الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية في تركيا··· رسالة إلى العالم الإسلامي

الديمقراطية في تركيا··· رسالة إلى العالم الإسلامي
26 يوليو 2008 00:23
تقوم رؤية الرئيس ''بوش'' لشرق أوسط ديمقراطي، في جزء منها على فكرة تصالح المنظمات الإسلامية، التي تحظى بشعبية واسعة في المنطقة، مع طابع الأخذ والعطاء الذي يميز الديمقراطية؛ وعليه، فقد يكون من المنطقي أن تبذل إدارة ''بوش'' كل ما في وسعها من أجــل دعم حزبٍ خضــع لهذا التحــول في تركيا؛ ولكــن ذلك لم يحدث· لقد تميز حزب ''العدالة والتنمية'' التركي، الذي اختار أن يكون المعادل الإسلامي لحزب ''الديمقراطيين المسيحيين'' في أوروبا، بتمريره لسلسلة من الإصلاحات غير المسبوقة كحزب حاكم في البلاد؛ بيد أن المحكمة الدستورية التركية -التي تعد معقل الحرس القديم العلماني المتشدد- تهدد اليوم بإغلاق حزب العدالة والتنمية ومنع شخصياته القيادية، مثل رئيس الوزراء ''رجب طيب أردوجان'' والرئيس ''عبد الله جول''، من ممارسة السياسة لخمس سنوات؛ وأمام هذا الانقلاب القضائي الوشيك، اختارت إدارة ''بوش'' عدم الاكتراث؛ والحال أن العواقب قد تكون أعظم من مجرد انتكاسة للديمقراطية في تركيا، وقد تشمل الشرق الأوسط برمته· الأسبوع المقبل، يرتقب أن تقول المحكمة الدستورية كلمتها بشأن التهم الموجهة لـ''حزب العدالة والتنمية''، وبخاصة كونه ''مركزا للأنشطة المناوئة للعلمانية''؛ ويُذكر هنا أن الدستور التركي يعتمد العلمانية باعتبارها مبدأ لا يمكن تغييره، ويسمح للمحكمة بحظر الأحزاب التي ترى أنها مناهضة للعلمانية؛ والحال أن تفكيك حزب منتخَب بطريقة ديمقراطية لأسباب مشكوك فيها مثل محاولة رفع حظر مثير للجدل على ارتداء الحجاب في الجامعات -وهي أصل القضية المرفوعة ضد حزب العدالة والتنمية- ليست هي الطريقة التي تتعاطى بها الديمقراطيات الناضجة مع المواضيع المثيرة للانقسام· فالقضاة ليسوا هم من ينبغي أن يقرر مصير الأحزاب، وإنما الناخبون· فمنذ تأسيسه من قبل إصلاحيين انشقوا عن الحركة الإسلامية، أقبل الناخبون بكثرة على حزب العدالة والتنمية؛ وتم في 2002 انتخابه بفضل برنامج تعهد بالمحافظة على العلمانية ومواصلة جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؛ كما تبرأ صراحة من تصنيف ''الإسلامي''؛ وبعد ذلك، قامت الحكومة التي يتزعمها حزب ''العدالة والتنمية'' بتمرير سلسلة من الإصلاحات الديمقراطية دفعت بروكسيل إلى الشروع في مفاوضات رسمية للانضمام مع تركيا؛ كما دفعت هذه الإصلاحات، إلى جانب نمو الاقتصاد، 47 في المائة من الأتراك إلى التصويت لحزب العدالة والتنمية ليعاد انتخابه في ·2007 مما لا شك فيه أن رصيد حزب ''العدالة والتنمية'' لا يتسم بالكمال؛ حيث أخذ على الحزب مثلا حذره المفرط بخصوص إلغاء بعض القيود على حرية التعبير؛ ورفعه الحظر على الحجاب بشكل مفاجئ بدون بدء نقاش وطني أولا؛ ولكن بالرغم من هذه العيوب، إلا أنه الحزب الأكثر ميلا إلى الديمقراطية- والأكثر موالاة للغرب أيضا- في الساحة التركية اليوم؛ وبالتالي، فإن إغلاقه يمثل خطأ فادحا· ذلك أن من شأن حظر حزب يحظى بدعم نصف البلاد تقريبا أن يفجر أعمال عنف، يمكن أن يستعملها جنرالات تركيا حينها ذريعةً لتدخل عسكري مباشر؛ ووعيا بهذه المخاطر على ما يبدو، لم تتوان شخصيات قيادية من الاتحاد الأوروبي في انتقاد قضية إغلاق الحزب، محذرة من أن من شأن حظره أن يضر كثيرا بملف ترشح تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؛ والحال أن الأكثر ضررا ربما الرسالة التي سيبعث بها ذلك إلى بقية العالم الإسلامي: مهما كانت درجة اعتدال الإسلاميين، إلا أنهم لن يُقبلوا كمشاركين شرعيين في العملية الديمقراطية· ففي السنوات الأخيرة، تبنت منظمات إسلامية رئيسية عبر المنطقة -مثل مصر والأردن والمغرب- الكثير من المكونات الأساسية للحياة الديمقراطية؛ غير أن اعتدالها قوبل بقمع الحكومات أو مخططات لتقييد مشاركتها السياسية؛ والحقيقة أن الخطر أكبر مما قد يبدو؛ ذلك أنه إذا تم تفكيك حزب العدالة والتنمية -وهو الحزب ''الإسلامي'' الأكثر اعتدالا وموالاة للديمقراطية في المنطقة- فإن ذلك سيقوي الإسلاميين الذين ينظرون إلى العنف والمواجهة باعتبارهما طريقة فعالة وأكيدة للتأثير على السلطة السياسية· وعلاوة على ذلك، حذر عدد من الزعماء الإسلاميين الذين تحدثنا معهم في مصر والأردن العـــام الماضي مــن أن النشطـــاء في القاعـــدة بدأوا يفقـــدون إيمانهـــم في العمليـــة الديمقراطية، ومن أنهم قد ينجذبون قريبــا إلى مقاربـــات أكثر راديكالية؛ وبالتالي، فـــإن حظــرا لحزب العدالــــة والتنميـــة لن يعمــل إلى علــى زيـــادة صعوبة مهمــة المعتدلين في مواصلة الإقناع بجدوى وأهميــة المشاركـــة في الانتخابات· الواقع أن وزيرة الخارجية الأميركية ''رايس'' تشيد بأجندة الدمقرطة التي يحملها حزب ''العدالة والتنمية''، ولكنها قالت الشهر الماضي: ''بالطبع، لا ننوي التدخل في القضية المثيرة للجدل في تركيا بخصوص قضية المحكمة''، قبل أن تضيف بعد لحظات من ذلك قائلة: ''أحيانا حين أُسأل بخصوص الشكل الذي يمكن أن تكون عليه الديمقراطية في الشرق الأوسط، أرى أنها قد تكون مثل تركيا''؛ من الصعب معرفة ما إن كانت ''رايس'' تحيل إلى تركيا الجديدة الآخذة في الدمقرطة، وهو ما حدث خلال السنوات الخمس الماضية، أو تركيا الرجعية حيث يقوم القضاة والجنرالات بتغيير إرادة الشعب· إن لدى ''بوش'' فرصة أخيرة واحدة لبعث الروح من جديد في قضية الديمقراطية في الشرق الأوسط· فعبر تنديدها علنا بقضية الإغلاق، تستطيع الإدارة البعث بإشارة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة لا تدعم الديمقراطية التركية في مواجهة هجوم داخلي خطير فحسب، وإنما ملتزمة أيضا بالدفاع عن كل اللاعبين الراغبين في احترام المبادئ الديمقراطية في منطقة هي في أمس الحاجة إلى مزيد منها· أليكس تورِل وشادي حامد باحثان في مشروع الديمقراطية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©