الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التعريب بين الحلم والواقع

30 سبتمبر 2009 00:00
هل يا ترى لو اعتمدت دول الخليج سياسة التعريب ببطء، لكان بالإمكان نشر اللغة العربية في العالمين؟ فهناك عدد كبير من الجنسيات يعمل في المنطقة؟ إنه سؤال مفتوح، فالاتصال هو ميزة بني آدم، فلا يمكن أن يعالج طبيب مريضاً؛ إذا لم يفهم منه مما يعاني، ولا يمكن استقدام ترجمان في كل مرة ومكان. واليوم يشتغل الواقع بطريقته الخاصة، فإذا لم يتعلم الناس العربية الجيدة فلسوف ينطقون العربية المكسرة. وهكذا ولدت لغة بحكم الواقع هي عربية وعجمية في الوقت ذاته، وهي من أعجب الكلام؛ فالعامل البنغالي مثلا يقول: أنا في كلام أنت في معلوم؟ يقصد أنه يتحدث، وأن الآخر فهم ما يقول. وعندما يراجع الإنسان تاريخ قوة اللغات وانتشارها من ضعفها وانقراضها، فإن هذا يرجع إلى قوة الحضارة. واليوم تُظهر قناة «ديسكفري» لغات لم يعد يتكلم بها أكثر من 150 شخصاً كما في لغة «المايا» في جواتيمالا. ومقابل ذلك فقد تم إحياء اللغة العبرية بعد أن كانت ميتة، في الوقت الذي تقتل العربية وهي حية. وتنقرض عشرات اللغات في السنة؛ فلا يبق إلا الأفراد الذين يتكلمون بها. وهناك حالياً ستة آلاف لغة على وجه الأرض، في ستة مليارات من البشر، ولكن بعد نصف قرن قد لا يتبق إلا المئات منها. وهناك مشروع حجر رشيد لحفظ اللغات في الإنترنت. وقصة اللغة العربية تحكي قصة التفوق الحضاري أو الهزيمة. وابن خلدون في المقدمة عقد فصلا عجيباً بعنوان فصل في أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده. ويعلل ذلك ابن خلدون أن «النفس تعتقد الكمال في من غلبها، ولذلك ترى المغلوب يتشبه بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه. وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائماً، وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم».. ثم يستشهد بواقعة من هذا النوع لاحظها في أهل الأندلس في زمانه فيقول: «كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة، فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم، حتى في رسم التماثيل والجدران والمصانع والبيوت، حتى لقد يستشعر من ذلك الناظر بعين الحكمة أنه من علامات الاستيلاء والأمر لله. وكلام ابن خلدون ينطبق على موضوع اللغة. وجامعة دمشق حاولت تعريب الطب، ولكنها دخلت معركة خاسرة، وزادها بوارا انتقال زمام هذه المحاولة إلى يد القوميين الشوفينيين الخائبين، الذين محقت البركة مع حضورهم. وأما في المغرب فقد تحولـت العربيـة إلى خليط لغـات تكاد لا تفقه لهم قولا. واليوم تزحف اللغة الإنجليزية عبر الإنترنت في كل العالم، ومن لم يتصل باللغة الإنجليزية والإنترنت أصبح خارج التاريخ والجغرافيا. وتلك الأيام نداولها بين الناس. ولنبك لغة العروبة التي تحتضر ولنوزع بطاقات النعي.. فكل لغة هي لسان قومها، فإذا خرسوا خرست، وإذا نطقوا عبرت وأبدعت.. د. خالص جلبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©