الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لأنني لا أفهم

لأنني لا أفهم
28 سبتمبر 2009 01:34
لي تعاملات كثيرة جداً مع المخرجين التلفزيونيين والسينمائيين لإعداد نصوص لي في صيغة درامية. أقول إن لي تعاملات كثيرة لكن شيئاً لم يخرج للنور تقريباً أو قط.. هناك أسباب عديدة لهذا، لكن أهمها في رأيي هو إصرار المخرجين على أن السينما عالم معقد متشابك، وأنني لا أعرف عنه شيئاً. أقبل هذا في تواضع، ونجلس لقراءة العمل في مقهى وسط البلد، فأقترح أن يكون مشهد فلاش باك تستعيد فيه البطلة ما حدث لها أمس، هنا ينفث المخرج دخان سيجارته في وجهي ويقول: -»أنت تقرأ الكثير عن السينما، لكن دعني أؤكد لك أن التنفيذ يختلف كثيراً.. عليك أن تنسى كل ما قرأته من كلام نظري».. أبتلع ريقي، وأقترح أن تكون هناك لقطة للبطلة وحدها في غرفتها تفكر، فيصيح: -»صعوبات انتاجية!.. أنت لا تدرك مدى الصعوبات الإنتاجية في مشهد كهذا»! أقترح ألا تفكر البطلة، لكنه مصر على أن هذا يكلف الكثير من المال.. أقترح عليه ألا تجلس البطلة في غرفتها بل في الشارع، فيقول في ضيق: ـ»هذا يتطلب مئات التصاريح للتصوير في الشارع»! أما عن النص نفسه فلابد من التدخل .. في رأيي أن القصة متكاملة، لكنه يرى أنها غير مناسبة سينمائياً.. هناك شخصية مهمة اسمها (عفاف).. لابد من حذف (عفاف) هذه.. ليكن. نحذف (عفاف).. يصر على إدخال شخصية اسمها (هدى) وشرير اسمه (عباس).. الرؤيا الدرامية تحتاج إلى هذا. البطل والبطلة يهربان في شبكة مترو الأنفاق.. يرى هو أن هذا المشهد غير مناسب سينمائياً.. ـ»أنت لا تفهم هذه الأشياء .. سوف نجعل البطل و(هدى) يهربان عبر شبكة الترام».. ـ»ومعهما الميكروفيلم طبعاً»؟ ـ»الميكروفيلم ليس جميلاً سينمائياً.. سوف نجعل ما يهربان به تمثالاً فرعونياً عتيقاً».. وهكذا يتدخل في كل شيء ويغير كل شيء.. كل شيء معقد وصعب وأنا لا أفهمه.. في النهاية أكتشف أن ما صار له العمل هو عمل جديد تماماً لا علاقة له بما كتبته، لدرجة أنه يوحي لي بقصة جديدة مثيرة! إنهم محترفون حقاً.. وأنا الذي ظننت أنه يتدخل لمجرد الحاجة الطفولية للظهور، وأن يشعر بأنَّ التأليف لعبة أطفال يستطيع أي واحد أن يقوم بها... النتيجة هي أن العمل يتغير بالكامل، والأهم أنه لا يجد طريقه للشاشة أبداً، فإذا اتصلت بالمخرج أسأله عن سبب تعثر المشروع، قال لي: ـ»المنتجون غير راضون عن هذا السخف.. مطاردة عبر شبكة الترام وتمثال فرعوني مسروق! المشكلة هي أنَّ المؤلفين لا يفقهون أي شيء عن فن السينما.. هذه هي الحقيقة المؤسفة»! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©