الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا تعيد اكتشاف أستراليا!

29 مارس 2012
تعتزم الولايات المتحدة وأستراليا توسيع علاقاتهما العسكرية على نحو شامل، بما في ذلك استغلال جزيرة مرجانية في المحيط الهندي لاستخدامها في تحليق طائرات أميركية بدون طيار، فضلاً عن الاستفادة من الموانئ الأسترالية من قبل قطع الأسطول الأميركي وذلك في وقت يسعى فيه البنتاجون إلى نقل قواته قريباً من جنوب شرق آسيا، وهو ما أكده مسؤولون من البلدين معاً. وتأتي هذه التحركات والتقارب بين أستراليا والولايات المتحدة الذي أثار انتباه المراقبين استكمالاً للاتفاق المعلن عنه من قبل أوباما ورئيسة الوزراء الأسترالية، "جوليا جيلارد"، في شهر نوفمبر الماضي والقاضي بنشر حوالي 2500 جندي أميركي من قوات مشاة البحرية في الساحل الشمالي لأستراليا. وتمثل المباحثات الجارية حاليّاً بين مسؤولي البلدين لتطبيق الاتفاق وتوسيعه أحدث مؤشر على التغيير الكبير في استراتيجية الإدارة الأميركية تجاه آسيا، فيما تستعد لإسدال الستار على عقد كامل من الحروب المكلفة في أفغانستان والعراق. وتعمل الولايات المتحدة في إطار استراتيجيتها الجديدة، التي تنقل بموجبها الاهتمام إلى جنوب شرق آسيا، على نشر أربع سفن حربية بسنغافورة وفتحت مفاوضات مع الفلبين بشأن تعزيز الحضور الأميركي على أراضيها، بالإضافة إلى سعي البنتاجون، وإن بشكل أقل، إلى تطوير العلاقات العسكرية مع تايلاند وفيتنام وماليزيا وإندونيسيا وبروناي. ومع أن مسؤولي أميركا يحرصون دائماً على التأكيد بأن التحول في استراتيجيتها العسكرية تجاه آسيا لا يستهدف بلداً بعينه، إلا أن المحللين يرون أن التغير الحاصل في الاستراتيجية الأميركية يأتي كرد واضح على صعود الصين التي دفعت قوتها العسكرية المتنامية ومطالبها الحدودية باقي دول آسيا إلى التقارب مع أميركا. ويقوم البنتاجون حاليّاً بمراجعة حجم وتوزيع قواته في شمال شرق آسيا، حيث تتمركز القواعد الأميركية منذ فترة الحرب الباردة في اليابان وكوريا الجنوبية، والقصد هو التقليص التدريجي للحضور الأميركي في تلك البلدان وتعزيزه في منطقة جنوب شرق آسيا التي تضم بعض الممرات الملاحية الكبرى كما تشهد تنافساً دوليّاً حاداً لاستغلال حقول النفط والغاز الطبيعي الهائلة القابعة تحت البحر. وهذا التحول أشار إليه مسؤول أسترالي بارز، تحفظ على ذكر اسمه لأنه غير مخول بمناقشة القضايا العسكرية، قائلاً: "فيما يتعلق بالنفوذ الأميركي في منطقة آسيا والمحيط الهادي من الواضح أن الاستراتيجية الجديدة تركز أكثر على الجنوب، فأستراليا لم تكن أبداً مهمة لأميركا في الحرب الباردة، ولكنها تكتسي اليوم أهمية قصوى في ظل الاهتمام بجنوب شرق آسيا والأرخبيلات الموجودة فيه". ومعروف أن أستراليا ظلت من أهم حلفاء أميركا عبر التاريخ، كما أنها من أقرب شركائها في مجال التعاون الاستخباري والعسكري، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى الإسهامات الأسترالية في الحروب الأميركية، حيث شارك أكثر من 20 ألف جندي أسترالي في حرب العراق بين 2003 و2009، ويشارك حاليّاً في أفغانستان ما يقرب من 1500 جندي أسترالي كجزء من قوات حلف شمال الأطلسي. وفيما يتعلق بتقديرات أستراليا العسكرية بشأن انتشارها تشير التقييمات إلى أن احتمال تعرض البلد لهجوم عسكري مباشر مستبعدة في الوقت الحالي، ولكن التقييم أيضاً يحث الحكومة الأسترالية على تعزيز قواتها في السواحل الشمالية والغربية، التي تتركز فيها الثروة المعدنية، وكثافة دفاعات ضئيلة. هذا وتتوافر أستراليا على كميات كبيرة من الموارد الطبيعية وقد أصبحت مورداً أساسيّاً للصين في مجالي الفحم والحديد، وقد نصح التقرير الأسترالي المذكور الحكومة بتوزيع قواعدها العسكرية بما يتناسب مع المصالح الأمنية الأميركية. وعلى سبيل المثال يحض التقييم الذي أجرته المؤسسة العسكرية الأسترالية الحكومة على توسيع قاعدة "ستيرلينج" البحرية بمدينة "بيرث"، التي يعتبر ميناؤها هو الأساسي المطل على غرب أستراليا، حتى تتمكن من خدمة حاملات الطائرات الأميركية التي سترسو في الميناء. ومع أن المسؤولين الأستراليين لم يحسموا قرارهم بعد في مسألة توسيع ميناء "بيرث"، إلا أن الإلحاح الأميركي كما يقول المسؤولون الأستراليون لم يتوقف قط، وتدل على ذلك الزيارات المتعاقبة للمسؤولين الأميركيين مثل وزير البحرية، "راي مابوس"، الذي من المتوقع أن يزور "بيرث" و"داروين" خلال الشهر الجاري، بالإضافة إلى زيارة سابقة في شهر فبراير الماضي للأدميرال مارك فيرجسون إلى أستراليا. وعن هذا الموضوع قال مسؤول عسكري بارز في الولايات المتحدة رفض الإفصاح عن هويته: "كان الأستراليون وما زالوا من أوثق حلفائنا في منطقة جنوب آسيا، ومن الواضح أننا سنواصل اهتمامنا بأستراليا لموقعها الاستراتيجي المهم في المحيط الهندي، ونحن نرى أيضاً أنه من الضروري التركيز على المنطقة التي لا تربطنا علاقات متطورة مع بلدانها مقارنة بمنطقة المحيط الهادي". ومن المواقع التي تسعى الولايات المتحدة إلى نشر قوات فيها هناك جزيرة مرجانية أخرى تعرف باسم جزر "كوكوس" البعيدة بحوالي 1700 ميل إلى الشرق، حيث يتوقع المسؤولون أن توفر الجزيرة مكاناً مثاليّاً لطائرات الاستطلاع الأميركية المتطورة القادرة على مسح منطقة واسعة تمتد إلى بحر جنوب الصين، ولكن على رغم كل هذه الترتيبات الرامية إلى تعميق التعاون مع أستراليا وتكريس التواجد الأميركي في منطقة جنوب شرق آسيا وبالتحديد في المحيط الهندي، ما زالت المباحثات مستمرة مع الجانب الأسترالي ولم تحسم الأمور بشكل نهائي، هذا بالإضافة إلى ما تستغرقه العملية من وقت قد يطول مع تشعب المباحثات والدخول في التفاصيل. جريج ويتلوك كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©