الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المقهى من جلسات للعاطلين إلى صفقات البزنس

المقهى من جلسات للعاطلين إلى صفقات البزنس
23 يناير 2009 23:15
منذ أن ظهرت المقاهي في شرقنا العربي في نهايات القرن الخامس عشر، وإلى الآن، صارت جزءاً من الثقافة الشعبية، وارتبطت بكافة طبقات المجتمع، غنيها وفقيرها، مثقفها وجاهلها، وعلّ من أشهر مرتادي المقاهي في وطننا العربي، هو صاحب نوبل الأديب المصري نجيب محفوظ، وزمرته التي كانت تجتمع باستمرار في أحد المقاهي الشعبية، في حي الحسين العريق، في قلب العاصمة المصرية، القاهرة· ولكن ماذا عن مفهوم المقهى في الوعي العام، وهل ثبت هذا المفهوم مذ أن ظهرت المقاهي إلى الوجود، أم لحقه ما يلحق بكل ما هو موجود في المجتمعات من تغيرات بفعل توالي العقود والقرون، وما يستتبعه من تطورات وتحولات تؤثر في كل عناصر ومكونات المجتمع· تحدثنا إلى بعض من رواد المقاهي، الذين أظهروا آراء متباينة تجاه المقاهي ووظيفتها في المجتمع، كما أشاروا إلى تغير مفهوم المقهى عن ذي قبل لدى كثير من شرائح المجتمع، وهو ما نستعرضه فيما يلي· مقاهي خمس نجوم محمد الغمري مدير إحدى الشركات بدأ حديثه إلينا قائلاً: لست من مرتادي المقاهي بكثرة، ولكن ظروف العمل قد تدفعني أحياناً إلى الذهاب إليها لمقابلة بعض عملائي، الذين قد أضطر إلى مقابلتهم في غير أوقات العمل الرسمية، ولذلك أعتقد أن مفهوم المقهى تغير تماماً عن الماضي، حيث كانت مأوى لمن ليس لديهم عمل، أو حتى أنهوا عملهم مبكراً ويريدون أن يستمتعوا بالجو خارج المنزل، فلم يكن لهم مكان يتوجهون إليه سوى المقهى، أما الآن تغير المنظور للمقهى، فأصبح مكانا لإنجاز بعض الأعمال والمعاملات التجارية، أو مناقشة و دراسة مشروعات بعينها، خاصة وأن بعضاً من هذه المقاهي يتسم بالرقي وبالخدمة الجيدة التي تكاد تضاهي فنادق الخمس نجوم، ومع ذلك فهناك شق لا يمكن إغفاله وهو أن من رواد القهوة من يأتي فقط لمجرد الخروج من المنزل والاستمتاع بالجلوس في الهواء الطلق بعيد عن الغرف المغلقة، وهي متعة بلا شك تدخل البهجة على نفوس الكثيرين· حسام العزاوي يرى أن المقهى أفضل مكان لملاقاة الأصدقاء ومسامرتهم، خاصة مع ظروف السكن التي لا تسمح في أغلب الأحوال باستقبال ضيوف غرباء داخل المنزل، كما أنه صار أشبه بمنتدى لتلاقي الأفكار بين عديد من أبناء الجنسيات العربية التي ترتاد المقاهي، حيث تدور مناقشات سياسية وفكرية ساخنة حول موضوعات عديدة قد تحدث على الساحة أو تشغل الرأي العام، وبالتالي أعتقد أن الجلوس على المقهى فتح لي أبوابا على عالم مليء بالحياة واشعر بوجودي فيه، بدلاً من جلوسي أمام شاشات التلفيزيون مجرد متلق لما يمكن أن تبثه وسائل الإعلام· قدري محمد عبدالله يعمل في إحدى شركات المقاولات يقول: من الطبيعي أن يتغير مفهوم الناس بالنسبة للمقهى عن ذي قبل، لأنه الآن أضحى ملتقى لجلسات الأعمال وتبادل المصالح، وعندما ألتقي الأصدقاء هنا، فذلك ليس لمجرد تضييع الوقت، بل هناك كثير من الأمور المتعلقة بالعمل التي ننجزها أثناء جلوسنا على المقهى، فضلاً عن أن الجلوس على المقهى مكلف مادياً، فلذلك أعتقد أن معظم مرتاديه أصحاب مشاغل ولا يعانون البطالة· هنا يلتقط حسين الدمياطي طرف الحديث ويذكر، حتى لو جاء بعض العاطلين إلى المقهى، فإن منهم من يجيء بغرض البحث عن فرصة عمل، لكون كثير من أصحاب الأعمال والمهندسين والمقاولين يجلسون على المقهى، ومن ثم قد تتيسر بعض فرص العمل في مجال المقاولات للباحثين عنها، وقد شهدت بعض هذه الحالات بنفسي· ''مقابلة زملاء العمل'' من جهته يضيف رزق محمد علي، والذي يعمل أيضاً في شركة للمقاولات، أنا أحضر للمقهى باستمرار لمقابلة زملاء العمل، وأيضاً لمقابلة أصدقائي، لأن ظروف السكن لا تسمح باستقبالهم هناك، وغالبية زياراتي للمقهى ليست لإضاعة الوقت، لأنه من الأصل لا يوجد وقت لتضييعه، لأن العمل يستغرق معظم اليوم، وإذ لم يكن هناك مصلحة من ذهابي للمقهى، فلن اذهب إليه· ويضيف وليد عبدالله الذي يعمل موظف استقبال في أحد الفنادق، أن نظرة الناس إلى المقهى تغيرت إلى حد كبير، فأنا وأصدقائي نعمل جميعاً، ورغم ذلك نلتقي بشكل شبه يومي للجلوس في المقهى، فنحن نعتبره متنفسا لنا للخروج من ضغوط العمل، ومشاكل وأعباء الحياة، وليس مجرد وقت فراغ نقضيه· ويؤكد محمود سعد على ما قاله زميله، فيشير إلى أن الوقت ليس به الكثير لتضييعه، وأن وجوده على المقهى، فعلاً بغرض الترفيه عن النفس، لأن الإنسان يحتاج إلى تغيير ومكان مختلف عن المنزل والعمل، كي يجدد نشاطه، والمقهى مكان مناسب لذلك تماماً· وفي ذات السياق يذكر محمد حكيم الموظف في إحدى المصالح الحكومية، أن وجود الأسرة وإقامتها معه، يمنعانه من استقبال أصدقائه في السكن، ولذلك فلا مجال لمقابلتهم سوى في المقهى، وهو لا يعتبر أن جلوسه به مضيعة للوقت، بل للاستفادة به في مقابلة المعارف والأصدقاء، وكذا مشاهدة بعض مباريات الكرة التي قد لا تتاح في القنوات التليفزيونية العادية، كما أن المقهى مكان مناسب للعلاقات الاجتماعية، وأشبه بنادي اجتماعي، وبصفة عامة هو مكان محترم ومكشوف وكل ما به يجري أمام أعين الجميع، فهو لذلك بعيد عن الشبهات، وليس كبعض الأماكن الأخرى التي يرتادها قلة من الناس· نادٍ اجتماعي مازن صلاح الجعلي مهندس كيميائي أوضح أن المقهى يمثل له ملتقى للأصدقاء بعد انتهاء العمل، ونتبادل أطراف الحديث والنقاشات حول كثير من الأحداث والمشاكل التي نعيشها، ويعيشها العالم من حولنا، ناهيك عن أن المقهى صار مكانا لممارسة العديد من الأعمال، وأصبح جزءا من ثقافة العمل، حتى أن بعض الأصدقاء يطلق عليه لفظ ''المكتب'' من قبيل المزاح، ولكنه يعود ليؤكد على أمكانية قضاء بعض الأعمال من خلال التجمع فيها· ويلفت خالد سلامة إلى أنه ليس بالضرورة من يجيء إلى المقهى أن يكون مدخناً للشيشة أو غيرها، لأن هناك من يجيء فقط لمجرد تناول المشروبات العادية ويتابع مباريات الكرة، ومن ثم فالجلوس هنا ليس مسألة منفرة كما في الماضي، خاصة وأن من هذه المقاهي ما يتميز بالرقي في مظهرها، وتشعر وكأنك جالس في أحد الفنادق الفخمة· السيد أحمد عبد الرحيم، أشار إلى أن المقهى أشبه بالنادي الاجتماعي ويسهل التقاء الأصدقاء فيه، خاصة وأن أسعاره رخيصة مقارنة بالأماكن الأخرى وتناسب جميع الطبقات والفئات، ومع ذلك لا اعتبر نفسي من رواده الدائمين، لأني آتي فقط في نهاية الأسبوع· على العكس من سابقه يؤكد أبو ذر عمر الطالب في إحدى الجامعات أنه من مرتادي المقهى بصفة يومية لملاقاة أصدقائه ومناقشتهم فيما يعتبره ''دردشة'' أكثر مما يمكن اعتباره موضوعات جادة، و جو المقهى يسعده ويبعده عن ضغوط الدراسة، سيما وأن فيه ألعاب ''الجيمز ''و''البلاي استيشن''، مما يجعلها مكاناً مثالياً للترفيه، إذا ما أضفنا رخص الأسعار لكل ما سبق· ووجود الدكتور شادي أحمد في المقهى جالساً إلى أصدقائه يؤكد على أن المقهى فعلا صار بوتقة لتلاقي كل فئات المجتمع، حيث أوضح الدكتور شادي، أن غالبية مرتادي المقاهي ممن يعملون وليسوا من العاطلين كما في السابق، ويشير إلى أن هناك وظيفة هامة للمقهى قد يغفل عنها الكثيرون وهي حماية الشباب من الانجراف وراء تيارات واتجاهات قد لا يرضى عنها الأهل والمجتمع في بعض الأماكن التي قد تكون فرص الانحلال فيها ميسرة، لأن كل ما يتم داخل المقهى يقع تحت أعين الجميع، وحتى لو تعلم بعض صغار الشباب تناول الشيشة، إلا أنه حسبما يقول: أفضل كثيرا من الأشياء الأخرى· 'مظهر للمساواة الاجتماعية'' عادل محمد يأخذ دوره في الحديث ليقول: إن المقهى صار بشكل أو بآخر يمثل مظهراً من مظاهر الديمقراطية والمساواة، لأنه يضم كافة الفئات والدرجات الاجتماعية، وكذا كافة المستويات التعليمية، كما أشار عادل إلا أنه عرف طريقه إلى المقهى بعد مرحلة الدراسة الثانوية، حيث بدأ في التردد على المقاهي، ويشير إلى أنه تعلم من خلالها الكثير بفضل تعرفه لأشخاص عديدين، وبالتالي اكتسب خبرات لم يكن في حسبانه أن يكتسبها من الجلوس على المقهى· أما أحمد السيد حلمى والذي يعمل مشرفاً في أحد المقاهي، فيوضح، أن المقهى يعد أفضل مكان لتخليص كثير من الأعمال والمصالح بين الناس، وليس مجرد مكان لاضاعة الوقت، ومع ذلك هناك من يجيء لمجرد الخروج من المنزل وتمضية الوقت مع أصدقائه، أي أنه لا يمكن أن نضع زبائن المقهى كلهم في نفس موضع التقييم، خاصة وأن هناك مهنا بعينها تقوم من خلال المقاهي، مثل السماسرة ومندوبي المبيعات، الذين يعتبرون ارتيادهم للمقاهي جزءا من طبيعة عملهم، لمساعدتهم في عمل شبكة علاقاتا اجتماعية تفيدهم في العمل· ''متنفس للكثيرين'' وعن رأي علم الاجتماع فيما يتعلق بنظرة المجتمع إلى المقهى يقول الخبير الاجتماعي زهير عبد الكريم، الذي يعمل في دولة الإمارات ما يربو على خمسة وعشرين عاماً، في البداية يجب أن أوضح أن المقاهي الموجودة هنا على أرض دولة الإمارات، ليس بها مجال للتسكع أو لجلوس العاطلين عن العمل، وذلك يرجع إلى انعدام نسبة البطالة في المجتمع، فالكل لديه ما يعمله ويشغله، ولكن الوظيفة الحقيقية للمقهى كما أراه، أنه متنفس للكثيرين للخروج عن ضغوط وأعباء العمل، وإذا ما حدث تطور به، فيتمثل في إضافة بعض الألعاب الإلكترونية والتي تعد عامل جذب، خاصة للفئات العمرية الأقل عمراً، أما من ناحية استخدام المقهى في قضاء الأعمال والمصالح، فإن ذلك يرجع إلى المقهى ذاته، من حيث مستوى الخدمة المقدم داخله، أو من حيث موقعه، مثلاً من الطبيعي عندما يكون المقهى في مكان تجاري مزدحم، أن يكون غالبية مرتاديه، ممن يسعون إلى إنجاز بعض أعمالهم وأشغالهم، بحيث يكون المقهى مكاناً لإلتقاء بعض من عملائهم، أما إذا كان المقهى في منطقة هادئة أو غير تجارية، من الطبيعي أن يكون قاصديه غرضهم الرئيسي هو الخروج من المنزل والتقاء اصدقائهم هناك، خاصة أن طبيعة السكن قد لا تسمح في أحيان كثيرة باستقبال الأصدقاء داخله، وهذا يعني أن المقهى أشبه بنادٍ اجتماعي يناسب كثيراً من طبقات المجتمع ويمكنهم التلاقي فيه بسهولة ويسر·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©