الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البدو في عمان يعيشون الماضي في قلب الحاضر

البدو في عمان يعيشون الماضي في قلب الحاضر
29 سبتمبر 2009 00:01
يحضر البدو تاركين صحاريهم وراءهم ليقيموا على بقعة رملية بالقرب من إحدى مناطق البادية.. عين على الصحراء وأخرى على المدنيّة، يقيمون بيوتهم من سعف النخيل، يسمون إقامتهم الحاضرة، ومجموعها حواضر، ويمضون فيها أشهر الصيف يأكلون من فاكهة الصيف المعروفة في عمان (رطب النخيل) لكنهم يتمسكون بمواشيهم حتى وهم يستخدمون سيارات «البيك- أب» في قضاء مشاوريهم، تقف السيارة بالقرب من شجرة السمر، وينظرون إلى الولاية الآتين إلى جوارها بعيون ترقبها، يجلسون على الرمال وفي أياديهم الهواتف النقالة، أخذوا من العصر أشياء كثيرة، لكنهم تمسكوا بمسماهم «البدو» ويحاولون العيش قدر المستطاع وفق هذا الوصف. عودة إلى الماضي حين يمر المرء وقد قارب النهار من منتصفه بالقرب من حاضرة البدو بولاية «أدم» بالمنطقة الداخلية، التي تشهد أكثر من حاضرة للبدو كل صيف، يبدو لي المكان عودة إلى الماضي في صورة حية، والبدو يسيرون في مخيمهم (السعفي) وكأنهم يختارون من الحضارة المعاصرة ما يناسبهم فقط. سيلحّ عليك أحدهم بعفوية البدوي على أن تتناول القهوة معهم، لتدخل المكان في خشية من حرارة الطقس، لكن الجلوس تحت «العريش» في منتصف النهار لا يشعر المرء بالصيف في تلك الولاية المجاورة للصحراء. يأتي صبي صغير بالماء في آنية قد تطوف على الحضور للشرب منها واحداً بعد آخر، وتتحول الزيارة الاستكشافية للمكان إلى حديث أنس يعرف منه الزائر كيف يعيش هذا البدوي من دون ماء أو كهرباء، فالماء يجيء من فلج المدينة القريب منهم، والكهرباء لا يحتاجونها وهم يعيشون مع الطبيعة من دون سواتر إسمنتية أو خراسانات، في هجرة موسمية من منطقة إلى أخرى، فردية وجماعية، ابتداءً من شهر يونيو وحتى نهاية شهر أغسطس من كل عام. سناو وأدم تعد ولايتا سناو وأدم أكثر ولايتين في عمان تعرفان هذه الظاهرة البدوية، وفي أدم هناك عدة حواضر منها (حاضرة المشبك، وحاضرة الفليج ، وحاضرة السميرات) وغيرها من الحواضر التي يأتي إليها البدوي ليس هروباً من الصحراء ففيها أصبح لديه المنزل والكهرباء والخدمات التعليمية والصحية ولكنه يمارس حياته التي اعتادها، ومواسم الرطب تعطيه زاداً، والترحال يمنحه حيوية كبيرة. يتحدث ناصر الخصيبي- من سكان ولاية أدم عن هذه الظاهرة فيقول: «إن الطبيعة البدوية لا تتقيد بالمعيشة في منطقة جغرافية معينة ومحددة، وأينما وجد الماء والمرعى تشد الرحال إليهما، والحاضرة هي رحلة سنوية موسمية عرفها البدو كما عرفها سكان الولاية منذ القدم، يقوم بها معظم أهالي المنطقة الوسطى متوجهين إلى منطقتي الداخلية أو الشرقية غالباً على الرغم من أن الطقس في معظم ولايات المنطقة الوسطى يتميز خلال شهر يونيو وحتى نهاية أغسطس بطقس صيفي رائع حيث لا مجال لاستخدام المكيفات هناك خلال تلك الفترة في الوقت الذي قد ترتفع فيه درجات الحرارة في بعض ولايات السلطنة الأخرى ولكن لكون البدوي مصدر رزقه: البحر والماشية وخوفاً من تقلبات الرياح القارصة فإنه يبحث عن مصدر ومورد رزقه في منطقة أخرى». ويضيف الخصيبي مشيراً إلى ما يعرف عن البدوي من نخوة وكرم، والأهم بساطة العيش والمعيشة، فحالاً يمكنهم تدبير أمر الضيف لكن عليه ألا يكون مستعجلاً، فقد يبعثون بأحد من أبنائهم إلى سوق الولاية لشراء الفاكهة من أجل الضيف، أو حلب الماشية لإطفاء عطشه. ارتباط وثيق فيما يقول بدوي آخر: «إن المجيء إلى ولاية أدم يكون عادة بقصد البحث عن مورد الرزق، وهروباً من التقلبات المناخية، حيث يقوم البدوي بجني ثمار النخيل بجميع أنواعها وجمعها ليقتات بها في فصل الشتاء وتوفير الأعلاف الحيوانية وحملها إلى المناطق التي يقطن بها». يبدأ البدو حياتهم البدوية كما هي عاداتهم في الصحراء، حلب الإبل وإطعامها ورعي الماشية في المناطق الصحراوية التي يبسط وينتشر بها المرعى لتقتات به وأيضاً وجني وجمع ثمار النخيل لكي يحمله البدوي عائداً به من رحلته الصيفية، ويعملون يداً واحدة حيث يرتبط البدو ارتباطاً وثيقاً بالقبيلة وسننها وأعرافها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ويشتهرون بالترابط الأسري وبالاحترام المتبادل بين بعضهم بعضاً وبتعاونهم الوثيق فيما بينهم في إطار المجتمعات المحلية. صناعات يدوية تمضي النسوة الوقت في الأعمال المنزلية ويستثمرن خامات البيئة والصناعات الحيوانية سواء النسيجية أو الجلدية وأشهر الصناعات النسائية (صناعة العدل أو الخرج والشملة والحدرية والسيحة أو الفرش والفلي أو الغطاء والكرمة أو الوعاء الذي يحلب فيه وغيرها). وهي صناعات يدوية ورثتها النساء من آبائهن وأجدادهن منذ سنين عديدة، حافظت عليها المرأة البدوية والتي حظيت بالاهتمام والتشجيع من قبل الحكومة الرشيدة لضمان استمراريتها وأصبحت تمثل المرأة البدوية بهذه الصناعات مجتمعها في معظم المهرجانات والمناسبات المحلية والإقليمية. يضيف ناصر الخصيبي: «إن البدو يمارسون فنونهم التقليدية المعروفة عنهم مثل (الونة والتغرود والطارق) وغيرها من الفنون البدوية، ففن «الونة» هو غناء الذكريات، ويؤديه البدوي منفرداً لتسلية نفسه وهو على ظهر ناقته في رحلة طويلة -هكذا كان قديماً بالطبع- أما الآن، فيؤديه المغني وقد وضع إحدى راحتيه على خده وهو يغلق عينيه أثناء الغناء. ومن حوله يتحلق البدو جلوساً على الأرض وقد يشارك المغني شخص آخر يتلقف منه شعر ونغم الغناء في آخر البيت ليعيد غناؤه مثلما غناه صاحبه. ويتسم شعر «الونة» في معظمه بالغزل والذكريات، وقليله يأتي في مدح الإبل. وأحياناً يسمونه « النوحة» نظراً لكونه مطبوعا بالحزن.وفن «التغرود» يتمثل في الغناء على ظهر الإبل لحماسها أو لحماسة راكبيها، وهو غناء جماعي في شكل نغمي. ومن الأسماء التي يطلقونها على «التغرود» اسم «شلة الركاب» كما قد يسمى «همبل الركاب» والمعنى في الحالتين واحد، فهو المسير. أما فن «الطارق» فهو من فنون البدو الشهيرة، ويغنيه صاحبه على ظهر الهجن أو جالساً على الأرض، ويتشارك اثنان من المغنين في أدائه، حيث يبدأ أحدهما بيت الشعر ثم يتلقف الآخر الشعر والنغم في نهاية البيت الشعر ليعيد أدائه «صورة طبق الأصل» من أداء المغني الأول. ولا يتغير نغم الأداء في «الطارق» من أول القصيدة إلى آخرها. كما أنه يكاد يكون ثابتاً من مغنٍ إلى الآخر. كما يتناول فيه المغني العديد من أغراض الشعر، وإن كان أغلبه في الغزل والذكريات. أو مدح ناقته والتغني بأوصافها.
المصدر: مسقط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©