السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جويس أتيس تلمس التحولات الغير مدركة في حياة الناس

30 مارس 2013 13:28
مريم مجمعة فرج (دبي) - تستهوي أعمال الروائية الأميركية المخضرمة “جويس كارول أوتيس”، عددا كبيرا من القراء من هواة الرواية القوطية، من مختلف أنحاء العالم. ومؤخرا نشرت “دار هاربر كولنز” الكندية روايتها الجديدة “الملعونون”. الكتاب هو? ?الأخير في سلسلة أعمال أوتيس الروائية التي تربو على الأربعين، وتصفه مجلة “ ذي نيشن” الأسبوعية بالقول إنه عمل تاريخي عظيم “لعلم من أعلام الأدب الأميركي المعاصر”. أوتيس، وعلى الرغم مما ترسمه رواياتها، من عوالم متوحشه يسيطر عليها العنف وتبدو شخصياتها مستسلمة للموت المجاني، كتلك التي نشاهدها في أفلام الرعب، إلا أنها تتميز بالعمق وتنطوي على قدر كبير من المجازية، التي تسمح لها بالتعليق على ما يجري من تحولات مهمة في حياة الناس، قد يعجزون عن إدراكها. أحداث الرواية تقع أحداث رواية “الملعونون” في مدينة برينستون التاريخية، بولاية نيوجيرسي، في مطلع القرن العشرين، بالتزامن مع انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق” ودرو ولسون”،? ?ولدى قراءة فصولها الطويلة، يقف القارئ على مشاهد مليئة بالغرائبية والتشويق، حيث المدينة الشهيرة بأرستقراطيتها وهدوئها يقع سكانها تحت سيطرة اللاوعي. في حين تتناول التفاصيل قصة اللعنة التي تحل فجأة على عائلات برينستون المعروفة واحدة تلو الأخرى، وامتناع السياسيين والكنيسة عن كشف الحقيقة. ولجذب القارئ تعمد أوتيس إلى استلهام بعض ملامح رواياتها القوطية التي كتبت في سنوات مبكرة مثل “غراميات بلدسمور” و”وضعت قلبي عاريا” و” أسرار ونترثورن”، ليستمع إلى هلوسات الناس عن أشباح ومصاصي دماء، وأطفال يتحولون إلى تماثيل حجرية، وأزواج يتم اختطافهم ونقلهم في عربات تجرها الخيول، و ثعابين تتسلق الجدران و كل ما يظهر معه عجز الإنسان العادي عن إدراك ما يمكن أن يجري على أرض الواقع. لكن ما الذي اقترفه هؤلاء المؤمنون من ذنوب، ليستحقوا ذلك العذاب؟ ولعله السؤال الذي تطرحه الرواية في مشهدها الافتتاحي الذي يظهر فيه ودرو ولسون ممتنعا عن التعليق على تلك? ?المستجدات. في حين تروع المدينة بجريمة اختطاف وقتل غامضة، لعروس أثناء مراسم الاحتفال بزواجها في إحدى الكنائس، وقبلها باختفاء غير متوقع لفتيات من النخبة الأرستقراطية، فيما يعزى ذلك إلى قوى شريرة، منها ما يزعم البعض أنه شبح الأمير الأوروبي الكاثوليكي، الذي يستهدف أفراد الطبقة البروتستانتية المتحدرة من أصول بيضاء أنجلوسكسونية. ويخشى آخرون من أن شياطيننا ربما تكون قد أرسلت من مكان ما كتلك المساحات الشاسعة من الأراضي القاحلة التي لا تنبت فيها غير أشجار الصنوبر العقيمة، المحيطة بالمدينة، لكي تنفث حميمها. فيما يلوذ أشخاص منهم شقيق العروس، الرئيس ودرو ولسون المنهي لفترة رئاسية ثانية في البيت الأبيض بالصمت. وتستمر أوتيس في تصوير الانفعالات النفسية الخافية لتؤلف حشدا من الإيقاعات المؤثرة. إسقاطات ومن الواضح أن هذه الرواية تحتوي على حشد أكبر من المجازية، في إشارة إلى ما عرف عن تلك المرحلة من فشل سياسي وتجاوزات أخلاقية واسعة النطاق في مجتمعات النخب المحافظة، المعزولة، لاسيما الحاكمة. وهي واحدة من رواياتها التي تشن الحرب على العنصرية في المجتمع الأميركي. وفي غالبيتها تهاجم رموز الطبقة السياسية والمثقفين ورجال الدين الذين لم تشغلهم الاعتبارات الأخلاقية. وكأنها تقول أن جل ما يمكن أن يتعلمه الناس من دروس عبر التاريخ، هو هذا الذي لم يتعلمه البعض من كبار الساسة من أمثال ولسون، الذين امتنعوا حتى عن التعليق على موضوعات مهمة كالفساد، والعنصرية واختلال موازين العدالة الاجتماعية، الذي كان يواجهه الأمريكيون من أصول أفريقية وغيرهم من المهمشين ومنهم المرأة. وتعليقا على ذلك تقول أوتيس” إنني في هذا العمل، أنظر إلى شيء آخر، إنني أقصد الفشل في التعامل مع هذه القضايا الملحة ومنها العدالة الاجتماعية. لقد ولد ولسون في ذلك الجزء من فرجينيا الذي مورست فيه سياسة العزل العنصري، وقد تربى على أن تكون لديه وجهة نظر عنصرية متطرفة تجاه كل ما يتعلق بالتعامل مع الأعراق الأخرى.. وكذلك علاقته بالمرأة. كان يتعامل مع الموضوعات التي تخص هموم المرأة بالكثير من المزاح والسلبية. وكان الناس يسألونه: حسنا، لماذا تنظر إلى الأمور بهذه الطريقة؟ فكان يجيب: ليس لدي تفسير لذلك”. ولعل أوتيس تشير هنا إلى أن ولسون يرمز إلى مرحلة تاريخية في حد ذاتها، تميز فيها الساسة المتدينون ورجال الدين بضيق الأفق، بمواجهة الأسئلة الملحة التي كانت تطرحها الأجيال الأصغر سنا، لاسيما أسئلة العدالة الاجتماعية والمرأة. والنتيجة هي “أنها كانت تتوغل في لاوعي الناس، لكي يطفو ما يتم رفضه على السطح. حتى انطلقت من الرؤوس، ليعيث مصاصي الدماء والشياطين وكل تلك القوى الكامنة في اللاوعي فسادا”. كتبت أوتيس المخطوطة الأولى لرواية “الملعونون” في الثمانينيات، ولم تعد إليها إلا في فترة لاحقة من سنة2011 عندما استقرت على اختيار ضمير المتكلم من الجانب السردي. والواقع أن ما يميز رواياتها، وأعمالها القصصية والمسرحية بوجه عام هو بحثها الطويل وتحليلها الاجتماعي العميق. وتغلغلها في نفسيات شخوصها بذكاء، لمناقشة سيطرة قوى العقل الباطن عليها، ودور أشياء كالثقافة في منحها بعدا إضافيا يستحق الكتابة عنه، وهو ما تفعله روايتها القوطية الجديدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©