الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطلاب المغتربون.. عائلة واحدة على مائدة رمضان

الطلاب المغتربون.. عائلة واحدة على مائدة رمضان
29 مايو 2017 14:29
هناء الحمادي (أبوظبي) لا يمكن أن يشعر بنعمة التمتع بشهر رمضان المبارك في ظل هذا الوطن، وبالقرب من حميمية الأسرة، وطعم الروحانية العالية التي يشعر بها الصائم حينما يسمع أذان المغرب، ثم إقامة صلاة التراويح، والتجول في الأسواق التي تحمل رائحة سعادة الصائمين، إلاّ من اغترب عن وطنه، ليجد نفسه يسابق من أجل إتمام أهدافه التي تغرّب من أجلها، وربما تتسارع الأشهر دون أن يشعر بأن غربته قد طالت! لكنه لا يبدأ يستعيد ذاكرته المفقودة بالشكل الكبير والموجع إلاّ حينما يتم الإعلان عن دخول شهر رمضان. وهكذا هم المبتعثون خارج الوطن من أجل التحصيل العلمي، حكايات حنين، وتفاصيل كثيرة يحتفظون بها بداخلهم، فيحاولون «لم» الشتات بالقرب من بعضهم، ونقل الأجواء الرمضانية إلى بلد الاغتراب، لهم تجارب مختلفة بكافة المقاييس لشعورهم بأحاسيس الغربة التي يفتقدون فيها صوت القرآن الذي يملأ الفضاء، وفي الاجتماعات وصلة الرحم، إضافة إلى وجود بعض التعب والمشقة لأن النهار يكون أطول، إضافة لغياب الكثير من الأجواء الرمضانية التي اعتادوها والشعور بالحنين للتجمعات العائلية. شوق وحنين ظروف الدراسة أجبرتها على أن تقضي شهر رمضان الكريم خارج الوطن، لكن الحنين إلى الوطن مؤلم بالنسبة لها، خاصة أن التجربة الأولى كانت صعبة جداً عندما كانت سنة أولى دراسة.. ليلى الشاعر تخصص إدارة العمليات بجامعة أميركية تعودت طوال حياتها أن تقضي رمضان بين الأهل ووسط اللمة العائلية التي تفوح منها التواصل والمحبة، لكن ظروف الدراسة خارج الدولة أجبرتها على أن تتأقلم مع الوضع الجديد. وتقول في هذا السياق: «بالنسبة لي تعودت على صوم رمضان وسط أهلي في الإمارات، لكن من أجل التعليم والمستقبل فرض عليّ ذلك الاغتراب من أجل التفوق والتميز في تخصصي، والصوم في الدول غير المسلمة أو ليست فيها غالبية مسلمة، ليس مثل من يصوم رمضان في الدول الأوروبية، فهناك الكثير من المعاناة، مثل طول ساعات اليوم، واختلاف العادات والتقاليد، وعدم توفر طعام رمضان الذي اعتدناه في سفرتنا، إضافة إلى افتقاد الأجواء الروحانية للشهر الكريم». وتضيف «أثناء دراستي في أميركا فوجئت بطول ساعات الصيام والتي تصل في بعض الأحيان إلى 18 ساعة يومياً، بمعنى أن هناك 6 ساعات ما بين الإفطار والسحور، ورغم ذلك لا أستطيع إنكار مدى صعوبة الأمر في البداية، لكني تعودت على ذلك والحمد لله، باعتبارها تجربة تزيد من عزيمة الشخص وقدرته على قضاء الصيام، مشيرة إلى أن طول ساعات الصيام يؤثر في الغالب على البرنامج اليومي، فمع اختلاف إيقاع الحياة في أميركا، حيث لا أعذار عن التأخير، وضرورة الالتزام بالحضور في الوقت المحدد، فإنه في الأيام الأولى من شهر رمضان واجهت صعوبة بالغة في التوفيق ما بين الصوم والالتزام بمواعيد الدراسة، لكن بعد ذلك استفدت من تجارب الطلاب الموجودين، واستطعت أن أوفق ما بين الدراسة والصوم. وعن شعورها بالحنين والغربة إلى لمة الأهل، فتذكر: «بالتأكيد، كل إنسان يفتقد أهله في الغربة، خصوصاً في المناسبات الدينية والأعياد، وفي رمضان بالتحديد يكون هناك إحساس مؤلم ببعدك عن أهلك ووطنك، لكن مع توفر وسائل التواصل في الوقت الحالي يمكن للطالب أن يخفف من هذه الأحاسيس بمحاولة مشاركة الأهل والتواصل معهم هاتفياً أو عبر برامج التواصل الاجتماعي للتعرف إلى تفاصيل حياتهم خلال الشهر الفضيل، ورغم أن الطالب في بعض الأحيان يفتقد أهله وأصدقاءه وبرامج الشهر الكريم، إلا أن هناك جانباً يخفف من وقع الغربة على الشخص، وهو الوحدة والتعاضد ما بين الطلاب الدارسين من جميع الجاليات المسلمة خلال شهر رمضان الكريم، وهذا يجعلها تشعر بأن هناك من يشاركها مشاعر الغربة والبعد عن الأهل». وأوضحت أن العمل الجماعي في إعداد الفطور في شهر رمضان كان يتوزع على الجميع بالتناوب كل حسب ظروف الدراسة والامتحان، وذلك بسبب الالتزام بساعات الدراسة، وتضيف «كما ذكرت عدم توافر طعام رمضان يجبرك على أن تطبخ بنفسك، وبالتالي يجب أن يتشارك الجميع في إعداد طعام رمضان، خصوصاً وجبة الإفطار». 15 ساعة صيام ولا يختلف الوضع كثيراً في ولاية فلوريدا من حيث عدد ساعات الصيام الطويلة، حيث يجد الطالب عبد الكريم عوانة، تخصص إدارة أعمال، من جامعة تامبا في ولاية فلوريدا الصحبة واللمة تخفف قسوة الاغتراب والبعد عن الأهل والعائلة، والتي تخلق أجواء رمضانية، خاصة من حيث طقوس الطعام والصلاة والسحور وغيرها من الطقوس الرمضانية التي يمارسها المغتربون على طريقتهم الخاصة، حيث يقول عبد الكريم عوانة «مع شهر رمضان الكريم يقترب معه الشعور بالحنين للوطن وتجمع الأهل والأحباب حول مائدة عامرة، ولكن تبقى تجربة الصيام في الخارج هي روحانية متعددة الثقافات، جميع الطلبة يتعاونون تحت سقف واحد، وذلك لإعداد الإفطار الذي يخفف وطأة الشوق والحنين للوطن والأهل وليخفف شدة الصوم والشعور ببعض الاطمئنان والراحة». وعن طول الصيام في فلوريدا، لفت عبد الكريم إلى أن عدد ساعات الصيام في شهر رمضان يتفاوت على حسب التوقيت من ولاية لأخرى فقد تمتد ساعات الصيام إلى 14 ساعة وفي بعض الولايات الأخرى إلى 15 ساعة، لكن رغم ذلك يظل رمضان بالنسبة لنا كطلبة مغتربين هو شهر العمل، وليس شهر الكسل والخمول أو النوم، إنما شهر الجهاد والعبادة. ومهما كانت ساعات الصوم طويلة، لكنه شهر يتضاعف فيه الأجر، لافتاً «صحيح أنه قد يؤثر ذلك على الدراسة وعلى النفس، ولكن مع همة الصيام وتذكر ضعف الأجر هنا نشعر بلذة الصوم، حيث من وفق عملة أول رمضان، فقد كسب الرحمة، ومن وافق عملة أوسطه كسب المغفرة، ومن وافق عمله آخره رجا العتق من النيران. وعن أجواء الطلبة وروح العمل في رمضان يقول عبدالكريم، إنه يختلف عن شهور السنة، فالجميع في يتعاون كخلية نحل في إعداد وجبات الإفطار لعدد من الطلبة. وبهمة ونشاط تتوزع الأدوار كل يعمل في تقطيع الخضراوات، وآخرون في إعداد الوجبات، ومجموعة ثالثة تعد العصائر والشوربة، ويلتقي الجميع على قلب واحد وعلى سفرة واحدة، رغم الحنين واللمة الأسرية التي يفتقدها بالبعد عن الأهل إلا أنه يعوض ذلك الشعور من خلال التلاحم والتعاون فيما بينهم وهم يعدون السفرة التي يتعاون فيها الطلبة المبتعثون مع بعضهم البعض، موضحاً أن هذا التعاون يزرع روح المحبة والتآلف. وقال: لا شك في أن الشوق والحنين يغمرنا للعودة إلى أرض الوطن وقضاء الشهر بين الأهل والأحباب والأصدقاء. إلا أن ظروف الدراسة تحول بيننا وبينهم، وهنا يأتي التطور الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي لتخفف عنا الشعور بالغربة وتقرب لنا المسافات. جو الغربة تختلف طقوس شهر رمضان من منطقة لأخرى، إلا أنها تكاد تكون طقوساً متشابهة، طلبة أجبرتها الدراسة أن يقضوا الشهر الفضيل بين الكتب وفي أرجاء الجامعة، لكن رغم طول ساعات الصيام وفترة الامتحانات يعيش الطلبة بمشاعر تأججت بالحنين والشوق للأهل والوطن في رمضان. راشد حميد الصريدي طالب في ولاية بنسلفينيا في الولايات المتحدة، رغم حنينه إلى الوطن والأهل والأجواء الرمضانية، إلا أنه يرى أن وجوده بين لفيف من أصدقاء الدراسة والغربة يعوضون القليل من الكثير، فرغم الانشغال بالدراسة والواجبات والفروض، لكن يجمع رمضان بصيامه وقيامه وجمعته التي لا تعوض. ويقول «جو رمضان في الغربة مختلفاً كثيراً عنه وسط الأهل والأقارب، ففي الشهر الفضيل يتسابق الشباب في إعداد الوجبات وبرغم أن البعض لا يجيد الطبخ إلا أن التعاون بين بعضنا البعض يخرج الطبق بنكهة وطعم ألذ، ويضيف «الأجواء في شقق الطلبة لا تكاد تخلو من جدول إعداد أطباق رمضان، فالكل يتسابق في إعداد وجبات شعبية وكل حسب خبرته في طبخها، لكن رغم بعض المواقف التي لا تخلو من نقصان بعض النكهات، إلا أنه الجميع يتسابق في تناول تلك الأطباق ليروي جوعه وعطشه، ويكفي روح التعاون والألفة بين المبتعثين على سفرة رمضان فالجميع يكون على قلب وروح واحدة، لافتاً الصريدي «يختلف التوقيت في ولاية بنسلفينيا عن المناطق والولايات الأخرى، حيث تمتد ساعات الصيام من الساعة 04:00 حتى الساعة 20:30 ولا شك أن ذلك له تأثير على الدراسة لكن مع همم الصيام وابتغاء الأجر الأكمل نزيد في اجتهادنا في رمضان حتى نشعر أننا في رمضان نقوم ببضع ما أمرنا المولى عز وجل بعمله، فرمضان شهر الطاعة والعمل وليس شهر التكاسل والراحة وحتى نؤكد لأسرتنا أن الدراسة لن تؤثر على صيامنا، وليس هناك عائق على الجد والاجتهاد في هذا الشهر الفضيل، فإن التفوق والنجاح في المواد هي مؤشر إننا نسير في الطريق الصحيح نحو النجاح بتفوق. ويضيف: «الحنين للوطن والأهل والفطور الجماعي لا يمكن إنكاره، ولكن هذه مرحلة وتمضي، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية عوضت ولو جزءاً يسيرا من الشعور والحنين إلى روحانيات شهر الخير من خلال اجتماع الأهل في الصلاة والقيام وافتقادهم على مائدة الإفطار والسحور. سنة أولى غربة لا يقل اشتياق فاطمة محمد الياسي التي تدرس في جامعة كوريا للأهل والأقارب واللمة العائلية، وهي خارج الوطن، لكن من أجل الدراسة والتحصيل العلمي يهون الأمر.. حيث تقول إنه رغم محاولات المغتربين من أجل الدراسة على التمتع بأجواء رمضانية مشابهة لتلك التي يحيونها في أوطانهم، حيث الإكثار من العبادات والطاعات والتواصل فيما بينهم، إلا أنها لا تعوض المغتربات عن الأجواء في بيوتهم، حيث اجتماع أفراد الأسرة على مائدة الإفطار. وأشارت إلى أن رمضان خارج الوطن له مشاعر خاصة وأحاسيس مختلفة، فالجميع قلب واحد، فالكثير من البنات يتنافسن في إعداد مائدة الإفطار وبين المواقف المضحكة، التي غالباً ما تكون بين زيادة ونقصان الملح والبهارات، تظل تلك الذكريات لها واقع جميل في قلوب المغتربات. وترى أن التجربة الأولى في قضاء رمضان بعيداً عن الأهل والوطن إلا أن ذلك لم يثبط من عزيمتها، بل زادها إصراراً. وعن سنة أولى رمضان في كوريا، فقالت إنه بعد الانتهاء من المحاضرة غالباً ما تفطر بمفردها على وجبة أخذتها من البقالة، حيث تزاحم الجدول الدراسي ما بين محاضرة وقت الفطور أو صباحاً، أو أحياناً زحمة المحاضرات التي تكون طوال النهار حتى وقت المغرب مما يشكل إرهاقاً وتعباً، لكن من أجل العودة للوطن، ورفع اسم الدولة يهون كل التعب والإرهاق والغربة التي نشعر بها. وأضافت: «رغم ما نشاهده من أجواء غير روحانية في الولاية التي أسكن بها من وجود مطاعم مفتوحة وأغان في الشوارع، وأناس غير مسلمين، فإن الغربة خارج الوطن مرة بالنسبة لي، لكن ما يخفف عني كل ذلك هو التواصل الدائم مع أفراد الأسرة وكلمات التشجيع التي تحفزني على الصبر والتحمل من أجل العودة إلى الوطن رافعة اسم العائلة والوطن بنجاحي».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©