الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فـي الزمـن الرمـادي.. لا حيـاة لمـن تنـادي!

12 يوليو 2016 22:38
أسقط الإرهابي المنتحر عند المسجد النبوي الشريف إلى غير رجعة أغنية «المواجهة الفكرية للإرهاب».. ليصبح الكلام عن الحوار وتجديد الخطاب الديني وإقامة الندوات والمناظرات والمحاضرات عبثاً ورفثاً وفسوقاً وعصياناً وجدالاً بلا طائل.. بل هو جدال يغذي الإرهاب ويشرعنه ويعترف غباءً وغفلة وحماقة بأن الإرهاب لديه فكر ورؤية وقيم ومشروع ينبغي التصدي له بالفكر والحوار. والذين صدّعوا رؤوسنا وأحرقوا دمنا وأعصابنا بأكذوبة المواجهة الفكرية للإرهاب والحوار الموضوعي معه ومع مؤيديه ومناصريه عليهم أولاً أن يجيبوا عن سؤالنا المهم: ما الفكر الإرهابي الذي يجب التصدي له بالفكر؟ ما مشروع الإرهابيين الفكري ونسقهم القيمي اللذان ينبغي مواجهتهما بالحوار الهادئ والبناء والموضوعي؟.. دلّونا على إرهابي أقلع عن إرهابه بالحوار والمناظرات والمحاضرات والمنتديات! وبفضل كذبة الحوار والمواجهة الفكرية يكتسب الإرهاب كل يوم مجانين جدداً.. ويخسر أهل الموضوعية والاعتدال والحوار والفكر عقلاء جدداً.. وقد أضحكني حتى بكيت أحد الذين نسميهم العلماء أو الدعاة أو الدهاة عندما سئل في برنامج عن دور العلماء في التصدي للإرهاب، فألقى خطبة عصماء جاء فيها أن الإرهاب ضال ومضل ولا وطن ولا دين له وأن أنصاره خوارج، ثم قال ما أضحكني حتى بكيت: وأن على العلماء دوراً كبيراً وواجباً مقدساً في التصدي للإرهاب.. تخيل! ما دور العلماء في التصدي للإرهاب؟ دورهم كبير ومقدس في التصدي للإرهاب.. كأنهم والماء من حولهم.. قوم ومن حولهم ماء، على رأي الشاعر.. ساعتها قلت لنفسي التي أحدّثها كثيراً هذه الأيام جنوناً أو غضباً أو يأساً: نعم.. للعلماء دور كبير ومقدس في مواجهة الإرهاب ولكن أين العلماء؟ نعم.. لا بد لعقلاء هذه الأمة أن يتصدوا للإرهاب.. ولكن أين العقلاء في أمة المجانين والحمقى؟ علماء ودعاة الأمة لديهم حرب أخرى مقدسة هي حرب تحرير أجسادنا من الجن الذي يتلبسنا ويحتل أبداننا وكيف يتم اقتحام أجسادنا لطرد المستعمر الجني وإخراجه من أظافرنا أو من أصابع أقدامنا.. وهناك ديمقراطية في التفاوض مع الجن داخل أجسادنا والسماح له بالاستسلام بلا قتال ولا حرق والخروج من أي نقطة شاء في أجسامنا.. علماء ودعاة ودهاة الأمة مشغولون بالحوار والمواجهة الفكرية مع الجن الذي يتلبس الأجسام ويرفض الجلاء عنها.. والحقيقة أن المفاوضات بين هؤلاء والجن شاقة وصعبة لكنها تنتهي دوماً بانتصار العلماء ودحر الجن بلا قتال أو حرق. ليس عندنا في أمتنا علماء ولا عقلاء كثيرون ولكن عندنا ملايين العملاء والمجانين ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك حوار مع العملاء والمجانين، فأتباع كل الجماعات والمنظمات والحركات المسماة إسلامية فريقان لا ثالث لهما.. أحدهما فريق العملاء الذين يتخذون أجراً على هدم وتدمير هذه الأمة، والآخر فريق المجانين والمختلين عقلياً الذين لا يحتاجون أبداً إلى إقناع أو غسيل مخ لممارسة جنونهم وخللهم العقلي.. وهذا هو التبرير المنطقي جداً والجواب المؤكد لسؤال: لماذا لا يحتاج تجنيد أبناء هذه الأمة في عصابات الإرهاب إلى عناء بينما يستحيل إقناعهم بترك هذه العصابات والعودة إلى الصواب؟ أعطِ مجنوناً سكيناً واطلب منه أن يقتل بها نفسه أو غيره.. النتيجة أنه سينفذ فوراً دونما حاجة إلى إقناع أو غسيل مخ.. وبعد ذلك أعطِ المجنون سكيناً واطلب منه أن يقطع بها ثمرة أو (تورتة).. النتيجة أيضاً أنه سيغرسها في قلبك أو قلبه ولن ينفذ ما طلبت.. ولو حاولت إقناعه باستخدام السكين في تقطيع الثمرة أو التورتة فأنت مجنون مثله.. إذ تخاطب عنده ما ليس موجوداً لديه وهو العقل.. وبعض الذين يدعون إلى الحوار والمواجهة الفكرية للإرهاب هم مجانين يحاورون مجانين.. والإرهاب ليس سوى شرعنة الجنون باسم الدين وتحت عنوانه.. وكل الإرهابيين ومن والاهم وناصرهم قولاً أو فعلاً هم مجانين ومجرمون ومنحرفون ومختلون عقلياً جعلوا الإسلام قناة شرعية لجنونهم وإجرامهم.. وليس صحيحاً أبداً أن الإرهاب نبت شيطاني في أمتنا بل هو زرعنا وغرسنا ويوجد في التربة العربية ولديه حاضنة اجتماعية وشعبية في كل أنحاء هذه الأمة! بعض الذين نسميهم العلماء والدعاة غارقون طوال الوقت في عملية ممنهجة لتغييب الوعي وسبل التفريق بين لون دم الحيض ودم القتلى وغارقون في تزكية المسلمين على الله بالمقولة اليهودية الشهيرة «لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات».. غارقون في تلقيننا كراهية الآخر.. كراهية المسيحي واليهودي وأننا خير أمة أخرجت للناس وهم لا يعون معنى أمة ويحصرونه في حفنة من العرب والمسلمين دون غيرهم.. كل البشر مغضوب عليهم وضالون إلا نحن.. إنها النرجسية البغيضة والعمى عن النقائص والعيوب وتغذية التعصب والطائفية والقبلية الدينية التي انتقلت من العرق إلى الدين.. فأصبحت الأمة شيعاً وطوائف وجماعات ومنظمات وفرقاً هالكة.. إنه الخلل العقلي.. فلا أكاد أسمع داعية أو من نسميه عالماً إلا وأزداد يقيناً بأن الخلل العقلي صار وباء في هذه الأمة ولا سبيل لمواجهته.. لماذا يسارع العرب أفواجاً إلى الإرهاب والشرور والكراهية.. وإذا قيل لهم انفروا إلى العقل والمنطق اثاقلوا إلى الأرض؟ هذه الأمة فقدت عقلها كأن يأجوج ومأجوج فُتحت وأصبح بعضنا يموج في بعض ولم نعد نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. كان الناس في مصر يسخرون عندما تعلن وزارة الداخلية المصرية أن شخصاً مختلاً عقلياً وراء حادث ما.. وبعد حين تبين لنا وللجميع أنه قول حق، لأن كلاً الإرهابي والانتحاري لا بد أن يكونا مختلَّين عقلياً.. وكل إرهابي مختل عقلياً وليس كل مختل عقلياً إرهابياً.. وعندما غاب العقل بفضل علماء الجن والحيض والنفاس وتزكية النفس والكراهية.. ضاع كل شيء في هذه الأمة.. وما زلت أكرر أن الصحابة أثنوا على رجل عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بكل خصال الخير فقال صلى الله عليه وسلم: كيف عقله؟ فقالوا: إن من عبادته وإن من خلقه وإن من أدبه وإن من فضله.. فقال: كيف عقله؟ فقالوا: يا رسول الله: نثني عليه بكل فعال الخير وتسألنا عن عقله؟ قال: إن الأحمق العابد يصيب بجهله أشد مما يصيب الفاجر. وكانت العرب تقول: من لم يكن عقله هو أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خصال الخير عليه.. يعني أن يكون هلاكه وهلاك من حوله بعبادته وصلاته وصيامه وزكاته وجهاده وخلقه وقوله وفعله.. فماذا جنينا من تزكية النفس وبث الكراهية غير الدماء والدمار؟ والحكماء يقولون: ليس بين المرء وبين أن لا يكون فيه خير إلا أن يرى أن فيه خيراً.. وإذا فقد الإنسان العقل فما تغني النذر؟ وقد قيل في تفسير قوله تعالى: «لينذر من كان حياً» أي من كان عاقلاً.. وفي هذا الزمن المجنون لا تغني النذر، وفي الزمن الرمادي لا حياة لمن تنادي. *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©