السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فوكوشيما وحدود المسؤولية في الحوادث النووية

2 ابريل 2011 21:17
منذ أن وقعت كارثة منشأة "فوكوشيما" النووية في اليابان؛ تراوح سعر سهم الشركة المصممة لتلك المنشأة (جنرال الكتريك) صعوداً وهبوطاً في حدود دولار واحد للسهم فقط، في حين فقد سهم الشركة المشغلة لها(طوكيو الكتريك باور كومباني) 70 في المئة من قيمته. يرجع هذا لحقيقة أن القانون الياباني يحصر المسؤولية في مثل هذه الحالات في "مشغل" وليس في "مصمم" المنشأة النووية. منذ ما يقرب من عام، سمعنا حججاً مماثلة حول المسؤولية المحدودة لشركة(بي. بي) في أعقاب التسرب النفطي في خليج المكسيك. فقد ظهرت آنذاك تقارير تشير إلى أن مسؤولية( بي. بي) لن تتجاوز 75 مليون دولار في حدها الأقصى، لأن "قانون التلوث بالبترول" الصادر عام 1990 الذي يفرض مسؤولية محدودة في حالة وقوع كارثة بيئية في منشأة بحرية (أي ليست مقامة على اليابسة)، وأن نظام المسؤولية في حالة مثل حالة التسرب النفطي في خليج المكسيك لا تزيد عن" إزالة آثار التسرب النفطي من المياه والمناطق المتضررة بالإضافة إلى دفع مبلغ 75 مليون جنيه كتعويضات". في ذلك الوقت دفعت شركة "ترانسو أوشان" التي تمتلك وتشغل المنصة النفطية المنكوبة، بأن هناك قانوناً آخر اسمه" قانون حصر المسؤولية" يحصر مسؤوليتها التعويضية في دفع التعويضات الخاصة بالمنصة الغارقة التي لم تكن قيمتها تزيد عن 26.7 مليون دولار. وفي ذلك الوقت أيضاً أصدرت وزارة العدل الأميركية بياناً قالت فيه إن الجهود التي تبذلها شركة "ترانسوأوشن" لتقليص مبلغ التعويض التي يتعين عليها دفعه تنم عن " افتقار فادح للضمير". والواقع أن تصريحات مسؤولي شركة (بي.بي) في ذلك الوقت كانت سابقة لأوانها. فبعد مناقشات مع إدارة أوباما وافقت (بي.بي) على إنشاء صندوق بقيمة 20 مليار دولار، لمساعدة الفئات التي تضررت أرزاقها بسبب الكارثة. والآن، يمكن القول أيضا إن الثقة المبدئية لدى (جنرال الكتريك) بأن مسؤوليتها سوف تكون محدودة عن أي خطأ في التصميم، بفضل نصوص القانون الياباني في هذا الشأن، يمكن أن تكون هي الأخرى سابقة لأوانها. ويشار في هذا السياق إلى أن صحيفة "نيويورك تايمز" قد نشرت تقريراً في الآونة الأخيرة أفادت فيه أن الخبراء كانوا قد انتقدوا مراراً تصميم جنرال الكتريك المسمى(مارك- 1). لأنه يضم "وحدة احتواء" ضعيفة نسبياً. ومن المعروف أن "وحدة الاحتواء" تعتبر بمثابة" خط الدفاع الأخير" الذي يمنع التسربات الإشعاعية في حالة تعطل نظام التبريد في المفاعل النووي. وأشار التقرير المذكور إلى أن 3 من كبار علماء جنرال الكتريك قد استقالوا منـذ 35 عاماً اعتراضًا على تصميم نظام وحدة الاحتواء(مارك- 1). وأنا لا استند في قولي هذا، الى أي معرفة متخصصة للوضع الحالي في منشأة فوكوشيكا على وجه التحديد، ولا على معرفة بعقود أو تنظيمات الصناعة النووية، وإنما استند فقط الى المبادئ القانونية والمسؤولية المتعلقة بممارسات الأعمال على المستوى الدولي. وهناك عدة نقاط ينبغي الإشارة إليها في هذا السياق: أولاً: ليس من الواضح على وجه الدقة ماهو القانون الذي سينطبق في هذه الحالة. فعلى الرغم من أن الحادث وقع على أرض يابانية، إلا أن العقود الخاصة بالتصميم والإنشاء الخاص بالمنشآت يمكن أن تحدد قانوناً آخر للبت في النزاعات بين الأطراف المعنية. فـ(جنرال الكتريك) على سبيل المثال كان يمكن أن تفضل القانون الأميركي على أساس أنها معتادة عليه، خصوصاً إذا علمنا أن العقود موضوع البحث هي عقود تم التفاوض بشأنها في عقد الستينيات من القرن الماضي، حينما لم يكن أحد تقريباً يعتقد أن اليابان سوف تصبح قوة عالمية اقتصادية، يتوافر لها يوماً النفوذ الذي يمكنها من الإصرار على تنفيذ قوانينها المحلية في حالة أي نزاع بخصوص تلك العقود. ثانياً، كما حدث مع شركة (بي. بي) في كارثة خليج المكسيك يمكن لـ(جنرال الكتريك) في كارثة مفاعل فوكوشيما أن توافق على ترتيب معين بشكل اختياري أي من تلقاء نفسها. فالشركة الأولى أنشأت صندوقاً بعشرين مليار دولار لتعويض الفئات التي تضررت في أرزاقها، ولكنها لم تفعل ذلك إلا بعد ضغط هائل من واشنطن، والجمهور ووسائل الإعلام الأميركية. أما بالنسبة لجنرال الكتريك فإن تاريخ مشاركتها في تقديم التصميمات اللازمة لأنظمة المنشآت النووية، يرجع لأربعة عقود خلت، وبالتالي فلا مفر لها من الاعتراف بأنها مسؤولة عن التصميم المتواضع لـ" وحدة الاحتواء" بالمفاعل، وأنها تشترك في المسؤولية عن هذه الكارثة، جنباً إلى جنب مع الشركة المشغلة. ثالثاً، نحن لا نعرف على وجه الدقة الكيفية التي ستقوم بها المحاكم اليابانية بتفسير الحدود المحلية على المسؤولية. وهل تلك الحدود تنطبق حتى في الحالات التي يحدث فيها إهمال جسيم أو سوء تصرف عمدي إذا ما تبين أن الأمر كان على هذا النحو؟ ثم، ما الذي يمكن أن يحدث إذا رفضت جنرال الكتريك الإفصاح عن العيوب الموجودة في المفاعل؟ إن الكوارث المعاصرة هي إلى حد كبير كوارث من صنع البشر. وبسبب هذه الحقيقة سوف تظهر حاجة لتحديد المسؤولية القانونية عنها. ولا يزال من المبكر تحديد على من تقع مسؤولية ما حدث، كما أنه من المبكر أيضاً أن تطمئن جنرال الكتريك إلى أن مسؤوليتها سوف تكون محدودة عما حدث، بموجب مواد القانون الياباني ذاته. ربما يكون المنظمون، والمشغلون، وربما آخرون، قد خذلوا الجمهور فيما يتعلق بهذه الكارثة، وفيما يتعلق بتحديد المسؤولية عنها.. بيد أنه يجب التأكيد هنا على أهمية الدور الذي تلعبه العملية القانونية في التأكد من أن العبء الاقتصادي للكارثة سوف يتم تحمله من قبل الطرف أو الأطراف المسؤولة عنه بالفعل. أنوبام تشاندر أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©