الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا اللاتينية... وتداعيات الأزمة اليونانية

29 مايو 2010 00:07
لا أريد أن أكون ممن يقتلون الفرحة، ولكنني لم أقتنع بعناوين الصحف الأخيرة التي توقعت ارتفاع الاستثمارات الخارجية في أميركا اللاتينية بما قد يصل إلى 50 في المئة هذا العام. وإذا قرأ المرء ما وراء العناوين، فإنه سيتوصل إلى استنتاج أكثر واقعية على الأرجح. في تقريرها السنوي بشأن الاستثمارات الخارجية والذي تم الإفراج عنه قبل بضعة أيام، توقعت اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي التابعة للأمم المتحدة أن الاستثمارات الخارجية المباشرة في المنطقة ستتجاوز 100 مليار دولار هذا العام، أي ما بين 40 في المئة و50 في المئة أكثر مقارنة مع العام الماضي، وهو ما من شأنه أن يسمح للمنطقة بالعودة إلى المستويات القياسية لما قبل أزمة 2008 العالمية بخصوص الاستثمارات الخارجية، ويجعلها محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي. وهكذا، ظهرت على الفور عناوين فرح عبر المنطقة تستشرف تدفقا كبيرا للعملة الأجنبية. غير أنه بموازاة مع ذلك، وبينما كانت اللجنة الاقتصادية الأممية تميط النقاب عن توقعاتها، هزت أخبار الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في شوارع اليونان المشلولة اقتصادياً الأسواق العالمية؛ حيث أثارت أعمال الشغب، التي أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص، المخاوف بشأن إمكانية أن تمتد أزمة الديون اليونانية إلى البرتغال وأيرلندا وإسبانيا وإيطاليا. وفي تلك الليلة، اتصلتُ بمدير اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي والمؤلف الرئيسي للتقرير، ماريو سيمولي، وسألته ما إن كان مايزال متمسكا بتوقعاته. فاعترف لي بأن توقعاته يمكن أن تتأثر بالتطورات الجديدة وقال: "إذا ظلت هذه المشكلة مقتصرة على اليونان، فإن توقعاتنا بشأن أميركا اللاتينية تظل قائمة... ولكنها إذا امتدت إلى بلدان أوروبية أخرى، وبخاصة إسبانيا، فتلك قصة مختلفة". والواقع أن أميركا اللاتينية يمكن أن تتضرر كثيرا جراء أزمة أوروبية، وذلك لأنها تعتمد كثيراً على أوروبا التي تستقبل 50 في المئة تقريباً من استثماراتها الخارجية، وقرابة 20 في المئة من صادراتها، وذلك حسب أرقام اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي. وعلاوة على ذلك، فمن المتوقع أن تُضعف الأزمةُ العملة الأوروبية "اليورو" أكثر، وهو ما سيجعل شراء البضائع الأميركية اللاتينية أكثر غلاء، على الصعيد التجاري. أما على صعيد الاستثمارات، فإن البنوك الأوروبية -وبخاصة البنوك الإسبانية التي تعد من بين أكبر المستثمرين الأجانب في أميركا اللاتينية- قد تنسحب وتقلص حضورها في المنطقة. وفي هذا الإطار يقول سيمولي: "إذا وصلت الأزمة إلى إسبانيا، فإن المكاتب الرئيسية للبنوك الإسبانية ستشرع في سحب الأموال من أميركا اللاتينية، لأنها ستحتاج إلى زيادة تدفق السيولة في بلدها". بيد أنه حتى في حال لم يكن ثمة أي تأثير للأزمة اليونانية في أميركا اللاتينية، فإن "سيمولي" أثار انتباهي إلى جانب قلما يُلتفت إليه ضمن تقرير اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي، جانب ينبغي أن يشكل مصدر قلق رئيسي بالنسبة لأميركا اللاتينية، ذلك أن 8 في المئة فقط من كل الاستثمارات الخارجية في المنطقة تذهب إلى صناعات عالية التكنولوجيا مثل مصانع تجميع الطائرات، في حين تذهب 16 في المئة إلى صناعات متوسطة التكنولوجيا مثل مصانع أجزاء السيارات، و76 في المئة إلى صناعات منخفضة التكنولوجيا مثل صناعة المواد الغذائية أو المشروبات أو النسيج، كما يفيد التقرير. بعبارة أخرى، إن معظم الاستثمارات الأجنبية في أميركا اللاتينية تذهب إلى صناعات تُنتج سلعاً أساسية، في اقتصاد عالمي حيث تحتاج البلدان على نحو متزايد إلى تصدير سلع ذات قيمة إضافية مرتفعة حتى تنمو بسرعة أكبر. وإذا كانت الصين والهند وبلدان آسيوية أخرى تستقبل على نحو متزايد استثمارات خارجية لإنتاج شرائح الكمبيوتر، وسلع أخرى عالية التكنولوجيا، فإن معظم الأموال الأجنبية التي تتدفق على أميركا اللاتينية تذهب إلى زراعة المحاصيل الغذائية أو استخراج المعادن. وشخصياً، أعتقد أن الأزمة اليونانية ستأتي وسترحل. ومثلما تسبب انهيار مؤسسة "ليمان براذرز" في 2008 في أزمة عالمية، ولكنه لم يتسبب في نهاية العالم، فكذلك الحال بالنسبة لهذه الأزمة. والأرجح أن "اليورو" سيزداد ضعفاً بعض الشيء، وستتباطأ وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي بعض الشيء، وستعاني أميركا اللاتينية تأثيرات متوسطة -ولكنها ليست كارثية- ولكن أكثر ما يبعث على القلق بشأن توقعات التقرير الاقتصادي الأممي هو حقيقة أن معظم بلدان أميركا اللاتينية لا تعمل على خلق مناخ جذاب للاستثمارات التكنولوجية -على غرار البلدان الآسيوية من أجل تشجيع الشركات الأجنبية على استثمار أموالها في صناعات التكنولوجيا العالية في المنطقة. وبالتالي، يتعين على بلدان أميركا اللاتينية أن تقوم، من بين أمور أخرى، بتمويل مشاريع البحوث الجامعية التي يمكن أن تفيدها تجارياً، ومنح حوافز ضريبية للشركات الخاصة حتى تنتج منتجات جديدة، والقيام بعملية تحديث جذرية لأنظمتها التعليمية؛ لأنه من دون ذلك، فإن التوقعات الأخيرة بشأن نمو الاستثمارات لن تُحدث فرقا كبيرا، حتى في حال تحققها. أندريس أوبنهيمر كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©