حماسة البحتري·· عودة لنشر التراث العربي

الاختيارات الشعرية فن اضطر اليه المشتغلون العرب بالمنتخبات فمن معلقات العرب ثم المفضليات والاصمعيات جاءت حماسة أبي تمام ثم اتبعها الشعر البحتري بكتابه ''الحماسة'' الذي يجيء زمنياً بعد حماسة استاذه أبي تمام وفي كل ذلك اختيارات ذوقية ومعرفية في آن واحد للشعر العربي بعصوره المتوالية، العصر الجاهلي ثم الإسلامي والأموي بعد ذلك· في هذا الإطار ألف البحتري كتابه ''الحماسة'' الذي صدر حديثاً عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ''المجتمع الثقافي'' في أبوظبي·· بتحقيق الدكتور محمد إبراهيم حور وأحمد محمد عبيد الباحث والمحقق· أخطاء وأخطاء يشرح المحققان جوانب الاخلال بتحقيق الطبعة الرابعة من الكتاب التي وصفها الدكتور محمد نبيل الطريفي منها الوقوع في أكثر الأخطاء التي وقعت فيها طبعتا لويس شيخو وكمال مصطفى ومن أهمها أن الباحث الطريفي كان قد اتخذ طبعتي شيخو ومصطفى مصدراً ولم يتخذ المخطوطة الأصل مع تصرفه في كثير من أسماء الشعراء ونصوحهم بالتغيير الذي لا داع له بحسب قولهما· هنا يستنتج الباحثان أن لويس شيخو قد تصرف في كثير من النصوص بالحذف والتغيير دون وازع، وقد تابعه طريفي في أكثر هذه الأخطاء التي هي أكثر من أن تحصيها المقدمة اذ هي بحاجة الى بحث مستقل فيها''· تلك هي أجزاء بسيطة من المبررات التي استدعت الباحثين الى إعادة تحقيق ''حماسة'' البحتري اعتماداً على مخطوطة مكتبة ''ليدن'' التي عدت المصدر الأول في تحقيقهما · لقد وصلت مقطوعات الحماسة لدى الباحثين الى 1462 مقطوعة وهي ذات المقطوعات المثبتة في المخطوطة ولذا فإنهما طابقا عدد المقطوعات في المخطوطة الأصل وكتابهما المحقق مع وضعهما الفهارس الضرورية للقوافي والشعراء والمواضع والأيام والأشعار والايجاز والمصادر والمراجع· مخطوط وحيد يقول الباحثان إن لحماسة أبي عبادة الوليد بن البحتري ''ت 248هـ'' مخطوط وحيد محفوظ في مكتبة جامعة ''ليدن'' لا نعلم له ثانياً في مكتبات العالم وعليه اعتمد ناشروا الحماسة وهو بخط جيد مقروء لا يخلو من التصحيف وأخطاء الناسخ احياناً مع أخطاء في نسبة بعض الشعراء الى قبائلهم· ومن هذا المنظار يأتي تحقيقهما لتقديم نص الحماسة بمجمله بالطريقة المثلى المدققة بعناية فائقة وهما لا يبخسان حق أبي تمام في حماسته ولا يناصران حماسة البحتري تعصباً بل هما يقولان ''نحن نعلم إن البحتري يعترف بأستاذية أبي تمام له في الشعر لكنها استاذية تخرج من دائرة التقليد الى الابداع فكان ''البحتري'' مخالفاً له في الأسلوب والنهج حتى باتا يمثل كل واحد منهما اتجاهاً فنياً في الشعر مغايراً للآخر، وحين صنف أبو تمام حماسته، لاحظنا البحتري يحذو حذوه فيضف حماسته فيلتقيان في الفكرة ويختلفان - مرة أخرى - في المنهج ولا يكاد يجمع بينهما الا العنوان ويفترقان ـ بعد ذلك ـ في كل شيء''· ولكن الخصائص الجديدة التي أسسها البحتري في الاختيار والمنهج حيث عده الباحثان مستقلاً في منهجه وفي غزارة مادته ولذا فإنهما يجملان خصائص منهجه عن طريق التفريق بين منهجي أبي تمام والبحتري وفي ذلك فضيلة حقاً في أنهما اثبتا اطلاعهما على المنهجين ومتجرهما في أسلوبية الاختيار عند الرجلين، ولذا فإنهما يريان أن حماسة أبي تمام قامت على مبدأ ''الأغراض الشعرية'' بينما قامت حماسة البحتري على مبدأ ''المعاني الشعرية'' كما أن حماسة أبي تمام قامت على الاجمال في الأغراض فقذفتها الى عشرة أبواب بينما قامت حماسة البحتري على التفصيل الدقيق فقنن حماسته الى مائة وأربعة وسبعين باباً، كذلك كشف البحتري عن قدرة فائقة على تقصي المعاني الشعرية والتمييز بينها، وانه فتت القصيدة الواحدة واعتبرها الباحثان تهشيماً للوحدة العضوية والنفسية والسياق المنسجم الذي حفلت به القصيدة العربية وبخاصة في عصورها الأولى· كان عدد الشعراء في حماسة البحتري 630 شاعراً كثيرهم لم يرد عند غيره، أما الأغراض التي قسم من خلالها الشعر العربي في عصوره الثلاثة فتعددت حتى وصلت الى 174 غرضاً أو باباً منها على سبيل المثال ما قيل في حمل النفس على المكروه والفتك ومجاملة الأعداء وفي ركوب الموت خشية العار وفي إغاثة الملهوف وفي التبرم في الحياة وفي الندامة وفي فضل أهل الكرم وفي الحرص والشره وذمهما وفي النفي والبر، وغيرها الكثير·