الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأسر السورية ومغامرة الهرب إلى الأردن

29 مارس 2012
ترتجف "أم الدين" وهي تصف الليلة الباردة التي وصلت فيها وأطفالها الأربعة إلى سياج الأسلاك الشائكة على الحدود بين بلدها سوريا والأردن، حيث قامت بدفع ابنيها الأصغر سناً عبر الأسلاك ثم واصلت الجري وهي تمني النفس بقرب انتهاء محنة الهرب من وطنها الغارق في الاضطرابات، حيث أُدخل زوجها السجن بسبب مشاركته في الاحتجاجات ضد الأسد. لكنها سرعان ما انتبهت إلى أن طفليها الأكبر سناً (أحدهما في السادسة من عمره والآخر في السابعة) ليسا خلفها. غير أنها قاومت رغبة الأم في النداء عليهما في عتمة الليل، بعد أن تذكرت ما تلقته من تحذيرات قبل الرحلة بعدم إثارة أي ضجيج خلال فرارهم، خشية أن يثير ذلك انتباه القناصة الحكوميين المختبئين في التلال والذين سيطلقون النار لسماع أخفت الأصوات، ولو كان صوت تكسر غصن شجرة. ولأنها لم تكن تملك خياراً آخر، عادت "أم الدين" إلى السياج، في اتجاه سوريا، وسرعان ما وجدتهما عالقين في الأسلاك الشائكة مرعوبين يخشيان الصياح. وقال لها أحدهما هامساً: "إنني عالق... لقد أردت أن أصيح أين أنت يا أمي؟ لكنني كنت خائفاً". وبعد أن خلَّصت الطفلين، واصلت الأسرة طريقها. كانت "أم الدين" التي تحمل طفليها الأصغر سناً (4 و5 سنوات)، جد متلهفة للوصول إلى بر الأمان لدرجة أنها جاهدت لصعود أحد التلال إلى أن نزفت يداها. لكن فجأة اعترض طريقها جنديان، فتجمدت الأسرة. وعندما دنا أحدهما من أطفالها، تقول "أم الدين"، تصديت لهما، فابتسم الرجلان وقال لي أحدهما: "لا بأس... نحن أردنيان. إنكم بأمان". وفي وقت تتوسع فيه رقعة العنف في سوريا وترتفع حصيلة القتلى في الانتفاضة التي بدأت قبل عام، يسعى السوريون جاهدين إلى الهرب من البلاد. لكن الهرب يزداد صعوبة مع مرور كل يوم حيث يقوم المسؤولون السوريون بإغلاق المعابر الحدودية ويرفضون إصدار جوازات السفر. وفي هذا السياق، تقول "أم الدين"، وهي امرأة نحيفة ترتدي عباءة سوداء وقد طلبت أن يشار إليها بهذا اللقب لأنها تخاف على سلامة عائلتها: "إنهم لا يريدون خروج الناس، لأن أي شخص يغادر سوريا سيذكر كل الأشياء التي تحدث هناك". والواقع أن عدداً متزايداً من السوريين، مثل "أم الدين"، يشعرون بأنهم لا يملكون خياراً غير محاولة الهرب من البلاد مشياً على الأقدام، مجازفين ومتكبدين العناء نحو مستقبل غير مؤكد في الأردن المجاور. وتشير التقديرات إلى أن نحو 80 ألف سوري قد فروا إلى الأردن خلال العام الماضي، وإن كانت الحكومة الأردنية تصنف نحو 7 آلاف فقط كلاجئين. وقد وصل الكثيرون على نحو غير قانوني عندما كانت المعابر الحدودية مفتوحة، غير أن معظم العائلات التي وفدت أخذ مالها ينفد بسرعة، ما يضطرها للاعتماد على منظمات الغوث والأصدقاء والأقارب في الأردن من أجل إعالتها. ويذكر هنا أن الأردن استقبلت نصيبها العادل من اللاجئين على مر السنين، مثل الفلسطينيين، وفي السنوات الأخيرة العراقيين. وخلال حوار معها في عَمان، جلست "أم الدين" (32 عاماً)، على أريكة صغيرة، بينما عانق أحد أبنائها ركبتيها على الأرض، وأخذت تتحدث عن اليوم الذي قررت فيه مغادرة بلادها. فعلى مدى أسابيع، كانت العائلة تتنقل بشكل مستمر. ففي محاولة للتقدم على الشرطة، كانت تنتقل من منزل إلى منزل عبر الشوارع المضرجة بالدماء، بحثاً عن ملاذ تلجأ إليه هرباً من القصف الحكومي المكثف لمدينة درعا الواقعة جنوب البلاد، والتي انطلقت منها حركة العصيان الشعبي السورية. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي قيام الشرطة بقطع رأس ابن أحد الجيران كتحذير للجميع، كما تقول. وعلى مدى أسابيع، حاولت "أم الدين" الوصول إلى مكتب الجوازات الحكومي، لكن الشرطة كانت تغلق الشوارع فتضطر إلى العودة من حيث أتت، قبل أن تتمكن أخيراً من الاتصال هاتفياً بمسؤول حكومي، أخبرها أنها تستطيع الحصول على جوازات السفر، لكن فقط إذا جاءت إلى مكتبه بمفردها. وقالت "أم الدين" إنها فهمت معنى ذلك فلم تستجب لرغبته. غير أن "أم الدين" كان لديها مخطط آخر. فنظراً لأنها لم تكن واثقة من أن زوجها مازال حياً، ولأنها تعبت من الهرب في وجه الشرطة، فقد جمعت أطفالها في السابع عشر من مارس وانضمت إلى خمس أسر أخرى للقيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر عبر الممرات والشعاب الجبلية التي تفصل بين سوريا والأردن. ولأنهم حُذروا من حمل أغراض كثيرة قد تبطئ مسيرهم، فإنهم لم يجلبوا معهم سوى ما تيسر من الملابس على ظهورهم. لقد كانت رحلة قصيرة، لكنها كانت مرعبة، كما تقول أم الدين، ثم تضيف: "كنا جميعاً خائفين... كنا نعتقد أننا سنموت". وحتى بعد أن حاول الجنديان الأردنيان طمأنتها، فإنها كانت لا تزال خائفة من أن يكونا سوريين متنكرين، ولم تشعر بالارتياح إلا بعد أن وصل آخرون وقدم لهم الجنود الشاي وأخذوهم إلى مخيم مؤقت للاجئين في مجمع سكني مهجور يُستعمل اليوم لإيواء الأسر السورية الهاربة. وتتذكر "أم الدين" ارتباك وحيرة أكبر أطفالها عندما قدم لهم الجندي الأردني الشاي، حيث سأل أمه متردداً: "هل آخذه؟ لماذا الجنود هنا يقدمون لنا الشاي، ويحاول الجنود الآخرون قتلنا في بلدنا؟". إدموند ساندرز عَمان ، الأردن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©