لها قاصرات في بيوت مشغليهن خلال الفترة الأخيرة، ورغم الجهود التي تقوم بها وزارة التنمية الاجتماعية والبرنامج الدولي للقضاء على تشغيل الأطفال بالمغرب، من أجل تعبئة المجتمع لمحاربة تشغيل الطفلات كخادمات بالبيوت، لا يزال استغلال القاصرات في خدمة البيوت منتشرا في المغرب حيث تؤكد جمعيات حقوقية أن 90? من البيوت المغربية تشغل قاصرات تتراوح أعمارهن ما بين الثانية عشرة والثامنة عشرة. وفي ظل غياب آلية لمراقبة العمل في البيوت ومنع تشغيل الخادمات الصغيرات يستمر استقطاب فتيات صغيرات من القرى والأرياف للعمل عند المشغل الأكثر سخاء بمساعدة وسطاء يعملون على اقناع آباء الخادمات، ورغم أن قانون العمل يمنع تشغيل الأطفال إلا أن السلطات تفتقر الى قوانين وآليات عملية تمكنها من دخول المنازل لضبط الواقعة ومنع عمل الصغيرات كخادمة ومعاقبة المشغل لتظل آلاف من الخادمات القاصرات يعانين في صمت. ويستغل المشغلون صغر سن الخادمة لوضع شروط العمل وفق إرادتهم، وفي غياب من يطالب بحقها يفرض المشغلون على الخادمة الصغيرة القيام بأعمال شاقة والعمل المتواصل لساعات طويلة مقابل أجر زهيد لا يتعدى 600 درهم (75 دولارا)، واذا كان تأثير سنوات الجفاف والهجرة الى المدن والفقر والأمية أسبابا رئيسية في قبول القرويين تشغيل بناتهم في خدمة البيوت فإن تهافت المشغلين على الخادمات الصغيرات رغم قلة خبرتهن في الأعمال المنزلية يرجع الى رغبتهم في استغلالهن دون الخوف من الملاحقة القضائية اذا تعرضت لتعنيف لفظي أو جسدي، كما أن الخادمات الصغيرات لا يطالبن بعطلة نهاية الأسبوع أو بالذهاب إلى قراهن بين الفينة والأخرى. ويعتبر جشع آباء الخادمات الذين ينظرون الى بناتهن على أنهن مورد رزق عاملا أساسيا في وجود مئات الآلاف من القاصرات داخل بيوت الميسورين، ويتم نقل الخادمات الى المدن بالسيارات القادمة من القرى التي تحمل الخضر والفواكه، ويعمل السماسرة على توزيعهن وفق طلبات الزبائن، ويحرمن من التعليم والطعام الملائم والرعاية الصحية، ويتعرضن للضرب من أجل الانصياع إلى الأوامر، أو للاحتجاز داخل البيوت، أو رفض دفع أجور الراغبات في ترك العمل، من أجل إجبارهن على الاستمرار في العمل ضد إرادتهن. معاناة صامتة تقول خديجة التي استقدمت من قرية نائية من منطقة سوس للعمل كخادمة في أحد البيوت بالرباط إنها تقوم بمهام الكنس والتنظيف وحضانة الأطفال خلال الفترة الممتدة من السابعة صباحا الى منتصف الليل سبعة أيام في الأسبوع، ورغم إتقانها للأعمال المنزلية إلا أن ذلك لا يحميها من المهانة التي تتعرض لها بشكل يومي. وتشير الى أن ربة البيت تتصيد لها الأخطاء لتعذيبها بالكي والمنع من الأكل والنوم، وإضافة إلى أخطائها البسيطة تتحمل خديجة مزاج مشغلتها التي تفرغ غضبها بتوجيه الشتائم وركلها في مناطق حساسة من جسمها، إلى غير ذلك من أشكال المعاناة تجاوز أنينها الجدران ووصل الى مسامع الجيران، فتم انقاذها من براثن هذه المتسلطة. وتقول :»حين أنسى الطعام على النار أو اغسل الملابس بالكلور أو أتأخر في تلبية النداء تحبسني في الحمام طوال الليل بدون غطاء أو وسادة، وحين تكون راضية عنها تسمح لي بالخروج للنزهة مع العائلة مرة واحدة في الشهر ومشاهدة سهرة السبت على التلفزيون وتشتري لي الملابس المستعملة في العيد وتكرمني بالطعام الكثير عكس فترات غضبها التي لا أتناول فيها غير بقايا الطعام». وتضيف هذه الطفلة الصغيرة التي حرمت من الاستمتاع بطفولتها ومتابعة الدراسة مقابل راتب 600 درهم (75 دولارا) أن مشغلتها ترسلها للتبضع في الليل كما أنها لا تتوانى عن تركها مع أطفال ذكور أكبر منها في المنزل لساعات. ولم ترى خديجة أحدا من أفراد أسرتها منذ ثلاث سنوات إلا والدها الذي يأتي لأخذ الراتب كل شهرين إضافة الى بعض الهدايا من ملابس مستعملة ومواد غذائية. وتقول خديجة التي بدأت تعمل في سن الثامنة وتنقلت حتى الآن بين عائلتين، إن والدها عاطل عن العمل وله زوجتان أنجبتا له 8 فتيات و6 ذكور يعملون جميعا في مهن مختلفة. وتمثل خديجة نموذجا من حالات عديدة لخادمات تعرضن لممارسات لا إنسانية داخل بيوت مشغليهن، وصلت لدرجة التحرش والاعتداءات الجنسية من طرف المشغل أو أبنائه، وحين تعجز الضحية عن تقديم شكاية بخصوص ما تتعرض له تبقى فرص نجاة هذه الخادمة مرهونة بشجاعة الجيران أو بواب العمارة أو البقال أو أحد المطلعين على معاناتها في ظل تملص عائلتها من المسؤولية واستغلالها للراتب الشهري. محاربة تشغيل الصغيرات تعتبر ظاهرة تشغيل الطفلات كخادمات ظاهرة متجذرة في المجتمع المغربي منذ زمن بعيد حيث كانت الأسر الميسورة تجلب طفلة صغيرة من الأرياف الفقيرة وتتعهد بتربيتها نظير مساعدة أسرتها، وتبقى الفتاة في خدمة العائلة الى حين يتم تزويجها بالسائق أو الحارس وهكذا تضمن العائلة بقاء الخادمة معها مدى الحياة. ورغم تطور المجتمع إلا أن هذه الظاهرة ظلت متوارثة بين الأجيال حيث تفضل العائلات المغربيات الخادمة الصغيرة على البالغة بسبب الفرق الكبير في الراتب بينهما ولأن الطفلة الصغيرة تعمل بجد ونشاط عكس الكبيرة التي راكمت تجارب عديدة وتمرست في هذه المهنة، كما ان ربة البيت ترتاح لعمل الطفلة الصغيرة أكثر من البالغة لأنها لا تشكل خطرا عليها. وأطلقت وزارة التنمية الاجتماعية مؤخرا حملة للتحسيس بخطورة ظاهرة تشغيل الخادمات الصغيرات وخلق تعبئة وإحداث نظام لليقظة ومحاربة هذه الظاهرة، ويضم برنامج الحملة عدة أنشطة من بينها تنظيم حملة تحسيسية لفائدة الخادمات الصغيرات وأسرهن في القرى والأرياف الفقيرة وبث وصلات اشهارية في وسائل الإعلام وملصقات، وتنظيم قافلة تجوب الجهات الأكثر تصديرا للخادمات الى المدن. لكن باحثين مغاربة أجمعوا على هذه الحملة غير كافية للحد من الظاهرة وأكدوا أن هناك فراغا قانونيا وتشريعيا واضحا فيما يتعلق بتنظيم الخدمة المنزلية، وكشفت الدراسات الميدانية وأعمال الخبراء التي جرت في هذا الصدد عن ضعف آليات الحماية والمساعدة القانونية وبرامج التوعية وإعادة التأهيل في مراكز الاستقبال الخاصة بالأطفال التي أنشئت في محاولة لإعادة الكرامة للطفلات ضحايا الاستغلال وسوء المعاملة، حيث أثبتت هذه الدراسات أن المراكز لا تستطيع استيعاب جميع ضحايا سوء المعاملة وتأهيلهم، وأشارت الى أن تعاون كافة مكونات المجتمع على خلق مشاريع مدرة للدخل قادرة على توفير المبلغ الشهري الذي تجلبه الابنة الخادمة وتقليل الفقر في المناطق الريفية، وتفعيل قوانين الشغل والتمدرس الإجباري ومنع السمسرة، وكافة أشكال الوساطة بين الآباء والمشغلين، كفيلة بالقضاء تدريجيا على عمل الصغيرات في خدمة المنازل. وترسل الفتيات اللاتي يهربن من أصحاب عمل مسيئين إلى مراكز ومؤسسات حكومية، حيث يتلقين العلاجات الطبية النفسية والاجتماعية الضرورية قصد إعادة تأهيلهن نفسيا واجتماعيا، وذلك بالتنسيق مع خلايا الاستقبال الموجودة بمستشفيات الأطفال التي يعمل بها فريق من أطباء الأطفال وأخصائيون نفسانيون ومساعدات اجتماعيات، وتدرس ملفات الخادمات ضحايا سوء المعاملة التي تحتاج إلى التدخل القانوني ويقدم لهن الدعم القانوني اللازم لإنصاف حالات ضحايا سوء المعاملة. قانون جديد ينظم الخدمة في البيوت أحالت وزارة التضامن والأسرة المغربية مؤخرا مشروع قانون يحدد شروط العمل في البيوت على الحكومة والبرلمان للمصادقة عليه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وستصبح لخادمات البيوت والمربيات لأول مرة بموجب القانون الجديد عقود عمل مع المشغل يحدد فيها الأجر الذي لن تقل عن 50 في المائة من الحد الأدنى للأجور، والراحة الأسبوعية التي لن تقل عن 24 ساعة إضافة إلى عطلة سنوية مدفوعة الأجر كل ستة أشهر. وتطمح الوزارة أن يساعد القانون الجديد في تحسين ظروف عمل الخادمات وينهي جدلا في الأوساط الحقوقية التي تتهم الحكومة بالتغاضي عن تجاوزات تتعرض لها الخادمات في البيوت. ويعاقب القانون الجديد المشغلين الذين يوظفون أشخاصا تقل أعمارهم عن 15 سنة، أو الذين لا يحصلون على ترخيص من ولي أمر الخادمة إذا كان عمرها يتراوح ما بين 15 و18 سنة. ويسري قانون خدم البيوت على جميع العمال في البيت بمن فيهم المكلفين بالنظافة والحراسة والسيارة والبستنة وتربية الأطفال والطبخ، وحتى سائق السيارة لأغراض البيت تم دمجه في إطار ما أصبح يعرف بمشروع. ويعطي القانون للمشغل إمكانية إخضاع العامل لفترة اختبار تمتد إلى شهر قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، غير أن القانون يجبره على تسوية الوضعية القانونية للعامل وتحديد كافة الشروط في عقد العمل.
المصدر: الرباط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©