الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بولانسكي...جريمة لا تسقط بالتقادم

بولانسكي...جريمة لا تسقط بالتقادم
29 سبتمبر 2009 23:59
ألم يعاني بولانسكي بما فيه الكفاية؟ ألم يعاني من كل تلك الشتاءات الباريسية الباردة الممطرة القاتمة؟. ألم يتحمل طيلة ما يزيد عن ثلاثة عقود تلك الحالة التي وجد نفسه فيها مضطرا فيها إلى الحد من خياراته الفنية وهو يحاول التكيف مع ذلك الإيقاع الرتيب للحياة في جنوب فرنسا؟ لديّ سؤال أفضل من ذلك: أليس من الواجب على بولانسكي والمعجبين به والملتمسين له العذر أن يريحونا قليلا من هذه الأسئلة وغيرها؟ أود بداية القول إنني واحد من كبار المعجبين ببولانسكي، وأنني اعتبر فيلمه «تشينا تاون» أوالمدينة الصينية فيلمي المفضل على الإطلاق، كما أعجب بفيلم «طفل روزماري» أيما إعجاب، واعتبره تحفة فنية ليس لها مثيل وأرى بناء على ذلك أن الرجل يستحق الأوسكار عن جدارة واستحقاق بعدما فاز بجائزة أفضل مخرج عن فيلم «عازف البيانو». فهو فنان عظيم بكل معنى الكلمة... واعتقد أن فيلمه الجديد سوف يكون رواية عن السجن الذي سيزج به وراء قضبانه بعد أن تم اعتقاله مؤخراً. ولكن عبقريته الإخراجية تلك، لا تبرر بأي حال هروبه من وجه العدالة الأميركية منذ 1978بعد إدانته بممارسة الجنس مع فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً عندما كان يصور فيلم «تشاينا تاون» في لوس أنجلوس، وقام باستدراج تلك الفتاة إلى شقته. ما قام به بولانسكي أمر شاذ بالفعل... وعلى رغم أنني أتفق مع رأي الأوروبيين القائل بأن الأميركيين يميلون إلى إظهار أنفسهم بمظهر الشعب المحتشم عندما يتعلق الأمر بالجنس، إلا أن الأمر هنا يتعلق برجل ناضج يستدرج فتاة قاصر إلى شقته، ويقدم لها المخدرات والخمر حتى تغيب عن وعيها ثم يمارس معها الجنس وهي فاقدة الوعي. وهو ما يمثل جريمة مكتملة الأركان بكل المقاييس في كل مكان في العالم، وتستحق بلا شك، ما هو أكثر من قضاء ما يزيد عن ثلاثة عقود في منفى اختياري فاخر بكل معنى الكلمة. بعد أن اعترف «بولانسكي» بذنبه، عقد صفقة مع رجال النيابة في أميركا وعدوه بموجبها أنه سيخرج رجلا حرا من قاعة المحكمة - بعد أن كان قد قضى 42 يوماً في السجن - وأن الحكم الصادر ضده لن يزيد عن هذه المدة. وبعد أن وافق بولانسكي على ذلك، علم أن القاضي الذي سينظر قضيته هو من ذلك النوع من القضاة المغرمين بمطاردة المشاهير، وأنه سيرفض الالتماس المقدم له من محاميه، بالإفراج عنه بعد أن قضى المدة المشار إليها في السجن، ويحكم عليه بالسجن مجدداً. ولذلك قرر الهروب من المدينة والاختفاء تماماً عن الأنظار قبل أن يظهر بعد ذلك بمدة في فرنسا. وعندما طالبت أميركا بتسليمه رفضت السلطات الفرنسية ذلك على اعتبار أن الجريمة التي ارتكبها ليست مدرجة في قائمة الجرائم التي تخولها ترحيل بولانسكي إليها. من المعروف أن بولانسكي يحمل جنسية مزدوجة فرنسية - بولندية وهو ما جعل المسؤولين في البلدين يشعرون بالغضب الشديد بعد أن تم القبض عليه في مطار زيورخ لدى وصوله لاستلام جائزة شرفية من مهرجان زيورخ السنوي تقديراً لتاريخه الفني. وغضب المسؤولين الفرنسيين والبولنديين يجعلني أشعر بالغضب الشديد في الحقيقة. فعلى ماذا يستندون في غضبهم هذا؟ هل الى أن «بولانسكي» رجل عجوز يبلغ من العمر 76 عاماً؟ هل يستندون الى أنه مخرج عظيم قدم أفلاماً خالدة سوف تظل ماثلة في ذاكرة عشاق السينما؟ هل يستندون الى أنه اضطر اضطرارا للغضب لأنه استشعر أن الحكم الذي سيصدر ضده لن يكون عادلا؟آسف يا أصدقائي المحترمين! إنني لا أقبل بأي سبب من هذه الأسباب كتبرير لغضبكم، وأقول طالما أن الرجل قد قرر أن يصبح لاجئاً، فأنه يجب - على أقل تقدير - أن يقبل باحتمال أنه سيتم القبض عليه يوماً من الأيام، مهما طال هروبه، وهو ما حدث بالفعل. لقد كثر الحديث - في مجال الدفاع عن بولانسكي - عن تلك الفتاة التي أصبح عمرها الآن 45 ، وأنها لم تعد تشعر بأي ضغينة تجاهه بعد انقضاء كل تلك السنين، وعلى أنها لا تريد أن تراه وقد زج به في السجن، ولكن ما أود قوله في هذا السياق هو أن ما تشعر به تلك الضحية، بعد أن أصبحت سيدة ناضجة، ليس مهما، وإنما المهم هو ما شعرت به وقتها عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها عندما ارتكب بولانسكي جريمته الأخلاقية. أما بالنسبة لهؤلاء الذين يقولون إن هناك شيئا غير عادل في القبض على بولانسكي، فإن رأيي أن ما يقولونه يدل على أنهم يقبلون ضمنا بالحجة التي ساقها بولانسكي في حينها عندما قال إنه يمكن لفتاة في الثالثة عشرة من عمرها أن تقبل تحت تأثير المخدرات والخمر بممارسة الجنس مع رجل عمره 40 عاما، أوربما يريد المدافعون عنه القول إن تخدير طفلة واغتصابها ليس بأمر ذي شأن. في رأيي أنه أمر ذي شأن، بل وشأن كبير أيضا. وحتى في دولة متحررة مثل فرنسا فإنه يجب أن يكون أمرا ذا شأن. فالمسألة هنا لا تتعلق فحسب بملاحقة رجل عبقري في مجاله لازدرائه لتقاليد مجتمع متزمت مثل المجتمع الأميركي، وإنما هي تتعلق برجل يستغل شهرته ونفوذه لاغتصاب ـ بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ـ طفلة بريئة. كما أن الأمر يتعلق أيضا برجل آثر الهرب خارج البلاد خوفا من عواقب جريمته بدلا من البقاء ودفع ثمن هذه الجريمة، والتكفير عنه . فقبل أن يفرض عليه الحكم آثر أن يهرب كالفأر كي يعيش عيشة الأمراء في فرنسا. إن القبض على بولانسكي هو نوع الجزاء الذي يجب على مخرج عبقري مثله أن يدرك أنه كان لا بد أن يناله في النهاية. فهروبه المذعور إلى فرنسا لم يكن بكافة المقاييس ـ أن ينتهي إلى نهاية سعيدة. يوجين روبنسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©